أبطال فوق الـ«60»
هدي منصور
شقة صغيرة، داخل أحد عقارات شوارع الدقى الضيقة، تحوى على أسرار وحكايات وبطولات أجيال رفعت اسم مصر عاليا فى العديد من المحافل الدولية، حوائطها تحكى عشرات المواقف والقصص الإنسانية للعشرات بل المئات من الأبطال لـ26 لعبة متنوعة من جميع محافظات مصر.. أنت هنا فى «نادى قدامى الرياضيين».
لافتة صغيرة تشير إلى مقر نادٍ صغير داخل العقار رقم 3 فى شارع الأنصار بالدقى، ما إن تطأ قدماك عتباته، حتى تشعر بأنك دخلت فى لعبة عجلة الزمن لترجع بك لما يزيد على 50 عاما للوراء لتعيش مع أبطال رفعوا اسم مصر عاليا فى العديد من البطولات الرياضية.
صالة صغيرة فى مدخل المقر الوحيد للنادى، عليها تاريخ التأسيس الذى يعود لعام 1980، ومواعيد الحضور اليومية التى تبدأ من الساعة الـ10 وتضم اللوحة عشرات الصور لتجمعات جيل الأبطال بعد الستين، فضلا على صور لأبطالهم فى الألعاب المتنوعة حرصوا على أن تكون فى المدخل كنوع من الفخر لأمجاد الماضى، ثم غرفة بها 4 أقسام إدارية للنادى لتقديم الخدمات لنفس جيلهم ممن هم على قيد الحياة، وبجوار الغرفة التى يجلس فيها 4 أفراد، توجد غرفة صغيرة للاجتماعات الخاصة بالأعضاء وتجرى فيها احتفالاتهم البسيطة وتضم أوسمة وتكريمات صنعوها من أجل الآخرين للتأكيد على أدوارهم التى سجلت فى تاريخ الرياضة.
الكابتن «وفاء» ترأس مجلس إدارة النادى، وتؤكد أنهم يسعون لدعم قدامى الرياضيين حماية لهم من التشرد فى الشوارع أو تعرض أسرهم لظروف صعبة بعد بلوغهم سن الـ60.. وتقول إن أحلامها تتلخص فى إقامة نادٍ صغير لهم لنقل خبراتهم الرياضية للأجيال الجديدة، مشيرة إلى أن الإعانة المادية للاعبين، كانت فى بدايتها فى الثمانينيات 30 جنيها للاعب الأوليمبى، و 20 جنيها للبطل الدولى والمحلى، ووصلت حاليا إلى 200 جنيه فى عام 2017.
الكابتن «وفاء» بطلة سلة بدرجة دكتوراه
الكابتن وفاء محمد صلاح الدين، سيدة سبعينية لا تبالى بآثار الزمن والسنوات التى مرت عليها وظهرت على تفاصيل وجهها من تجاعيد وجسد نحيل، تقول: أنا بطلة مصر فى الستينيات، لعبت رياضة 35 عاما من عمرى عكس كل الفتيات لا يزيد عمرهن فى لعب الرياضة على سن 25 عاما، ثم يتفرغن للزواج ومسئوليات أخرى، ظللت ألعب كرة «السلة» حتى الثمانينيات وأنا من جيل الأربعينيات.
الكابتن وفاء كانت بدايتها فى عالم الرياضة مختلفة عن أى فتاة من جيلها، حيث بدأتها فى عمر 10 سنوات وكانت تعشق الرياضة؛ خصوصًا السلة، وكانت أسرتها البسيطة من سكان القاهرة تشجعها على الاستمرار، فوالدها كان صلاح الدين عبدالحفيظ أحد الضباط الأحرار.
تقول: رؤية والدى الدائمة بأنه بطل كانت تشجعنى لأن أكون مثله بطلة فى مجال هوايتى فكان يشجعنى كثيرا، ووالدتى كانت ربة منزل وعندى شقيقة واحدة وأخى الصغير، وفى سن الـ10 سنوات كانت هناك لجان رياضية تمر بشكل دائم للبحث عن الأبطال الصغار لتأهيلهم وتم اختيارى، ومع الرياضة لم أتوقف عن الدراسة، وحققت النجاح فى الاتجاهين.
تستكمل الكابتن وفاء قصتها: كانت النجاحات فى حياتى فى الرياضة متنوعة بعد أن تم تدريبى على يد كبار أبطال الرياضة فتم ضمى إلى مدارس النادى الأهلى الرياضية، وفى الستينيات التحقت بالمنتخب المصرى لكرة السلة وحصلت على لقب أحسن لاعبة فى السلة بأفريقيا، وتواجدت فى المنتخب أحقق بطولات حتى عام 83، فكرات الدم التى كانت تسير فى دمى ولاتزال هى هواية لعبة كرة «السلة»، كما حققت النجاح فى مجال دراستى والتحقت بكلية التربية الرياضية وتم تعيينى كمعيدة فى الكلية، ثم أستاذ مساعد بعد حصولى على الماجستير ثم أستاذ فى الكلية بعد حصولى على الدكتوراه.
الكابتن وفاء، انشغلت فى مجال هواياتها ودراستها وتركت حياتها الخاصة فلم تكوِّن أسرة أو تتزوج، حيث كانت تحمل مسئوليات داخل أسرتها، انشغلت بها عن حياتها الخاصة، وكانت تحرص على التواجد مع والدتها التى مكثت معها بعد زواج أشقائها، وبعد كل ما حققته من نجاح لم تحصل على أى مكافأة مادية وكانت أقصى مكافأة حصلت عليها عندما توجت بلقب بطلة أفريقيا فى السلة ميدالية صغيرة مكتوب عليها اللقب الذى حصلت عليه من معدن الذهب.
وتقول: منذ دخولى الرياضة حتى نهاية مشوارى بها، كانت المكافأة وجبة عشاء فقط، أو طقم جديد للعب به باسم مصر فى شارع عماد الدين عند خياط «ألماني»، كنا لا نبحث عن المادة بل نبحث عن البطولات فكانت الرياضة لدينا أخلاقًا وليست مالا فقط، والأبطال فى عهدنا لا يسلط عليهم الضوء كأفراد بل الفريق كله يسلط عليه الضوء كأبطال.
وتضيف إنها تطوعت للعمل كممرضة بقصر العينى أثناء حرب 1973 وسافرت عام 1983 إلى قطر بعد أن أعلنت حاجتها لتأسيس قسم للتربية الرياضية فى الجامعة، وكان أول قسم فى الخليج للرياضة فى الجامعات، وواجهت صعوبات شديدة لرفضهم مشاركة البنات فى ارتداء ملابس الرياضة، فكانت حياتهم بدوية منغلقة ولا تصلح لهذا التطور، لذلك قررت العودة لتنفس حرية الرياضة فى بلدى، وبعد عودتى شاركت كأول سيدة فى المجلس القومى للشباب والرياضة فى عام 2007 كعضو فى المجلس، وحققت انتصارات متعددة لدعم المرأة فى الرياضة.
ناجى الدمنهورى خريج «مصنع الأبطال» الرياضيين
ناجى محمد الدمنهورى، حكم سابق ولاعب كرة قدم، وعضو فى نادى الرياضيين القدامى، من أبناء محافظة الغربية مواليد 1948، حب الرياضة كان كل حياته؛ خصوصًا فى عمر الـ10 سنين وكانت كرة الشوارع المعروفة بـ«الكرة الشراب» الفضل الأول لكونه لاعبا وحكما فيما بعد.
يقول: كان والدى يعمل فى شركة المحلة وانتقلنا للقاهرة وعمرى 10 سنوات، وواجهت صعوبة بالغة فى البداية فى البحث عن الشوارع الواسعة للعب بها مثل مدينتى البسيطة، ولم أجد، حيث كنت أسكن فى مصر الجديدة، وكان نادى النصر قريبا منى وهو ما جدد الأمل فى داخلى لممارسة هوايتى المفضلة.
ناجى الدمنهورى كان المسئول عن فريق كرة القدم بالمدرسة فى مرحلة الإعدادى والثانوى، وأثناء انتقاله للجامعة حدثت النكسة وتوقفت الرياضة فى مصر، وكانت دراسته فى البداية بالكلية الجوية، إلا أنه لم يوفق فيها، وكان وقتها أبطال معهد التعاون لهم صيت كبير، فسارع بالانضمام للنادى ليصل إلى هدفه بلعب كرة القدم مع الكبار. يشير الدمنهورى إلى أن معهد التعاون كان يضم فى ذلك الوقت جميع الأبطال الرياضيين وجميع الفرق الشهيرة، كانوا طلبة ولاعبين فى الوقت نفسه، من بينهم الكابتن أحمد شوبير والكابتن محمود الخطيب، والكابتن ثابت البطل والكابتن طاهر أبوزيد، فكان المعهد مصنعا لأبطال الرياضة فى مصر لجميع الألعاب فى الثمانينيات، وعملت حكم كرة قدم محليا فى تلك السنوات وتم ترشيحى حكما دوليا أكثر من مرة، ومنذ عام 2013 وأنا فى نادى قدامى الرياضيين لخدمة أصدقائى.
الكابتن محمد الدمنهورى، الذى تخطت سنه الـ60 إلا أنه لايزال يشارك فى التحكيم بشكل ودى مع الفرق الصغيرة، يقول: «يكفينى فخرًا أننى من جيل العظماء وشاركت معهم واسمى بجوارهم فى كتب التاريخ الخاصة بهم، ودورى الحالى داخل النادى البحث عن كل من شاركوا فى جيل الزمن الجميل فى الرياضة لإعانتهم؛ خصوصا بالمحافظات، وجميعهم لا يعملون حاليا وفى حاجة للمساندة، ولايزالون محتفظين بخبراتهم السابقة».
محب زكى بدأ التحكيم 1977 وأدار مباريات لـ«أبو تريكة»
محب محمد زكى الدين لاعب كرة سابق فى نادى الإسكندرية، كان من سكان الثغر وعاشقا للرياضة، ورغم أن والديه لم يكونا من هواة الرياضة، فإن منزله كان به 3 رياضيين هو واثنان من أشقائه، يقول: فى عام 1965 عندما حصل الأوليمبى على الدورى، كنت أسعى للالتحاق بالنوادى الشهيرة، لكن توقف النشاط الرياضى بسبب النكسة، حيث أغلقت النوادى أبوابها أمام الباحثين عن الرياضة وهو ما دفعنى للتدرب فى النوادى الاجتماعية.
بانتهاء الحرب، كنت قد انتظمت فى كلية الخدمة الاجتماعية بالقاهرة، وحرصت على الاستقرار من أجل الدراسة، وبالصدفة أثناء مرورى لشراء ملابس من شارع الشواربى فى وسط البلد، وجدت خناقة بين عدد من المحكمين فأفدتهم برأيى بما جمعته من خبرة فى التحكيم، والمفاجأة أن المكان الذى كان أمامه المشادة كان به فرص عمل فى التحكيم فى مباريات كرة القدم.
عمل زكى منذ 1977 حتى 2001 كحكم محلى، قضى من هذه الفترة 11 عاما كحكم فى الدورى الممتاز، أدار خلالها العديد من المباريات لأشهر فرق الدورى وفى مقدمتها الأهلى والزمالك، وشارك فى تحكيم مباريات لعب فيها حسام وإبراهيم حسن وأبو تريكة، وأكد أن أول مكافأة حصل عليها فى عام1980 كانت ثلاثة جنيهات عن تحكيم مباراة للأشبال، وكلاعب لم يحصل فى حياته على أى مكافأة، وكانت مكافآته وجبة غذاء فقط.
ويحكى الكابتن محب محمد زكى الدين عن عدد من الطرائف واجهته خلال مسيرته منها أن المدربين كانوا يطالبونه بشكل يومى بالوقوف فى الشمس نصف ساعة والوقوع أثناء اللعب حتى لا يتعرض لإصابة خطيرة تمنعه من دخول الملعب، وعدم شرب المياه وتناول الفاكهة بعد الطعام بساعتين.
فاروق السيد.. نجم الستينيات الذى كرمه السادات
فاروق السيد، لاعب شهير فى المنتخب بكرة القدم فى الستينيات، كانت بدايته بلعب الكرة فى الشوارع، فهو من أسرة بسيطة، فوالده كان يعمل فى البلدية ووالدته ربة منزل، حيث كان الشارع بداية تعلمه الرياضة واللياقة البدنية مثل الجيم والاحتراف فى كرة القدم دون مدرب.
يحكى السيد عن الشارع قائلا: «كانت به جميع أنواع الألعاب والكرات «جلد، شراب، تنس» وكانت فيه ألعاب تساعد اللاعب على أن يكون لائقا فى الشوارع، بمسميات شعبية كما تساعده على التمتع بالرشاقة بدلا من الجيم، والوقوف على قدم واحدة والسير لمسافات طويلة»، ويؤكد أن حياته الحقيقية بدأت من الأندية الشعبية، التى كانت على شكل دكان صغير فى الشوارع، وكان يشترك جميع الشباب ونراسل الأندية الشعبية الأخرى لتبادل الخبرات.
يضيف: فى نهاية الخمسينيات اكتشفنى لاعب كبير فى النادى الأوليمبى وأنا لاعب فى النادى الشعبى ووقعت مع النادى الأوليمبى، وكان خوفى من مهارات اللاعيبن سبب تركى الفريق، وانتقلت إلى نادٍ أقل وكان نادى التروماى، وعملت فى هيئة النقل العام واشتركت فى النادى الخاص بهم نادى «التروماي» وأصبحت نجما فى الفريق، وفى نهاية 64 طلبنى الأوليمبى بالتبديل مقابل أى لاعب يمتلكه من النادى، وهنا شاركت فى الدورى مع الفريق وفزنا فى عام 65 - 66.
ذاع صيت السيد وكان نجم كرة القدم المصرية فى الستينيات، وكانوا يطلقون عليه مسمى لاعب برازيلى شهير يدعى «جرامسيا»، وحصل مع الأوليمبى على المركز الثالث فى الدورة الأفريقية بالسودان، والمركز الرابع فى دورة البحر الأبيض التى أقيمت فى تركيا، وأول بطولة عربية فى العراق عام 72 وتم تكريمه من الرئيس الراحل أنور السادات.
يقول السيد: كان للمنتخب دور وطنى وكنت واحدا منهم فى وقت النكسة، عندما خرجنا خارج الحدود لجمع العملة الصعبة للمساندة فى الحرب مثل الدور الوطنى الذى قامت به الفنانة أم كلثوم لإدخال العملة الصعبة إلى مصر وقت الحرب، ويؤكد أن أكبر مكافأة حصل عليها 200 جنيه فى عام 1966 حيث نشرت الصحف المصرية فى الصفحات الأولى أن كل لاعب كرة قدم بعد الفوز سيحصل على 200 جنيه مكافأة بالإضافة إلى حفلة أضواء المدينة التى يحييها عبدالحليم حافظ وكانت المكافأة كبيرة جدا فى ذلك الوقت.