الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى حب مصر

فى حب مصر
فى حب مصر


كان الإصرار أن يكون الدور الأساسى للبنك هو تأسيس شركات ومصانع فى ربوع مصر كلها، تماما كما تفعل دول أوروبا، التى لم تقتصر بنوكها على الإقراض والإيداع.. وإنما الدور الأكبر للبنك هو تأسيس الشركات والمصانع.. والمفارقة الحقيقية أن تكون أولى شركات البنك الوليد.. بنك مصر.. هو تأسيس شركة للطباعة تحت اسم مطبعة مصر!

وجد مؤسس البنك طلعت حرب بك.. وباشا فيما بعد.. أن أوراق البنك ومستنداته تطبع فى المطابع الأجنبية وتتكلف الشيء الفلانى.. فأسس شركة مصر للطباعة.. لكنه بسرعة طرق باب النشر الأدبى.. فطبع فى مطبعة مصر كتبا أدبية.. أولها كان كتاب حياة محمد، لمحد حسين هيكل باشا.
وقصة تأسيس بنك مصر بالذات تحتاج إلى شاعر بربابة ليحكى للأجيال الجديدة عن الإصرار والإرادة الوطنية وتحدى الظـروف والحال المائل.. وقد أدرك سيد درويش أهمية تأسيس بنك وطنى.. فغنى للناس «المصرى أولى بقرش المصرى.. دى إيد لوحدها ما تسقفش»
وكتب المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعى عدة مقالات نارية تدعو الجماهير للاكتتاب بجنيه واحد فى البنك الجديد للتخلص من استعباد البنوك الأجنبية، وأخذ طلعت حرب يطوف القرى والنجوع داعيا لتأسيس بنك مصرى لأول مرة.. وقوبل بالسخرية والاستهزاء فى أحيان كثيرة.
كان طلعت حرب يرى أن مصر تئن من ويلات الحرب العالمية الأولى اقتصاديا واجتماعيا.. وكان كل مصرى يئن ويصرخ من نتائج الحرب.. وكانت الرؤية الواعية ترى أن مصر تحتاج إلى بنك وطنى لا يكون فقط مصدرا للقروض قصيرة الأجل.. بل يكون أيضا مصدرا لرأس المال للمشروعات.. أى أن يكون حقيقيا كما تعرفه دول العالم.
كان طلعت حرب يعلم أن أصحاب رءوس الأموال يخشون على أموالهم من هذه التجربة.. فلجأ إلى شباب ثورة 1919 وكان أولئك الشباب يجمعون الاكتتاب للبنك ابتداء من ربع سهم قيمته جنيه واحد!
فى أغسطس 1919 استدعى المستشار المالى الإنجليزى.. طلعت حرب وقال له: كنت أظنك رجلا عاقلا.. وهل تتصور أن المصريين يستطيعون أن يديروا بنكا؟!.. وأنتم لا تصلحون لأعمال المال لأنها صناعة الأجانب وحدهم.. بدليل وجود عشرين بنكا أجنبيا فى مصر.. تحتكر السوق تماما.. وعرض على طلعت حرب أن يؤسس البنك المقترح بالاشتراك مع الإنجليز.. إلا أن طلعت حرب لم يفقد إصراره أبدا.
بنك مصر تأسس صبيحة الذكرى الأولى لثورة 1919 تحديدا فى 8 مارس 1920 برأس مال قدره 80 ألف جنيه موزعة على عشرين ألف سهم قيمة كل سهم أربعة جنيهات.
عندما تعرض زعيم الأمة سعد زغلول لتجربة النفى خارج البلاد.. كتب إلى الجماهير خطابا واضحا يطالبهم بعدم التعاون مع الإنجليز.. ومقاطعة البنوك والشركات الإنجليزية.. و.. تشجيع بنك مصر بالتعامل معه.
الجميل أن الأمة استجابت لنداء سعد زغلول وتمت مقاطعة كل ما هو بريطانى والتعامل فقط مع المحلات الوطنية.. وسحبت أموال المصريين من البنوك الإنجليزية وتم إيداعها فى بنك مصر الذى سارع بتأسيس شركة وطنية تنافس شيكوريل وصيدناوى.. هى شركة بيع المصنوعات المصرية.. وعندما اكتشفت الشركة أن البضائع التى تبيعها من الأقمشة صناعة أجنبية.. سارع طلعت حرب بتأسيس شركة المحلة للغزل والنسيج.
تجربة بنك مصر هى تجربة رائدة بحق وحقيقى.. وقد استفدت شخصيا من كتاب عميق للصديق المؤرخ رشاد كامل هو كتاب «طلعت حرب ضمير وطن» فشكرا له كثيرا.
فى الأسبوع الماضى تعرضت روزاليوسف لأزمة مالية فوجدت بنك مصر بجوارها يساندها ويتولى جدولة ديونها بشكل مُرض.. بفضل رئيسه الواعى الأستاذ محمد محمود الأتربى.. الذى أسقط فوائد الديون المتراكمة منذ ما يزيد على ربع قرن.. فتحية تقدير للبنك الواعى الذى يساند الصحافة والطباعة والذى كان باكورة نشاطه منذ قرن من الزمان إنشاء مطبعة مصر.