عاهرات بأمر أزواجهن

وفاء شعيرة
بين الحين والآخر تلقى مباحث الآداب القبض على مجرمين متلبسين فى قضايا دعارة كثيرة، من مناطق مختلفة وأعمار مختلفة، من بينهم قاصرات ومطلقات ومتزوجات أيضا، فالاستغلال الجنسى قد بلغ ذروته فى الآونة الأخيرة. لكن الأغرب فى محاضر الدعارة التى تحررها شرطة الآداب ويعترف بها المجرمون فى التحقيقات، أن بطل شبكة الدعارة هو زوج يقدم زوجته لراغبى المتعة الحرام.
أمام جهات التحقيق تحكى الزوجة عن إجبار زوجها لممارسة الدعارة مع الرجال بمقابل مادى. بل ووصل الأمر فى إحدى هذه القضايا القذرة التى تم ضبطها مؤخرا بعد قيام الشرطة بالقبض على شبكة آداب تتكون من زوج وزوجتيه الاثنتين وبعض من السيدات أعضاء الشبكة، قد وجدت أجهزة المباحث إحدى السيدات مربوطة بسلاسل حديد، وبسؤالها تبين أنها الزوجة الثانية لرئيس الشبكة واعترفت بأن زوجها القواد عرض عليها ممارسة الدعارة، إلا أنها رفضت فقام بربطها بالسلاسل لإجبارها على الممارسة المحرمة.
وزوجات أخريات كثيرات قد اعترفن أيضا أمام جهات التحقيق، باتباع أزواجهن القوادين لتقديمهن فريسة لراغبى المتعة الحرام لتوفير مبالغ مادية.
حيث تمكنت الإدارة العامة لشرطة الآداب بوزارة الداخلية المصرية من القبض على عامل لاتهامه بالإتجار فى جسد زوجته وشقيقته وتقديمهما لراغبى المتعة داخل شقة بمنطقة العجوزة، بعد أن وردت معلومات لمدير النشاط الداخلى تفيد وجود شقة مشبوهة فى العجوزة يتردد عليها راغبو المتعة وتبين أن المتهم عامل واستأجر شقة فى منطقة العجوزة بـ 6 آلاف جنيه فى الشهر وحولها لوكر لممارسة الدعارة، وكشفت التحريات أن المتهم أنشأ صفحة على «فيس بوك» تحت اسم «مساج.. راحة.. استرخاء» وصور زوجته وشقيقته بالبكينى وبدأ فى استقطاب زبائنه لممارسة الدعارة مع زوجته وشقيقته مقابل 1000 جنيه فى الساعة.
ووردت معلومات أخرى للإدارة العامة لمباحث الآداب تفيد بوجود صفحة أخرى على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» يعرض فيها رجل زوجته على راغبى المتعة الحرام مقابل ألفى جنيه فى المرة الواحدة.
وبالتحريات تبين أن المتهم يدعى «محمود. ع. ف» 28 سنة موظف بشركة سياحية وزوجته «هدى. أ. ب» - 26 سنة - ومقيمان بالسويس.
وأضافت التحريات بقيام المتهم الأول بالاتفاق مع الزبائن عن طريق الإنترنت والتواصل معهم على الهاتف للاتفاق على المكان وموعد اللقاء ويقوم بصحبتها إلى الشقق والتواجد أثناء ممارسة الرذيلة. كما نجحت الإدارة العامة لمباحث الآداب فى القبض على سائق تاكسى يقدم زوجته لممارسة الدعارة مع راغبى المتعة الحرام مقابل مبالغ مالية بمدينة نصر، وتم ضبطهما وبحوزتهما مبالغ مالية ومنشطات جنسية وهواتف محمولة، واعترفت المتهمة بقيام زوجها سائق تاكسى بتوصيلها للزبائن والاتفاق معهم مقابل الحصول على نسبة من الطرفين.
وألقت أيضا الإدارة العامة لمباحث الآداب القبض على موظف سابق بأحد البنوك وزوجته لاتهامهما بإدارة شبكة للدعارة بمنطقة جاردن سيتى.
حيث وردت معلومات إلى اللواء محمد زكاء الدين مدير النشاط الداخلى بالإدارة العامة لحماية الآداب، بقيام رجل فى العقد الثالث من العمر بتقديم زوجته لراغبى المتعة المحرمة مقابل مبالغ مالية، وأكدت التحريات صحة المعلومات وأن الزوج اعتاد هو الآخر تقديم نفسه للزبائن منذ فترة طويلة وقبل أكثر من شهرين تعرف على امرأة مطلقة من خلال «فيس بوك» وتوطدت علاقتهما وتزوجها.
وأضافت التحريات أن الزوج حاصل على بكالوريوس تجارة والزوجة حاصلة على بكالوريوس إعلام واتفقا على إنشاء صفحة على شبكة الإنترنت و وضع عليها صورا مخلة ورقم تليفونه مع إعلان عن تقديم نفسه وزوجته لراغبى الحرام مقابل ألف جنيه لكل منهما فى الساعة الواحدة واشترط أن تكون تلك الممارسات فى حضوره.
ويبدو من التحريات والوقائع التى رصدتها أجهزة شرطة الآداب بمناطق مختلفة فى أنحاء الجمهورية، أن الدعارة بأمر الزوج أصبحت ظاهرة قذرة تنتشر بصورة كبيرة ومخجلة فى مجتمعنا المحافظ، ولم يفكر أحد مراكز البحوث أو أساتذة علم الاجتماع أو علم النفس بإقامة دراسة تفصيلية عن هذه الجريمة الغريبة عن مجتمعنا وثقافتنا، إلا أن أحد المراكز البحثية قد تطرق أخيرا لهذه الظاهرة - لكن على استحياء - فى دراسة أقامها عن عمالة المرأة. وتبين منها أن نسبة الزوجات اللاتى يعملن فى الدعارة بإجبار من الزوج قدرت بحوالــى 5.9 % من عينة الدراسة التى أجرتها «مؤسسة قضايا المرأة المصرية». وأشارت الدراسة إلى أن الزوج يعتمد على أجر الزوجة لأسباب مختلفة فى مقدمتها أنه منحرف، وثانيها أنه عاطل عن العمل.
وتناولت دراسة أخرى أعدها رئيس «بيت الخبرة للاستشارات الاقتصادية والاجتماعية» حمدى الحناوى، أشكال الإتجار بالنساء فى مصر، وشملت 4 محافظات هى القاهرة وكفر الشيخ والفيوم والدقهلية. وبلغ حجم العينة 1237 فردا ومقابلات متعمقة مع 12 حالة من ضحايا الإتجار بالنساء ومثل الرجال 26.4 % من عينة الدراسة ومثلت النساء 73.6 % منها. وطرحت الدراسة صورا مختلفة للإتجار بالنساء فى أنشطة مرتبطة بالجنس، وقال 1.7 % من عينة البحث إن هناك أزواجا يستخدمون زوجاتهم لممارسة الدعارة، وقال 12.9 % منهم إن هذا النشاط يتم ممارسته عبر حدود مصر.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه المعلومات كانت متاحة ومتداولة بين عينة البحث، ورجحت أن تكون لديهم معرفة شخصية بمن يمارسون ذلك النشاط، إلا أن الدراسة لم تجبرهم على التصريح بمصدر معلوماتهم. وقال معد الدراسة حمدى الحناوي، إن النساء هن الأكثر تعرضا للإتجار بالبشر كونهن الفئات الأكثر ضعفا، مضيفاً أن النساء الفقيرات تأتى فى مقدمتهن.
وأضاف أن الثقافة الاجتماعية السائدة تسهل عملية الإتجار بالنساء، والمرأة تتعرض منذ صغرها لضغوط لتقبل بأن تكون تابعة ومواطنة من الدرجة الثانية. وتابع أن محاربة الإتجار بالنساء تستلزم تغيير ثقافة المجتمع التى تظلم المرأة فيه، وضرورة معاقبة كل أشكال الإتجار والمتاجرين بها.
ويبدو أن ضعف الوازع الديني، هو السبب الرئيسى وراء تفشى هذه الظاهرة، وهذا ما أكده الدعاة من مشايخ وأساتذة الفقه والشريعة، وخبراء السلوك البشرى من أساتذة علم النفس والاجتماع.
الداعية الإسلامى الشيخ فكرى حسن، قال إن الإسلام فى آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، كرم الزوجة، وأعطاها حقوقها كاملة، وهى حسن المعاشرة ورعايتها والإنفاق عليها وكسوتها وإيجاد السكن الخاص بها بما يتناسب مع مكانتها فى المجتمع، وعلى الزوج أن يحترم آدميتها، فلا يجوز له أن يجبر زوجته على أى عمل مخالف للإسلام. فتقديم الزوج لزوجته لراغبى المتعة يعتبر معصية، ولا يجوز للزوجة أن تطيعه لقول النبى لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.
أما الدكتور محمد سمير عبدالفتاح، أستاذ علم النفس الاجتماعى بجامعة عين شمس، فقال إن الإيمان الضعيف وعدم وجود الوازع الدينى وراء هذه الجريمة. مؤكدا أن مثل هذا الزوج لديه مشكلة زوجية ومصاب بالفشل الجنسي، وباضطراب نفسى، مشيرا إلى أن عدم وجود عقوبة شديدة لهذه الجريمة قد يساعد على ارتفاع نسبتها، خاصة مع الأمراض والاضطرابات النفسية التى ارتفعت فى المجتمع فى الآونة الأخيرة، وجعلت البعض لا يبالى ولا يلتزم بالقانون، خاصة إذا كانت العقوبة ضعيفة فى حال ارتكابها.
الرأى القانونى والحقوقى لا يختلف أيضا عن الآراء السابقة، والذى أرجع تفشى الظاهرة إلى ضعف العقوبة الجنائية، وثغرات قانونية. فقال نصر الدين حامد عيد المحامى بالاستئناف العالي، إن الزنى جريمة بالإرادة وليس بالإكراه بمعنى لا يوجد أحد يكره أحدا على ارتكاب هذه الجريمة.
مضيفا أنه لو تم القبض على زوجة فى حالة زنى لايجوز للنيابة أو أى جهة تقديمها للمحاكمة بتهمة الزنى، فالوحيد الذى له حق إقامة دعوى الزنى وتقديمها للمحاكمة هو الزوج وذلك طبقا لقانون العقوبات. وإذا أقام الزوج دعوى الزنى ضد زوجته وقالت الزوجة أمام النيابة إن زوجها هو من يقدمها لراغبى المتعة عليها أن تثبت هذا، أما فى حالة عدم الإثبات يصبح الزوج بريئا. وإذا تم القبض على زوج وزوجته فى شبكة للآداب يديرها الزوج توجه النيابة للزوج تهمة إدارة أعمال منافية للآداب وتتهم الزوجة بممارسة البغاء. مشيرا إلى أنه إذا صدر حكم بإدانة الزوجة عن جريمة الزنى كان للزوج أن يوقف تنفيذ هذا الحكم إذا رضى بمعاشرتها له كما كانت قبل الحكم، ويعنى هذا أن العفو عن عقوبة الزوجة حق للزوج لمصلحة زوجته ولكن الزوجة لا يثبت لها حق العفو عن عقوبة زوجها إذا رضيت زوجته بمعاشرته لها (م 274 ع) وهذا تمييز منتقد بين الرجل والمرأة لأنه يكرس دونية المرأة على الرغم من أنه تمييز يحقق مصلحتها، لكنه لا يراعى مصلحة الأسرة إذا رأت المرأة العفو عن زوجها بعد الحكم عليه حفاظاً على سمعة الأسرة ومراعاة لمشاعر أبنائها منه، ومن هنا نجد أن التفرقة بين الزوج والزوجة تفرقة معيبة، لا سند لها من علة التخفيف وهى سبب لعدم دستورية النص المقرر لهذا العذر المخفف للعقاب، كما أنها تفرقة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية.