الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الطوفان الذى أنقذ الموسيقى والرقص من التجريم وبطش الحاكم

الطوفان الذى أنقذ الموسيقى والرقص من التجريم وبطش الحاكم
الطوفان الذى أنقذ الموسيقى والرقص من التجريم وبطش الحاكم


يسعى عرض «يوم أن قتلوا الغناء» الحائز على جائزة أفضل عرض فى المهرجان القومى للمسرح 2017 إلى تأكيد فكرة مهمة وهى مفهوم فريق العمل المتجانس بعيدا عن الاعتماد على نظام نجوم التمثيل الشهيرة، وهو يحقق حساسية مسرحية تتأكد بالتدريج لدى جيل جديد من المخرجين المسرحيين فى مصر، وواحد من هؤلاء المخرج تامر كرم، حيث السعى نحو الاهتمام الواضح بالصورة المسرحية، والعمل على تجانس عناصر العرض المسرحى بطريقة فنية مبتكرة، حيث يراهن الجدد المبهجون على قدرة العرض المسرحى الجيد على اختيار جمهوره وإنتاج جاذبية خاصة.

وهو ما يفعله عرض «يوم أن قتلوا الغناء» حيث يتجه لجمهور جديد محب للمسرح كفن جميل، وهو فى معظمه جمهور شاب يتم التواصل معه عبر وسائط التواصل الاجتماعى على الشبكة الدولية للمعلومات مما يؤكد مفهوم فريق العمل الجماعى القادر على صنع تجربة فنية هى فى ذاتها تمثل القدرة على الاختلاف مع السائد والجماهيرى العام فى مسرح الهزل الخشن الذى اختفى من دور العرض المسرحى تقريبا ليظهر على الشاشات الفضائية.
ويكاد يمكن أن يصبح الأمر ظاهرة إذا ما استمرت هيئة المسرح فى ذات الاتجاه لصنع التراكم التدريجى الذى يؤدى إلى تغيير نوعى ننتظره فى المسرح، وهكذا يمكن للمخرج إسماعيل مختار إن سار فى هذا الطريق الصعب الجاد مع مسار تدريب الفنانين واستعادة تماسك وحيوية الفرق الفنية أن يفتح بابا للأمل فى المسرح المصرى كاد أن يغلق، ألا وهو باب الاختيار والانحياز للمسرح كفن جميل، مما يؤكد الظاهرة الإيجابية ويجعل إمكانية تكرارها وتراكمها حتى تصنع التغيير الكيفى عبر التغيير الكمي، هو وجود جمهور مختلف يستجيب ويتحرك إلى دار العرض المسرحى وراء المسرح كفن جميل، فـ«يوم أن قتلوا الغناء» تعتمد على اللغة العربية الفصحى ذات الصياغة الشاعرية التى يتخللها بعض الغناء البسيط الفصيح، وجدير بالذكر أن رؤية المخرج تعود خطوة للخلف، هى بمثابة خطوات كثيرة للأمام، إذ يعود لمسرح الكلمة وللبناء الدرامى وللعناصر التقليدية للمسرح بعد موجات من التجريب المصطنع المنفصل عن الجمهور اجتاحت جيله وأجيال سابقة ساهمت فى فصل المسرح الجاد عن جمهوره ذلك أن الفن بلا معنى محدد هو غموض قادر على الإبعاد والعزل، وهو الخطأ التاريخى الذى أحدثه مشروع التجريب المسرحى فى وزارة الثقافة منذ أوائل التسعينيات حتى 2011، رغم ما أسهم به من تجديد المشهد وفتح نافذة على التفكير المسرحى الجديد فى معظم أنحاء الدنيا، إلا أن بقايا ذلك الأثر المفتعل القائم على الإبعاد قليلا يتبقى فى تصور العرض عن العالم الموضوعى الذى يقدمه، فرغم أن عالم المدينة التى تحرم الغناء وتعتبره جريمة تستوجب العقاب لمرتكبيها بالقتل، فى إشارة مع التفسير الفاعل مع العالم الموضوعى الخارجى لبعض البلدان التى يحكمها الظلام الذى يدعى أنه يمثل السماء، أو بعض الرؤى الساعية للقتل والإرهاب بدعاوى ظلامية.
إلا أن النص الدرامى للمؤلف الجديد القادم محمود جمال يبتعد عن فرصة حقيقية كانت ممكنة للحوار مع العالم الموضوعى المعاش خارج نطاق العالم الدرامى المتخيل، الذى اختار لأبطاله أسماء تشبه أبطال الأساطير اليونانية والبابلية القديمة، مما أدى لإبعاد نفسي، فهذا السعى نحو صنع عالم درامى غريب عن محيطه المصرى والعربى هو أثر يجب الحذر منه تماما فى سعى هذه الحساسية الجديدة نحو الاقتراب من الجمهور، فالحاكم «سيلبا» الذى مثله القدير د. علاء  قوقة فى تناغم ممتع مع القدير ياسر صادق الذى يقدمه العرض كممثل جديد بحساسية عميقة انتظرت سنوات حتى تصل لهذا النضج، إنه جيل مسرحى من الممثلين يراكم الخبرة والوعى ويعبر عن إخلاص حقيقى لفن المسرح، ولكن لماذا غرابة الأسماء وانتحال الطابع الأسطورى اليونانى القديم فى الملابس مع منحى يونانى فى المنظر المسرحي؟!.
ولذلك تبقى المواجهة بين شخصية مدى الذى يبنى سفينة لمحبى الحياة والغناء، ليواجه بها بطش حاكم المدينة «سيلبا» الذى يحكم من المعبد باسم السماء التى تمنع الغناء والرقص والموسيقي، ثم الانتصار عليه فى النهاية، حيث يأتى الطوفان المنتظر لينجو مدى ورفاقه فى السفينة، بينما تغرق المدينة  فى الظلام والقتل ليقدم العرض الفئة الناجية الجديدة المختارة وهو أمر يبتعد بالعرض عن إمكانية تفسيره فى ضوء الواقع الموضوعي، ويأخذه فى اتجاه الأفكار العامة المجردة، إلا أنه يقدم رغم ذلك عالما من الصور المسرحية الجميلة التى تحتاج للتواصل الأكثر فاعلية مع الواقع، وضبط صورة العالم لدى جيل جديد جاد ويملك الموهبة والطاقة، وهى الملاحظة الحاضرة عن مواهب لامعة وحضور مسرحى لطارق صبرى فى شخصية إريوس الجندى القوي، وهند عبدالحليم فى شخصية كورمن، ومجموعة من الجدد المبهجين فى فريق مسرح الطليعة الذى يديره المخرج شادى سرور بحرص واضح على تأكيد فكرة الفريق المسرحي، وإن كان هذا الفريق يحتاج لخبرات أعمق فى إنجاز أفكار ورؤى أكثر اقترابا من الجمهور والواقع والعالم الموضوعى فى مصر الآن.
فبعيدا قليلا عن الغرابة والكلام الكبير، وبقدر من ضبط المحتوى يمكن أن يكسر المسرح المصرى بهؤلاء الجدد حاجز المسافة التاريخية الملتبسة بين المسرح الجاد والجمهور العام. 