قوائم العار فى «ترميم الآثار»!

نعمات مجدى
قائمة طويلة من الآثار الإسلامية الموجودة فى شوارعنا والتى تعانى من الإهمال بين مساجد ومنازل أثرية تنتظر الترميم لسنوات طويلة.
«روزاليوسف» رصدت بعض هذه الآثار لعلها تكون صرخة لمسئولى وزارة الآثار لترميم هذه التحف المعمارية وإعادة وضعها على خريطة مصر السياحية.
مسجد السلطان الظاهر بيبرس فى ميدان الظاهر.. والذى يعد أكبر المساجد الإسلامية بعد مسجد «ابن طولون». والثانى فى المساحة، حيث تبلغ مساحته 103 فى 106 أمتار لم يبق منها سوى حوائطه الخارجية وبعض عقود رواق القبلة.
يعتبر هذا الجامع من أكبر جوامع القاهرة، إلا أنه تحول مع مرور الوقت من موقع أثرى إلى مكان مهمل تحاصره القمامة والمياه الجوفية من كل الجوانب، مما دفع وزارة الآثار والأوقاف لهدم أجزاء كبيرة من المسجد بسبب وجود مياه جوفية تحت أرضه، ثم تركته لعدم وجود ميزانية كافية، كما أكد السعيد حلمى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية فى وزارة الآثار أن الميزانية كانت عائقًا أمام ترميم المسجد رغم محاولات سحب المياه الجوفية من أسفله، والظروف المالية للوزارة أجلت ترميمه، وقال: أخيرًا قامت دولة كازاخستان بمنح الآثار 5.5 مليون دولار لترميمه وجارٍ عملية الإسناد قريبًا.
درويش العشماوى..
على بعد أمتار قليلة من ميدان العتبة وبالتحديد شارع العشماوى المتفرع من شارع عبدالعزيز يقع مسجد الشيخ درويش العشماوى والذى أسسه الأمير عباس حلمى فى 1850 تكريماً لاسم الشيخ درويش العشماوى للتقرب إلى أهالى الحى الذين كانوا يحبون الشيخ لكثرة كراماته.
المسجد حالته متدنية للغاية، ورغم ذلك مفتوح للصلاة، فالشقوق غزت الحوائط، والمسجد كما علمنا ينتظر دوره فى الترميم منذ 25 عاما، وتحديدًا بعد الأضرار التى خلفها عليه زلزال 1992.
وهناك خلافات حول الجهة المنوط بها ترميم المسجد، فالآثار وضعت الأبحاث والدراسات حول طريقة ترميم المسجد، لأنه من أولويات الوزارة إلا أنه وفقاً للمادة 30 من قانون حماية الآثار، فإن وزارة الأوقاف هى المنوط بها ترميم المساجد التابعة لها، ومازال الأمر قيد الدراسة كما قال لنا أحد مفتشى الآثار فى المنطقة.
حى المغربلين.. يعانى الأمرين
وفى قلب القاهرة داخل حى من أقدم الأحياء وأكثرها تمسكا بروح القاهرة الفاطمية وبالتحديد فى الدرب الأحمر يبقى شارع المغربلين واحدًا من تلك الأماكن الأثرية الإسلامية المهملة والتى تعانى من فوضى الباعة الجائلين الذين يتخذون من أسوارها سوقا لبيع منتجاتهم!
يقع المغربلين بين شارعى السروجية ومنطقة البيبانى يمينا وشارع الخيامية وبوابة المتولى أو زويلة يسارا امتدادا إلى الغورية، ورغم كون المغربلين ينتمى للحقبة التاريخية نفسها التى ينتمى لها شارع المعز لدين الله الفاطمى ذائع الصيت وبه عدد من الآثار والمساجد العريقة، لكنه لا يحظى بنفس الدرجة من الاهتمام.
يعانى المغربلين من إهمال شديد يبدو للمارة من الوهلة الأولى، فها هى تلك المساجد الأثرية تتحول ساحاتها إلى سوق للباعة الجائلين المستقرين أمامه منذ سنوات، وبيوت أثرية مسنودة بأعمدة خشبية بينها وبين بعضها بعرض الشارع منذ أن وقع زلزال 1992، الأمر لا يقتصر على المغربلين فقط، بل السروجية أيضا.
البداية مع مسجد جانم البهلوان المغلق منذ عشرين عاما حسب توضيح إحدى سيدات المنطقة، قائلة: إنه أصبح من الداخل كالتربة ويوجد به ضريح من الداخل مغلق ويفتح بعد العصر فقط فى بعض الأحيان غير ذلك فهو مهجور تماما ولا أحد يزوره، وقد يبدأون فى إصلاحه لفترة ثم يتوقفون مرة أخرى.
أما مدرسة إينال اليوسفى والتى تضم مسجدًا أيضا فقد تحول جزء منها الآن إلى حضانة لصغار الحي، ويعود تاريخ بنائها إلى عام 1392، وهى الآن جزء من شارع الخيامية، ويفتح مسجدها طوال اليوم، لكن سوره أصبح جزءا من السوق المحيطة بالمنطقة فأمامه تفترش إحدى السيدات بضاعتها.
وأوضح الحاج إبراهيم أحد قدامى سكان المنطقة أن عددا من البيوت والأماكن الأثرية أصبحت على غير عهدها، فالتكية الموجودة فى المنطقة والتى عرفت قديما بكونها ملاذا للدراويش والفقراء وغيرهم للأكل والعزومات تحولت إلى مبنى الشئون الاجتماعية كذلك بعض البيوت أصبحت مؤجرة الآن رغم احتوائها على نقوش ومشربيات أثرية.
>ثالث أكبر مسجد معلق فى العالم يغرق
مسجد الصالح طلائع آخر مساجد العصر الفاطمى والموجود فى ميدان بوابة المتولي، فى باب زويلة فى منطقة الدرب الأحمر، وضعه أكثر خطورة، حيث يُعد آخر الجوامع التى بنيت فى العصر الفاطمي، قبل سقوط الدولة الفاطمية بإحدى عشرة سنة، ورغم أن الجامع فرغ من بنائه سنة 555هـ فإنه لم يصبح مسجدًا جامعًا إلا بعد بنائه بحوالى مائة سنة، حين أقيمت فيه أول صلاة جمعة، أيام السلطان المملوكى عز الدين أيبك.
ويُعرف أيضًا بأنه «المسجد المعلق»، حيث يقع أعلى من مستوى الشارع، ويضم نقوشًا قرآنية بالخط الكوفى الجميل على الجدران والأعمدة، وأسفل المسجد توجد متاجر تدفع المتطلبات المالية للمسجد، ولقد تم تزيين جدار القبلة بنوافذ زجاجية مزخرفة جميلة وتوجد بعيدًا عن المتاجر.
إلا أنه أصبح يعانى من مشاكل كبيرة، لعل أبرزها غمرت ساحته وجدرانه الداخلية بالمياه الجوفية وهذا ما قد ينبئ بسقوطه.
فضلا عن أن القمامة تحيط بالمسجد من جميع النواحى حتى داخليا كما أن التراب يغطى مساحة المسجد الداخلية.
والخطير فى أمر هذا المسجد التاريخى أنه لم يتم ترميمه منذ عام 882 هجريًا، وتحديدًا فى فترة حكم السلطان الأشرف قايتباى لمصر.
مقابر المماليك.. «جبانة الزبالين»
تمتد جبانة المماليك أو التى كانت توصف بـ«مدينة القباب» من طريق صلاح سالم حتى طريق الأتوستراد، وتقع بالتحديد فى منطقة قايتباى فى حى منشأة ناصر الذى يضم كنوزا فريدة من العمارة الإسلامية إلا أنها تحولت كما قال لنا د. محمد الكحلاوى أمين عام اتحاد الأثريين العرب إلى جبانة الزبالين، متوقعا أن تختفى هذه المقابر خلال سنوات قليلة إذا لم تتدخل الدولة بخطة سريعة لإنقاذها من حالة التدهور التى وصلت إليه.
وقال: يوميا تتعرض هذه الجبانات للسرقة ونهب الآثار، مشددا على ضرورة إزالة جميع أشكال التعديات التى تشمل القمامة والمواد الخطرة الناتجة عن الورش بالمكان، ومخالفات المبانى العالية التى تحجب المساجد والقباب والأضرحة وتشكل انتهاكا صارخا لحرم الأثر، بعد أن كان هناك توجه لتسجيلها على خريطة الآثار العالمية.
وأضاف: هذه المقابر أول محاولة لإعمار الصحراء فى العصر المملوكى فقد حاول أمراء وسلاطين المماليك البحرية أن يقوموا بإعمار المنطقة عن طريق إنشاء مقابر لهم هناك، بالإضافة إلى المساجد الصغيرة، وقويت هذه المحاولات فى العصر المملوكى خصوصا فى عهد السلطان الناصر فرج بن برقوق.
وكالة الشوربجى ومسجد تربانة.. مغلق
وبعيدا عن القاهرة.. نجد أن المساجد الأثرية والتاريخية فى الإسكندرية تعانى أيضا من عدم الاهتمام بمبانيها التراثية، التى تحكى تاريخ التراث الإسلامى المصرى القديم، فعلى مقربة من حى الجمرك أو ما يطلقون عليه «الحى التركي» فى المنشية وبالتحديد ميدان النصر يقع مسجد ووكالة الشوربجى الذى يعد أحد أشهر مساجد الإسكندرية، وتحيط به وكالة بها دكاكين بناه مواطن مغربى الأصل وهو «الشيخ عبدالباقى جورجى الشرنوبي» فى أواخر عام 1171 هـجرية - 1758 ميلادية وتوجد به وكالة الشوربجى المليئة بالمحلات.
الدهانات سقطت من على الجدران، والقمامة انتشرت فى المكان، وبقايا هدم أعمدة تتواجد على الأرض تعرقل حركة المارة، كما أن المسجد لم يعد متاحًا للمصلين بسبب انهيار جزء من سقف الوكالة الأثرية، التابعة للمسجد.
وكان المجلس الأعلى للآثار قد رصد 48 مليون جنيه لمشروع ترميم وتطوير مسجد ووكالة الشوربجى فى 2010 قبل الثورة، وبالفعل تم صرف 20 مليون جنيه فى عام 2009 - 2010، و28 مليونا خلال العامين التاليين إلا أن المشروع توقف ثم عاد هذه الأيام لبدء ترميم الوكالة ومسجد تربانة كما قال لنا المهندس وعد أبوالعلا رئيس قطاع المشروعات، مؤكدا أن القطاع بدأ أيضا ترميم مسجد تربانة الموجود فى شارع فرنسا «الصاغة».
لم ينجُ مسجد المحلى ثانى مساجد رشيد التاريخية من حيث المساحة بعد مسجد زغلول من مياه الصرف الصحى والمياه الجوفية التى تخللت داخله، بل أغرقته تماما وكان قد بدأت فيه أعمال ترميم قبل ثورة 25 يناير ثم توقف العمل فيه مما أدى إلى انحسار المياه بداخله نتيجة للمياة الجوفية، مما هدد بانهياره وتصدعه.
ويعود إنشاء المسجد المتواجد بداخله قبر السيد «على المحلي» المتوفى برشيد ودفن بها عام 90 هـ وأطلق عليه اسم المحلى نسبة إليه، المهندس وعد أبوالعلا رئيس قطاع المشروعات علق قائلا: إن القطاع بدأ بالفعل فى ترميم المسجد مرة ثانية، مضيفا أنه يقع فى منطقة حيوية مكتظة بالباعة الجائلين، مؤكدا أنه تم تشكيل لجنة لدراسة الوضع سريعا بعد تفاقم ظاهرة الهبوط وتأثر المنازل المحيطة بالمسجد مع الحفاظ على منسوب خط المياه السطحية بالمنطقة.
وقال: إننا بدأنا فى أعمال الترميم المطلوبة للمسجد بالكامل وفقا للدراسات مع حصر المنشآت الآيلة للسقوط بجوار المسجد.