الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الغوص فى أشعار جاهين

الغوص فى أشعار جاهين
الغوص فى أشعار جاهين


عن أمير شعراء العامية صلاح جاهين نتحدث.. الذى أقرأ الآن كتابا مهما عنه للصديق المبدع محمد بغدادى بنفس العنوان «صلاح جاهين أمير شعراء العامية».. وأول ما قرأت من دراسة نقدية لشعر صلاح جاهين كانت بقلم الكبير يحيى حقى الذى قرأ الرباعيات وحللها وفسرها وقدمها للقارئ بأسلوب سلس متعمق كما هى عادة عمنا وتاج رأسنا يحيى حقى فى الكتابة.

هذه المرة أنا أمام دراسة نقدية متميزة بالفعل فى عالم صلاح جاهين الشعرى والكاريكاتوري.. أقول: إنها متميزة.. ربما لأن كاتبها شاعر مرهف هو محمد البغدادى.. الذى ينتمى لنفس المدرسة الشعرية الذى يعد صلاح جاهين فارسها الأشهر.. وربما تكون الدراسة متميزة لأن صديقنا بغدادى اقترب كثيرا من صلاح جاهين وصاحبه وغاص فى عالمه الخاص سواء الشعرى أو الكاريكاتورى.
الكتاب صادر عن المجلس الأعلى للثقافة.. من تقديم الشاعر محمود درويش وأهمية المقدمة ليست لأن الشاعر الفلسطينى الكبير هو كاتبها.. وإنما لأن درويش اقترب كثيرا من جاهين وكان زميلا فى حجرة الأهرام فى بداية السبعينيات عندما استقر فى مصر كاتبا من كتاب الأهرام.. واختاروا له أن يزامل صلاح جاهين فى حجرته بالمبنى العتيق فكانت صحبة مثمرة لكل منهما!
يبحر محمد بغدادى فى عالم جاهين الشعرى.. ويرجع بنا إلى أصوله الشعرية، وقد تأثر جاهين كثيرا ببيرم التونسى وفؤاد حداد.. وإذا كان بيرم هو ابن أصيل لثورة 1919 فإن جاهين هو ابن ثورة 1952.. وفى الكتاب يعترف جاهين بأبوية حداد مؤكدا أنه أشعر منه.. لكنه أشطر من فؤاد حداد.. لأن جاهين وكما يقول حداد يقص قماش الشعر بمقص خياط وعلى المقاس!
وفى حوار تليفزيونى يعترف جاهين بأستاذية فؤاد حداد.. فيقول: فؤاد حداد بالنسبة لى كان لديه زخم وفحولة شعرية لدرجة أنه كان يستطيع أن يتدفق كالشلال إلى ما لا نهاية.. أما أنا فقد كان نفسى قصيرا.. لذلك كنت ألجأ إلى حيل الصنعة وأختار أوزانا غير مطروقة.
من الواضح أن بغدادى كتب كتابه بحب واستمتاع وأراد أن يمتعنا معه وهو يصف رباعيات جاهين بأنه كان يتأمل الكون ويتأمل الإنسان.. ولا يسفر هذا التأمل إلا عن هذا الحزن الدفين.. حزن سام يرتفع عن الأرض.. طاهر كالبحر لا يعكره دنس.
المسألة الجديدة بالنسبة لى على الأقل.. أن رباعيات جاهين- كما يؤكد بغدادي- هى فى حقيقتها نوعان من الرباعيات.. هى ما كتب قبل عام 1962 وما كتب بعدها.. النوع الأول كان جاهين يعانى فيه من ضغوط نفسية رهيبة نتيجة لوجود عدد كبير من المثقفين والمفكرين اليساريين من أصدقائه خلف أسوار معتقل الواحات.. وكانت رباعيات ما قبل 62 تمثل حيرته المشروعة لهذا التناقض الذى كان يعيشه ما بين قربه الشديد من عبدالناصر.. وإيمانه بكل ما يقوم به من إنجازات.. وبين ما يحدث لرفاقه، ولذلك جاء إهداء ديوان الرباعيات غامضا مبهما إذ كتب فى الإهداء كلمة واحدة: «إليهم»!
ومن الواضح أن الجزء الثانى من الرباعيات وقد خرج الرفاق من السجون.. فكانت الصنعة تغلب فيه على الهموم النفسية التى عاناها الشاعر فى الجزء الأول من الرباعيات.
وقد لاحظ محمد بغدادى أن صلاح جاهين لم يراهن يوما على الأغنية العاطفية.. لأنه كان يحمل على عاتقه مهمة شاقة وتاريخية هى تحديث القصيدة العامية.. تماما مثلما كان يحدث من تطوير فى قصيدة الفصحى على يد صلاح عبدالصبور.
وحتى أغنيات مثل يا واد يا تقيل لسعاد حسنى.. كتبها جاهين فى تقديرى الخاص قبل نكسة 67 عندما سادت روح الاكتئاب المجتمع المصري.. فراح جاهين يشد العزم ويحاول رفع الروح المعنوية بأغنيات متفائلة مثل يا واد يا تقيل والدنيا ربيع.
لا يكتفى محمد بغدادى بقراءة وتحليل قصائد جاهين الشعرية.. بل تمتد الدراسة إلى فن الكاريكاتير، وقد ساهم صلاح جاهين فى تأسيس المدرسة المصرية الحديثة لفن الكاريكاتير مع زملائه من رسامى الكاريكاتير الثورى فى روزاليوسف.. لكن المساحة لن تكفى لاستعراض ما كتب بغدادى.. لكن الملاحظة أن المؤلف استعان فقط بالرسوم الكاريكاتيرية التى نشرت فى مجلة «صباح الخير».. ولم يتطرق لرسوم الأهرام وهى مهمة بالفعل.
أديبنا الكبير يحيى حقى.. عبر عن مشاعره لصلاح جاهين بأستاذية وتواضع شديدين فى حواره على شاشة التليفزيون حيث قال: إننى سعيد لأننى عشت فى عصر صلاح جاهين..
صديقى الجميل محمد بغدادى.. شكرا.>