الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فيمينزم.. على سنة الله ورسوله!

فيمينزم.. على سنة الله ورسوله!
فيمينزم.. على سنة الله ورسوله!


يبدو أنه قد حان الوقت جديا للبحث عن السبب وراء إشارة العامية المصرية إلى المرأة باعتبارها «ست»!
«ست» عند الفراعنة هو إله الشر، وأعتقد أنه ليس من قبيل المصادفة أبدا أن تعتبر المرأة عند عوام المصريين واحدة «ست»!.. وربما فعلا كان للتسمية جذر فى الوجدان الجمعى لعله يبرر أو يشرح حتى «هذه المرونة» البالغة فى التعاطى مع كل الأفكار والمعتقدات- أيا كان مصدرها- طالما أنها تكسر لـ«ست» ضلع، فيما تصير دماغ المجتمع «أنشف من الحجر» إذا ما تعلق الأمر بتقبل أى فكر يدعو إلى إنصاف المرأة أو حتى مجرد رفع غبن ما عنها، ناهيك عن الاعتراف بثمة حق لها، حتى لو جاء هذا الاعتراف الشحيح فى سياق «اجتهاد» فقهي، برغم أن دعاة كهنوت الدين لا حديث لهم طوال الوقت إلا عن «الاجتهاد» الذى إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران!

حسنا تجدر الإشارة إلى أن الكاتبة طالما اعتبرت حركة «الفيمينزم» المصرية فى النصف الأخير من القرن العشرين هى أحد الأسباب الرئيسية وراء تخلف المرأة المصرية وضياع حقوقها، فأغلب دعاة التحرر النسائى من النساء كن قانعات للغاية بالمكاسب النسوية طالما أنها لم تصل للحد الذى يغضب الرجل أو يثير حفيظة المجتمع الذكوري، بعبارة أخرى فإن المرأة «حرة» بقدر ما «يمنحها» الرجل من حريات، ومن رحم هؤلاء خرجت علينا «الداعيات» اللاتى اختزلن كل حريات النساء وحقوقهن فى الاحتشام والحجاب من أجل «عفاف الرجل» أولا وصيانة لجسد المرأة من شهوات الرجل، واعتبرت هؤلاء «المناضلات» إن قمة انتصار المرأة هو «ممارسة حقها فى النمص» على الشريعة الإسلامية واقتداء بالنبي- نفسه- طالما أن «تخفيف الحواجب» يأتى أيضا كحق زوجى للرجل/ الزوج الذى قد تخلع المرأة عينيها- بكل حرية- إرضاء له، عملا أيضا بوصايا عائشة- زوج النبى الأثير عنه!
اعتبرت هؤلاء الداعيات المتحررات المودرن أن فقه المرأة- مع التحفظ التام على الاصطلاح- وحقوقها  وحريتها مرتبط ارتباطا لصيقا بفراش الزوجية وآدابه وفنونه وأهوائه، حيث على المرأة أن تتحضر له قبل البلوغ عبر تسليمها بكل الفتاوى والشروحات والتفاسير والاجتهادات المخطئة- ذات الأجر- «والمصيبة» «من البلايا وليس الصواب» فى أكثر الأحيان، ومنهن من أخذ على عاتقه تفسير عمليات التأديب والتهذيب والإصلاح التى قد تبدأ عند الضرب- وفيه فتاوى بين الهين والعنيف- وقد تصل إلى اللعن ودعاء الملائكة، ولم يقف الأمر عند الزوج وحده، بل دخل أهله وأقاربه وأحبابه على الخط أيضا، والمرأة حرة بالطبع ومصانة وفى أعلى المنازل إسلاميا طالما أنها فى كنف وعصمة هؤلاء جميعا، وإلا لكانت «ناشز» وناقصة عقل ودين!
لم تجرؤ المرأة نفسها- فى مصر- على المبادرة وانتزاع حق العمل الذى كانت بعض مناصبه ممنوعة عليها حتى وقت قريب، وثارت ثورة المجتمع حين طالبت أصوات- أكثرها خارج أوساط المؤسسات الدينية- بتولى المرأة مناصب القضاء أسوة بدول المغرب، حتى  الآن لم تجرؤ امرأة مصرية على المطالبة بحق التجنيد الذى سبقتنا إليه نساء «سوريا» فحملن السلاح جنبا إلى جنب أبنائهن وأزواجهن وأخواتهن على الجبهة، ومجددا تعلو أصوات- خارج المؤسسات الدينية- تطالب بالسير خلف المرأة التونسية سيما فى تشريعات المواريث وسط صمت نسوى مصرى مريب، تاركا الساحة لقيادة الكهنوت الدينى لتصادر حتى على مجرد الاجتهاد!
المثير للدهشة أن دول المغرب العربى التى تتنازعها تيارات السلف والوهابية- ناهيك عن الأخونة السياسية- كانت بالتجربة والممارسة الأسبق إلى تمكين المرأة، لا عن تغريب للاصطلاح بقدر ما هو عن «تفعيل» لتفاسير عصرية للتراث التشريعى- لا أقول الشريعة- أغلبها مستقى عن اجتهادات متروكة، بل إن منها ما هو قائم بالأساس على مرونة التعاطى اللغوى مع النص باعتباره حمال أوجه، وهو ما يأخذ به الشيعة أحيانا فى تفسير مقاصد النص واستنباط أحكامه وتخريجاته سيما فيما يخص حقوق النساء!
المحزن فى المقابل أن قامة فلسفية وبرلمانية كالدكتورة «زينب رضوان» حين طرقت قضية نسوية حقيقية كشهادة المرأة- باعتبارها نصف شهادة الرجل فى الإسلام- وذهبت فى أوجه تفسيرها إلى حد اعتبار عامل التعليم ونفى الجهالة وإجادة القراءة والكتابة عن المرأة هو فى حد ذاته محور اعتماد كافٍ للاعتراف بشهاداتهن كاملة الأهلية مفندة الأدلة والأسانيد من كتب التراث التشريعى وسلف التفاسير اللغوية والشرعية للنص، قوبلت بهجوم واعتراض صادر حتى على مجرد طرق الفكرة وحقها- كإنسان- فى ذلك!
شخصيا لم يثر انتباهى «عطية السبسي» للتونسيات فيما يخص مساواة المواريث، فالأمر حسبما سبق لى الاطلاع حوله- يحتمل مراجعات عدة، سيما إن تعلل أنصار «حظ الأنثيين» بقوامة الرجل ومسئولياته وأعبائه المالية الاجتماعية فى مجتمعات يضحكك بشدة أن بها شرائح اجتماعية «بحالها» قائمة بالأساس على إعالة المرأة، لكن «ما علينا»، أقول أن ما لفت انتباهى بشدة هو «منشور 73» التونسى الذى أصدره «السبسي» مرسوما بتعديله بحيث يجيز زواج المسلمة بغير دينها، ولعمرى فلو كان لدينا - كمصريات يعني- حركة فيمينزم جادة لكانت أقامت الدنيا وأقعدتها فيما يخص هذه النقطة وحدها ولا تثريب!
أظن أن انغلاقية المجتمع المصرى ومصادرة حق الفرد فى قبول الآخر وانفتاحه على مجتمعات مغايرة فى العقود الأخيرة جعلت مسألة «الزيجات عابرة الأديان» مسألة غير مطروحة للنقاش أصلا، فيما اقتصر تداولها على استحياء فيما يخص زواج المسيحية بالمسلم- باعتباره «حلال إسلامى خالص» مع تحريم العكس، أعنى زواج المسلمة بالمسيحي، المسألة بكل المقاييس شائكة، لا سيما فى مجتمع تعد «الفتنة الطائفية» ورقة ضغط مطروحة دوما للمساس به أمنيا، لكن يبقى قبل وبعد كل شيء وبالبلدى كده «الجواز بالاتفاق»، وأحد أوجه الاتفاق هى القناعة العاطفية التى لا حيلة للمرء فيها، وهى النقطة التى تواطأ فيها المشرع والكهنوت و«القبيلة المجتمعية» جميعهم من أجل وأدها لصالح منظومة تخاصم فطرة الإنسان السوي!
مرة أخرى الأمر نفسه ليس غريبا عن واقع الممارسة النبوية الثابتة، فالنبى نفسه احترم عاطفة العشق بين ابنته المسلمة حديثا وزوجها وابن خالتها الذى لم يدخل فى دين زوجته وحميه بعد، بل إن محمد صلى الله عليه وسلم استأذن «أبا العاصى ابن الربيع» زوج ابنته «زينب» ألا يقيم معها بعد نزول آية التفريق، لم يأمره ولم «يفته أو يفت ابنته» بتحريم زيجتها، وظلت «زينب وأولادها» فى كنف أبيها يزورها زوجها ويطمئن عليها وعلى أبنائها دون طلاق وكذلك دون عشرة احتراما فقط لاتفاق الرجلين- النبى وزوج ابنته- فيما كانت «زينب» افتدت زوجها بقلادة زواجها- شبكتها يعني- التى وهبتها إياها أمها «خديجة» وذلك حين أسر «ابن الربيع» فى «بدر»، ولم يعترض النبى صلى الله عليه وسلم بل ألمح مخيرا أصحابه أن يردوا لابنته «أسيرها ومالها» ففعلوا حبا منهم وطاعة ورحمة ورفقا بالزوجين المتحابين، يعنى تقدر تقول «فيمينزم» على سنة الله ورسوله!
الثابت كذلك أن أغلب الحدود- إن لم يكن كلها- لم يبادر النبى إلى تطبيقها حتى بعد أن بدأ الإسلام تبرز ملامحه كقوة لها طابع سيطرة ونفوذ سياسى إقليمي، ليس الأمر مرده إلى ضعف النبى وأتباعه مرحليا وإلا لصدقت مقولة أن الإسلام ما انتشر إلا بالسيف، وإنما على الأرجح لأن «الحد» أو القانون التشريعى ذاته مرتبط إلى حد بعيد بالحالة الاجتماعية والظرف الإنسانى الذى يخضع له المجتمع، فالأصل فى العموم الإباحة، ثم توضع المحاذير والقواعد والقوانين المنظمة لها، وليس أن تفرض «قانونا» أو تضع حدا يقضى بمنع ما لا حيلة لك فيه ثم تذبح من يخالفه!
هل نحن بحاجة إلى تجديد الخطاب الديني؟
فى تناولها الإخبارى لخطاب السبسى استضافت قناة بي. بي. سى العربية شيخا «بجبة وعمة وقفطان وكاكولة»- جاى رسمى يعني- ليعلق على ما وصف بأنه «فتوي»- باعتبار إجازة دار الإفتاء التونسية له، طبعا لم يفت الشيخ أن يرفض أقوال الرئيس التونسى جملة وتفصيلا باعتبارها تتناقض مع الشرع، وهذا نهج «مشيخي» معروف مسبقا ولم يعد صادما، لكن الصادم بحق هو أنه «أسقط عن دار الإفتاء التونسية بحالها» شرعيتها. واصفا إياها بأنها «مؤسسة إدارية تتبع الدولة، خالعا عنها كل شروط العلم والفقه والالتزام بعلوم الدين المعروف، بحسب قوله، ولم ينتبه مولانا إلى أن هذه مثلا تعد «فتوى منه بذلك» فيما هو نفسه ليس أهلا لها، ولم يقل مولانا كيف لجهة ما أنشأتها دولة ما بهدف «التنظير الفقهي» أن يأتى «واحد رجل» يسلبها جميع حقوقها المهنية وينفى عنها «القوامة العلمية» اللازمة لمجرد أن هذه الجهة «أجازت رأيا»- مش على هواه- فيما هو من خارج حدود الدولة الصادر فيها الفتوى ولا يحمل جنسيتها أصلا!
فى السياق السابق الأرجح أننا بحاجة إلى «خطاب ديني» فى المقام الأول، إذ لم يعد لدينا «خطاب ديني» أساسا لنجدده، فى مصر تحديدا يواجه المجتمع تحديات وجودية حقيقية، أزمة الانفجار السكانى واختلال البنية الاجتماعية باختلال توزيع الشرائح العمرية فيما لم تبذل المؤسسة الدينية دورا حقيقيا من أجل «عصرنة» فتاوى الإسلام فيما يخص تحديد النسل وإباحة الإجهاض، ومنع تعدد الزوجات، لم تقف المؤسسة الدينية الذكورية وقفة واضحة فى ظل تفسخ المجتمع وخضوعه لتيارات التسليف الوهابى الصحراوى بما يهدد أمنه وسلامته لتصدر فتوي- تعمل العقل- لتحريم النقاب ولو بالنظر لخطورته الأمنية وما نشهده من عمليات إرهابية داعشية وإخوانية، بل إن المؤسسة الدينية لم تحاول حتى المبادرة لفتح باب الاجتهاد فى مسائل أصبحت مثيرة للجدل بحكم التقدم العلمى الذى يقطع على نحو جازم أمورا هى فى صلبها «تعليلات وتبريرات» استند رجال الدين إليها فى تفسير النص، كعدة المطلقة التى باتت براءة الأرحام فيها مسألة غير جائزة قياسا بعدة الدورة الشهرية فى ظل التقدم العلمى الحالى بهذا الشأن، وهو ما يبدو معد النص- فى ظل قصور التفسير- ضيق الآفاق وغير مواكب للعصر! 