بسم الأب والابن ودونالد ترامب

جورج ضرغام
عندما ألقى القبض على أوتا بينجا، ذلك القزم الأفريقى، من قبل أنثروبولوجيين أمريكيين، للتدليل على صحة «نظرية داروين»، بأن الإنسان أصله قرد! ووضع فى قفص بحديقة حيوانات «برونكس» فى نيويورك، إلى أن تم تخليصه من قبل القس جيمس جوردون، الذى أواه فى دار «هاورد» لرعاية الأيتام، روج فى الولايات المتحدة أن فكرة الشر «العبودية ومن بعدها الإرهاب» ستنتهى بالخلاص منه على أيدى من يحملون «الكتاب المقدس- HOLY BIBLE».
قضية بينجا كان لها مردودها على وجدان القس المؤيد للجمهوريين، وصاحب الثورة، مارتن لوثر كينج الذى وقف أمام قبر- أبوالجمهوريين - إبراهام لينكولن مستلهما إيمانه بالحرية التى وصفها لينكولن بقوله: « كما أننى أرفض أن أكون عبدا، كذلك فأننى أرفض أن أكون سيدا.. هذه هى الحرية»، أما فيما يخص الإرهاب فقد قالها - رجل الإيمان- رونالد ريجان صريحة، والى الديمقراطيين الذين وصفهم بدعم الإرهاب: «إذا سمحنا للإرهاب بالنجاح فى أى مكان فى العالم، فإنه سينتشر كالسرطان فى كل الدول، مخلفا الرعب والفزع فى كل مكان على الأرض، وليعلم هؤلاء الذين يدعمون الإرهاب ويمولونه أنهم مجرد برابرة».
فى البدء كان اليمين الجمهوري
علقوا شعار حملته الانتخابية فى كل الولايات: «ترامب اختيار الرب لقيادة أمريكا»، وبعد إعلان الحزب الجمهورى أنه مرشحه ذهبوا يستقبلونه بقمصان بيضاء كتب عليها: «نشكرك أيها المسيح على الرئيس ترامب»، و«المسيح مات من أجلك.. وترامب عاش من أجلك»، علاقة اليمين الأمريكى بالسياسة علاقة قديمة، فـ«الآباء المبشرون» قد جاءوا إلى الأرض الجديد لتكون مملكة المسيح، وهذا ما أعلنه صراحة السيناتور الجمهورى، جون دى اشكروفت، المدعى العام الأسبق، أثناء محاضرته بجامعة بوب جونز (BJU) فى مايو من العام 1999: «أمريكا مختلفة.. ليس لنا ملك إلا المسيح».
وقالوا إن سبب تعلق إبراهام لينكولن بالكتاب المقدس معجزة حدثت له، الكتاب المقدس كان حاضرا أيضا فى أيدى كل المرشحين الجمهوريين حتى ترامب، إلا أن الرئيس الجمهورى إيزنهاور كانت له إضافة أخرى: «نحن نثق فى الله»، تلك العبارة التى أدخلها كشعار رسمى للولايات المتحدة بعد موافقة الأغلبية الجمهورية فى الكونجرس 1956، أيضا وفى هذه الأيام وجدت ملصقات على عربات الشرطة تحمل نفس العبارة.
أكذوبة المسيحية الصهيونية
تداول مصطلح الصهيونية Zionism فى نهايات القرن 18 كمصطلح دينى مسيحى بحت، أى قبل ظهور إسرائيل والصهيونية على الخريطة الجيوسياسية بأكثر من قرنين من الزمان، وكان يقصد به الجمع بين شرائع العهد القديم بجانب العهد الجديد، كالطلاق والعمل يوم السبت وغيرهما، وليس الذى يتبنى الأفكار الصهيونية بمعناها السياسى الدارج الآن.
وكلمة «صهيونية» جاءت من مفردة «صهيون» التى وردت فى الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، ما يزيد على 160 مرة، وأصلها هو «حصن يبوس» الذى شيده اليبوسيون وسط مدينة أورشليم كقلعة منيعة، وسمى فيما بعد باسم «حصن صهيون» أيام حكم النبى داود الذى هزم اليبوسيين واستولى على الحصن، ومن بعده سليمان ابنه، حيث شمل الاسم: الهيكل والأماكن المحيطة به ثم أخيرًا صار اسما مرادفا لأورشليم المدينة المقدسة: «الرب أحب أبواب صهيون أكثر من جميع مساكن يعقوب» (مزمور87) .
وتم توسيع دلالة الكلمة لتشمل الإشارة إلى مدينة الله أو الشعب الذى اختاره الله (وليس شعب الله المختار أى اليهود، لأن المسيحيين أنفسهم بعد مجىء المسيح صاروا شعبه المختار)، أما مدينة الله فى المسيحية فجاءت باسم أورشليم الجديدة، أو أورشليم السمائية بمعنى لاهوتى، ولا تعنى المدينة بمعناها الجغرافى، فكتب فيلسوف المسيحية أوغسطين كتابه «مدينة الله» إشارة إلى المعانى الروحية التى يجب أن يتحلى بها السلوك المسيحى ليدخل المدينة المقدسة أو مدينة الله بالمعنى الروحى اللاهوتى.
إلا أن الخلط الدائم بين ما هو دينى أمريكى (بروتستانتى مسيحى) وما هو سياسى أمريكى، ولزوم الحبكة الصحفية والدراما السياسية أفرزت المصطلح على نطاق مغاير، فبعض صحفيى الشئون الدولية مع إجادتهم للإنجليزية، يستجزئون جملا وينتقون عبارات ليأتى «الإيمان الأمريكى» متسقا ومفصلا على مقاس رؤيتهم السياسية، ويخرج الخبر بالمانشيتات العريضة: أن أصل الصراع هو دينى بحت!.. ونقيصة الصحفي- المترجم هى قلة معارفه واعتماده فقط على ما يترجمه من نص أو مقال فى صحيفة، وبالطبع عند المتخصصين الخبر اليقين، فلا يُفتى و«المسيرى» فى مكتبات المدينة!! يقول الدكتور عبدالوهاب المسيرى، المفكر الإسلامى والمتخصص فى «الإسرائيليات»، وصاحب موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية»، فى كتابه «التجانس اليهودى والشخصية اليهودية»: «فى الآونة الأخيرة بدأ يتواتر فى الدراسات العربية مصطلح (الصهيونية المسيحية) الذى انتشر فى اللغات الأوروبية وتسلل منها إلى العربية، والواقع أن هذا المصطلح يضفى على الصهيونية صبغة عالمية تربطها بالمسيحية ككل، وهو أمر مخالف تماما للواقع!.. إذ ليست هناك صهيونية مسيحية فى الشرق، كما أن الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية تعارضان الصهيونية على أساس دينى مسيحى، وإن حدث تقارب كما هو الحال مع الفاتيكان، فإن هذا يتم مع دولة إسرائيل ولاعتبارات خارجة عن الإطار الدينى. وفى الغرب المسيحى البروتستانتى هناك العشرات من المفكرين المسيحيين الذين يرفضون الصهيونية على أساس دينى مسيحى أيضا، ولهذا فإن مصطلح الصهيونية المسيحية مصطلح (غير علمى) نظرا لعموميته والصهيونية ذات الديباجة المسيحية هى صهيونية غير مسيحية بأية حال، بل صهيونية استمدت ديباجتها عن طريق (الحذف والانتقاء) من التراث المسيحى».
ملك المسيح الألفى وأسطورة بناء الهيكل
تؤمن المسيحية بأنه قبل يوم الدينونة (القيامة) سيشهد الكون حربا كبرى، لم تسمها ولم تحدد لها مكانًا، كما ورد فى «سفر رؤيا يوحنا»، وتكون بين الله العلى وجنوده (ملائكته)، والشيطان وجنوده، وعلى إثر انتصار الله على قوى الشر، وإلقاء الشيطان وجنوده فى «بحيرة النار والكبريت» تكون القيامة، التى يسبقها مجىء المسيح الملك (فالمسيح حسب الديانة المسيحية يجىء مرتين: مرة فاديا يصلب ويموت ثم يقوم من الأموات، ومرة ملكا ليحكم العالم ألف عام كنوع من إظهار قوة عدل الله)، وخلال الألف عام من ملك المسيح يسود العدل أرجاء الأرض: «فيقضى بين الأمم وينصف شعوبًا كثيرة، فيحولون سيوفهم طرقا آمنة، ورماحهم مناجل زراعة، ولا ترفع أمة على أمة سيف ولا يتعلمون الحرب فيما بعد» (سفر أشعياء إصحاح 2).
ولا ذكر لكلمة «إيرمجدون» التى هى مجرد تأويلات، أو لحرب بين بشر وبشر، فيقول المسيح: «رد سيفك لغمده لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون» (إنجيل متى 26). والمفاجأة التى انساق رجال الدين وراء أساطيرها!.. أن الهيكل لن يبنى من الأساس حسب الأصولية المسيحية: «خرج المسيح ومضى من الهيكل، فتقدم تلاميذه لكى يروه أبنية الهيكل، فقال لهم: أتنظرون جميع هذه الأبنية؟ الحق أقول لكم: إنه لا يترك ههنا حجر على حجرلا يهدم» (إنجيل متى 24.) ومن قوله الذى يحمل نبوءة يتضح بأن الهيكل لن يبنى ثانية، فإذا تم بناؤه تصبح نبوءة المسيح كاذبة، وبالتالى تسقط المسيحية وتنسف مضامينها، لأن «مسيحها» قد أقر لأتباعه، ألا تنساقوا وراء أنبياء كذبة. وبالتالى فإن فكرة بناء هيكل سليمان كعقيدة مسيحية استرجاعية يروج له بعض رجال دين وسياسيين مسيحيين باطلة من الأساس.
رونالد ريجان الحوارى الثالث عشر
فى خطاب له خلال مشاركته فى المؤتمر الوطنى للمذيعين الدينيين، وصف بالأشد جماهيرية، وانقطع 15 مرة بتصفيق حاد كلما نطق الرئيس آية من الإنجيل. رونالد ريجان تحدث مازحا: «بعد أيام سيكون عيد ميلادى والصحافة تشبهنى بموسى النبى». كان ريجان قد أعلن قبلها فى فبراير من العام 1983 خلال مشاركته فى إفطار الصلاة بواشنطن أن هذا العام هو «عام الكتاب المقدس».
رجل الإيمان كانت له تفاسير للكتاب المقدس، خاصة «سفر حزقيال»، ريجان قالها صراحة: «إن بقائى فى منصب الرئيس هو إيمانى بأن داخل الكتاب المقدس كل الحلول لكل المشكلات.. فأينما نعيش لدينا إيمان بأن المسيح يقف بجانبنا، فبالحب سننتصر لأن المسيح صلب لأنه يحبنا».