زلزال أمريكا السياسى

حنان البدرى
لم تفق أمريكا بعد من حالة الذهول التى اعترت الجميع مع الإعلان عن فوز دونالد ترامب برئاسة أمريكا بمن فيهم الجمهوريون أنفسهم! وحتى اللحظة مازال السؤال الملح والمعلق فوق الرءوس هو «كيف حدث هذا؟».
وكان أجدر بالجميع أن يتساءلوا «لماذا حدث هذا؟» الإجابة ببساطة كانت تكمن فى النظر وفحص أحوال ودوافع ملايين الأصوات التى اختارت ترامب لا سيما فى مناطق وولايات كانت دوما مصبوغة باللون الأزرق شعار الحزب الديموقراطي.
هؤلاء الذين يمثلون القاعدة العريضة التى تشكل الطبقة المتوسطة الأمريكية والتى دوما كانت عماد نهضة وتفرد القوة العظمى والأولى فى العالم بأطيافها المتدرجة من صف العلماء وأساتذة الجامعة والموظفين ونزولا حتى أصحاب المشاريع الصغيرة والمعلمين وأصحاب المزارع والمتاجر الصغيرة أى ذلك الخليط المتدرج الذى يضم أصحاب الياقات البيضاء والزرقاء معا.
هؤلاء الذين لم تشهد أجورهم أو مكاسبهم على مدى العقدين الماضيين أى تطور يواكب ارتفاع الأسعار وزيادة أنواع الضرائب، هؤلاء الذين سقط الملايين منهم من عداد الطبقة المتوسطة التقليدية إلى عداد فقراء أمريكا وبعضهم فقد منزله بعد كارثة عام 2008 المالية والعقارية وفلتت الشركات الكبرى المتسببه فى هذه الكارثة من عقاب يتناسب وفعلتهم أو تسديد التعويض لضحاياها!
هؤلاء ممن ضجروا من استمرار نفس السياسات، من الإنفاق الخارجى المتزايد على حروب هنا وهناك، وإعفاءات ضريبية هائلة لشركات تتخذ من الصين وغيرها نقلت المصانع والوظائف إلى الصين وغيرها بينما تتعاظم أرباحها وتضخ فى حسابات البنوك، باختصار لقد توحشت رأسمالية أمريكا وتوحش رأس المال الذى تمدد ليصبح عابرا للقارات على حساب الطبقة المتوسطة الأمريكية، فازداد الفقراء فقرا، وازداد الأغنياء ثراء! هؤلاء والذين يمثلون القاعدة التصويتية الأكبر من الأمريكيين البيض وليس اليمينيين هم من خرجوا لإنجاح ترامب، بالنسبة لهؤلاء الغاضبين كان ترامب هو الحل ولو لفترة رئاسة واحدة وليس هيلارى التى تمثل بالنسبة لهؤلاء المزيد من المزيد وليس هذا فقط بل لأنها أصلا مدعومة من عدو هذه الطبقة أى المجمع الصناعى العسكرى المتحكم فى كل شيء حتى الكونجرس!. هؤلاء من صوتوا لترامب وليس اليمينيين، هؤلاء من صوتوا لترامب ليس حبا فيه بل إيمانا بأن جنوحه وشططه وربما جنونه سيدفعه لإحداث صدمة قد تخلخل بعض من توغل الـ«establishment» أو تلك المنظومة المتحكمة فى النظام وأصبحت أكثر تعقيدا وقوة من أن يواجهها أى معارضة أنهم ذات الكيان المتعاظم نفوذه وماله ويجمع ما بين البنوك والبورصة فى الوول ستريت والطاقة وتصنيع السلاح، والمؤسسات الصناعية الكبرى أى ذلك المجمع الذى يذكرنا بذلك الذى حذر منه الرئيس الأمريكى الأسبق دوايت أيزنهاور الأمريكيين فى خطبة وداع البيت الأبيض ومنصبه فى يناير 1961 وقال فيها «يجب علينا الاحتراس من النفوذ الذى لا مبرر له، سواء كان بطلب أو بغير طلب، من المجمع الصناعى العسكري. إن الاحتمال موجود للصعود الكارثى للسلطة فى غير مكانها، وسيظل موجودًا. لا يجب علينا أبدًا أن نترك أثر هذا الجمع يعرض حرياتنا وعملياتنا الديمقراطية للخطر، لا يصح أن نسلم بضمان أى شيء. فقط المواطنة المتنبهة والعارفة هى التى ستجبر التشابك المناسب بين الصناعات الكبرى والآلة الدفاعية من جهة وطرقنا السلمية وأهدافنا من جهة أخرى، حتى يزدهر الأمن والحرية معًا»، وكأنه يتنبأ بواقع سيحدث ويراه الخبراء والمتابعون أنه الخطر الحقيقى على بقاء أمريكا.
وإذا كان تصويت أكبر طبقة فى أمريكا لصالح ترامب يصنف كتصويت سلبى محدثا دويا أشبه ما يكون بالزلزال السياسى الذى سيعقبه بالتأكيد تداعيات صعبة، فإنه ينبغى علينا ونحن نحاول قراءة المشهد الأمريكى ونحن نرصد المظاهرات التى أعقبت إعلان النتيجة تمثل فى الحقيقة قطاعًا مختلفًا والتى اندلعت فى عدد من الولايات بما فيها «أوستن عاصمة» تكساس ومعقل الجمهوريين واليمينيين وشهدت إطلاق النار على رجال شرطة فى بيتسبرج بنسلفانيا وإصابة رجال شرطة فى كاليفورنيا وحرق أعلام بالجامعة، وحرق مجسمات لرأس ترامب، وشموع نحيب أمام البيت الأبيض قبل ساعات من لقاء أوباما ترامب واعتقال العشرات، هى مظاهرات تضم طبقة العمال والأمريكيين من أصول لاتينية وأفريقية وبعض المسلمين الذين وجدوا فى وصول ترامب بأجندته المعلنة ضدهم كارثة بامتياز، فإن شركات صناعية بما فيها شركات تصنيع السيارات انضمت للمعترضين لكن على طريقتها فأعلنت جنرال موتورز اعتزامها تخفيض إنتاجها توطئة لتسريح أعداد من عمال هذه الشركات وبالتأكيد هناك المزيد من الشركات الكبرى ستحذو حذوها فى رد فعل طبيعى خشية تنفيذ ترامب لتهديده إذا ما أصبح رئيسًا بفرض جمارك تصل إلى 35% على مصنوعاتها خارج الولايات المتحدة لدى قيامهم بإدخال تلك المصنوعات إلى الأراضى الأمريكية.
على أى حال فمن الواضح أن ترامب يعتزم تنفيذ كثير من تعهداته خلال الحملة الانتخابية وبمساعدة الأغلبية الجمهورية فى مجلسى الشيوخ والنواب، وأولها إلغاء الكثير من القوانين والقرارات التى اتخذتها إدارة أوباما بما فى قانون مد الرعاية الصحية. وهذا سيكون من أولى مهام الكونجرس الجديد بأغلبية جمهورية للمجلسين بالتعاون مع الرئيس الجمهورى المنتخب أى إلغاء حوالى دستة قوانين أقرتها إدارة أوباما حسب تصريحات السيناتور اليمينى الجمهورى راند بول.
ونظرة سريعة للأسماء المرشحة وتاريخ كل منهم لتولى حقائب الوزارات فى حكومة ترامب نستطيع توقع تبعات زلزال وصول ترامب للبيت الأبيض، فهم تقريبا يمينيون إلى أقصى درجة وكثير منهم يمثلون القطاع الخاص و كلهم دون استثناء مصنفون بمقدار الولاء التام لترامب، ومنهم على سبيل المثال:
- فورست لوكاس، البالغ من العمر 74 عاما أحد مؤسسى شركة لوكاس للمنتجات النفطية هو أبرز المرشحين لمنصب وزير الداخلية.
- ستيفن منشن من مؤسسة جولدن ساكس المالية مرشحا لتولى وزارة للخزانة.
- ومن الموالاة نجد جمهوريين من أقصى اليمين ومنهم نيوت جنجرتش رئيس مجلس النواب الأسبق ومندوب بوش الابن لدى الأمم المتحدة جون بولتون وكذلك الرئيس الحالى للجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ مرشحون للخارجية.
- رودى جوليانى عمدة نيويورك الأسبق مرشح لمنصب المدعى العام وأيضا تردد ترشيح اسم كريس كريستى حاكم نيوجيرسى لنفس المنصب، والمدعى العام لفلوريدا السيدة بام بوندي.
الغريب أن أحد المقربين لفريق ترامب ذكر أنهم بحثوا كثيرا عن ترشيحات نسائية ولم يعثروا على أسماء مناسبة إلا أن هناك تفكيرًا فى شخصية مثل سارة بالين كوزيرة للداخلية!!
- أما لتولى حقيبة الدفاع فمن الأسماء المرشحة كل من السيناتور جف سيشن ومستشار مجلس الأمن الأسبق فى إدارة بوش ستيف هادلى والسيناتور جيم تالنت، أيضا تردد اسم الجنرال مايك فلين رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية الأسبق إلا أن ذلك الخيار إن تم فلا بد أن يمر عبر الكونجرس نظرا للقوانين الأمريكية التى تلزم بأن يكون وزير الدفاع مدنيا وتمنع تولى عسكريين متقاعدين وزارة الدفاع إلا بعد مرور سبع سنوات على تقاعدهم وتحولهم لمدنيين.
أما منصب مستشار الأمن القومى فمن الأسماء المحتملة النائب دنكان هنتر (جمهورى من كاليفورنيا).
ومن بين المرشحين المحتملين حاكم أريزونا الأسبق جان بريور وحاكم ولاية أوكلاهوما مارى فالن. والنائبة سينثيا لوميس ورجل النفط هارولد هام.
أما من المرشحين لتولى وزارة الأمن الوطنى فمنهم ديفيد كلارك، من ويسكونسن.
ولوزارة الطاقة رشح اسم الملياردير «هم» وهو صديق مقرب لترامب لسنوات، وكان له تأثير بارز فى سياسة ترامب خلال الحملة الانتخابية، إلى جانب الرأسمالى روبرت جرادي.
ومرشح لوزارة التجارة الملياردير ويلبر روس، المستشار الاقتصادى لترامب، ودا ديميكو الرئيس التنفيذى السابق لشركة صناعة الصلب نوكر كورب.