مترو استنزاف الاقتصاد المصرى

عمرو رؤوف
بعد أن وصلت الديون الداخلية والخارجية إلى 1300 مليار جنيه وانخفاض الاحتياطى النقدى لمعدلات تنبئ بكارثة قد تجعل مصر تواجه أزمة الديون السيادية كتلك التى واجهتها اليونان ومن قبلها إسبانيا.. كان لزاما علينا إعادة النظر فى أوجه الإسراف وإيقافها تماما.
وتعتبر مشروعات مترو الأنفاق أحد أهم مجالات الإسراف، وذلك لسببين:
الأول أنها ذات تكلفة عالية جدا بطبيعتها.. والثانى أن ارتفاع الأسعار يؤدى بالتبعية لزيادة تلك التكلفة العالية مرة أخرى بصورة درامية وبمبالغ مليارية.
الدليل على ذلك أن وزير النقل الأسبق إبراهيم الدميرى قدر تكلفة المرحلة الأولى من الخط الثالث بين العتبة والعباسية بمليارى جنيه «الأهرام 7 ديسمبر 2001» ولكنها تكلفت فى 2012 «4 مليارات جنيه» بطول 4 كيلومترات «مليار جنيه لكل كيلو».
وبالنسبة للتكلفة الإجمالية للخط الثالث (34 كيلومترا) فقد قدرها الدميرى بـ10 مليارات جنيه (الأخبار 5 ديسمبر 2001) ارتفعت إلى 34 مليار جنيه بأسعار 2012 .... قابلة للزيادة مع تنفيذ باقى مراحل المشروع .. لذا يبدو أن الخط الثالث هو مشروع بميزانية غير محددة وإن ميزانيته تتضاعف مرة كل عدة سنوات.
أما تكلفة الخطوط الأربعة الجديدة (الثالث والرابع والخامس والسادس بأطوال إجمالية 97 كيلومترا) فقد قدرتها وزارة النقل فى سنة 2000 بـ 30 مليار جنيه.. وتكلفتها الآن بأسعار 2012 هى 97 مليارا.
المترو السطحى المعزول عن المرور بسور على جانبيه (50 مليون جنيه للكيلومتر) أو المترو على كوبرى (100 مليون جنيه للكيلومتر) يمثل الحل الملائم اقتصاديا لبلدان العالم الثالث الفقيرة وذلك لتوفير وسائل انتقال عالية السرعة وبنفس سرعة مترو الأنفاق.. والدراسة التالية مخصصة لإثبات ذلك:
يبلغ طول الخط الأول لمترو الأنفاق 43 كيلومترا وتكلفته 3 مليارات جنيه فقط فى حين يبلغ طول الخط الثانى 19 كيلومترا (نصف طول الخط الأول) وتكلفته 11 مليار جنيه (أربعة أضعاف تكلفة الخط الأول). يعود فارق التكلفة إلى فارق طول النفق فى الخطين. ففى الخط الأول تم استخدام خطى قطار سطحيين قديمين هما خط (رمسيس - المرج) وخط (باب اللوق- حلوان) وقد تم عزل مسارهما وشراء عربات حديثة فأصبحت سرعة المترو فوق الأرض هى نفس سرعته تحت الأرض وكان النفق بطول 5,4 كيلومتر. أما فى الخط الثانى فقد تم إنشاء نفق بطول 13 كيلومترا (ثلاثة أضعاف النفق فى الخط الأول).
تنبع أهمية الخط الأول للمترو من أنه يثبت التالى:
1- من الناحية الهندسية: فإن تطوير وتحديث الخطوط السطحية القائمة (القديمة والمتهالكة) ممكن وتم تطبيقه فى مصر بدون أى مشاكل.
2- من الناحية الاقتصادية: إن حل أزمة المواصلات بتكلفة معقولة هو أمر ممكن تحقيقه عن طريق تطوير الخطوط السطحية القائمة، حيث يوجد بالقاهرة أربعة خطوط سطحية تغطى مناطق واسعة من المدينة وتبلغ تكلفة تحديث هذه الخطوط لتكون خطوطا سريعة أربعة مليارات جنيه.
يمكن إنشاء خط مترو بثلاثة طرق: إما مترو سطحى أو مترو على كوبرى (مثل مترو دبى) أو مترو أنفاق.. وبمقارنة البدائل الثلاثة لإقامة خط مترو من حيث التكلفة والمدة الزمنية اللازمة للتنفيذ سنجد أن أكثرها تكلفة ووقتا للأنفاق.. وهذه التكلفة للإنشاءات فقط وبدون ثمن القطارات (80 مليون جنيه للقطار) حيث يمثل ثمن القطار أغلى مكون فى المترو السطحى فى نفس الوقت الذى يمثل فيه أقل المكونات تكلفة فى مترو الأنفاق، لأن حفر الأنفاق الأعلى تكلفة.
تظهر المقارنة بين تكلفة إنشاء مترو الأنفاق وتكلفة إنشاء المترو السطحى نتيجتين:
1- إن تكلفة إنشاء كيلومتر أنفاق (1000 مليون جنيه) تكفى لإنشاء خط سطحى بطول 20 كيلومترا .
2- إن تكلفة إنشاء نفق العتبة - العباسية بتكلفة 4 مليارات جنيه تكفى لإعادة إنشاء الخطوط السطحية الأربعة القديمة والقائمة بطول إجمالى 80 كيلومترا.
وبالنسبة للجدوى الاقتصادية للخطوط بافتراض أن عدد الركاب سيكون مليون راكب يومياً ـ مثل الخطين الأول والثانى ـ بإيراد يومى مليون جنيه لذا فإن الإيراد السنوى للخط سيكون 365 مليونا (ثلث مليار تقريبا)، أما عن مدة استرداد تكلفة خط طوله 20 كيلومترا فهى 3 سنين للمترو السطحى و6 سنين لمترو على كوبرى و60 سنة لمترو الأنفاق.
ونظرا للخسارة الاقتصادية لمشروع مترو الأنفاق فإن القطاع الخاص لا يدخل فى تمويل المشروع لذلك رفض كل من بنك مصر والبنك الأهلى الدخول فى شراكة مع وزارة النقل لإنشاء الخط الثالث «لعدم ربحية المشروع» وقدم البنكان قرضين للمشروع بقيمة 608 ملايين جنيه و318 مليون يورو بفائدة 11٪ سنويا لمدة 20 سنة (المصرى اليوم 25 نوفمبر 2005).
وقد قدر المهندس محمد منصور وزير النقل السابق خسائر مترو الأنفاق بـ 400 مليون جنيه سنويا (الأهرام 2 مارس 2007) فإذا أخذنا فى الاعتبار أن الخط الأول غطى تكلفته فى سبع سنوات فقط فإن الخسائر تكون بسبب التكلفة المرتفعة للخط الثانى بما فيها من قروض وفوائد.
أما اللواء سعد شحاتة رئيس هيئة الأنفاق السابق فكان قد صرح بأن التذكرة تتكلف 3 جنيهات ويتم بيعها بجنيه واحد، واعتبر ذلك نوعا من «الدعم» للمواطن المصرى (المصرى اليوم 9 أكتوبر 2006).
وفى الحقيقة فإنه فى ظل توافر بدائل أقل تكلفة مثل تحديث خطوط المترو السطحى القائم فإن هذا الدعم (أو الخسائر المالية) يذهب إلى الشركات المنفذة للمشروع (الفرنسية والمصرية) وشركات الحديد والأسمنت ويتحول إلى أرباح بالمليارات.. يدفعها المواطن البسيط تحت شعار حل أزمة المواصلات.
اقترحت دراسة الاستشارى الفرنسى (مكتب سيسترا) فى سنة 2000 أربعة خطوط للأنفاق بأطوال إجمالية 97 كيلومترا وبتكلفة 97 مليار جنيه بأسعار 2012 - وهى تكلفة قابلة للزيادة - وتجاهلت الدراسة وجود أربعة خطوط مترو سطحية قائمة - تخدم نفس المناطق - يمكن إعادة بنائها وتحديثها بتكلفة مليار جنيه للخط الواحد أو أربعة مليارات جنيه للأربعة خطوط.
وكان من نتيجة هذه الدراسة التى تنفذها هيئة الأنفاق أنه سيتم حفر نفق من العتبة إلى المطار طوله 50,22 كيلومتر وتكلفته 50,22 مليار جنيه وذلك لربط وسط المدينة بالمطار فى حين أن وسط المدينة مربوط فعلياً بالمطار وذلك من خلال خط مترو النزهة السطحى الذى يبدأ من رمسيس وينتهى عند مساكن شيراتون خارج أسوار المطار، ويمكن مده محطة واحدة إلى داخل المطار وتبلغ تكلفة إعادة إنشائه وعزله عن المرور السطحى وتجديده على أحدث وأسرع طراز 700 مليون جنيه للخط بأكمله أى أقل من تكلفة حفر كيلومتر واحد من الأنفاق، علماً بأنه تم إجراء عشر دراسات سابقة توصى بأن يكون مسار الخط الثالث من إمبابة إلى العتبة والدراسة بطول 5 و8 كيلو متر فقط بدلاً من 34 كيلو متراً حالياً.
اقترحت دراسة هيئة التعاون الدولى اليابانية «جايكا» فى 2002 حلا ممتازا لأزمة المواصلات يتميز بالتالى:
1- عدم إهدار أى خطوط سطحية قائمة وإعادة بنائها لتكون خطوطا سريعة.
2- الاكتفاء بأربعة خطوط للأنفاق.
3- إنشاء خطين لربط القاهرة بالمدن الجديدة الأول خط الجناح الشرقى ويصل إلى مدن الشروق والعبور وبدر والعاشر من رمضان، والثانى خط الجناح الغربى ويصل إلى مدينة السادس من أكتوبر.
وبالطبع فإن الخط الرابع هو أكثر الخطوط تكلفة لأن باقى الخطوط سطحية.. لذلك قررت هيئة الأنفاق البدء بالخط الرابع الذى تبلغ تكلفة مرحلته الأولى - فقط - 15 مليار جنيه.
وقد وقعت الوزيرة فايزة أبوالنجا قرضا مع اليابان فى أغسطس 2011 بقيمة 2,1 مليار دولار أو 2,7 مليار جنيه لتنفيذ المرحلة الأولى.
والأسئلة التى تطرح نفسها هنا هى:
1- هل هذا هو الوقت المناسب للبدء فى خط تبلغ تكلفة مرحلته الأولى - فقط - 15 مليار جنيه واقتراض 2,7 مليار جنيه فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى نمر بها؟
2- لماذا البدء بأكثر الخطوط تكلفة؟ ... فى حين أن تكلفة إنشاء باقى الخطوط مجتمعة لن تتجاوز مبلغ القرض لتنفيذ المرحلة الأولى من الخط.
3- لم تعلن هيئة الأنفاق الطول الإجمالى للخط الرابع بعد التعديلات ... والسؤال هنا: ما التكلفة النهائية للخط الرابع بجميع مراحله؟
هذا ما حدث مؤخرا فى مدينة نصر ومصر الجديدة حيث تم إلغاء الخط السطحى فى شارع خضر التونى (من استاد القاهرة إلى كلية البنات جامعة عين شمس) ليتم حفر نفق الخط الثالث فى نفس الشارع وتحت مكان الخط السطحى الذى تمت إزالته!
فى الخط الثانى تم توفير التمويل المحلى من إيرادات السكك الحديدية، مما استلزم وقف أى عمليات تطوير أو صيانة هذا المرفق لأعوام طويلة فكانت النتيجة هى انهيار السكة الحديد فى مصر كلها من الإسكندرية إلى أسوان والذى يحتاج إلى إعادة بناء بتكلفة 100 مليار جنيه حسب دراسة البنك الدولى.
هذا غير التكلفة البشرية التى لا تقدر بمال والتى تمثلت فى آلاف الضحايا لحوادث السكة الحديد وأشهرها بالطبع حريق قطار الصعيد.
فإذا كان الخط الثانى هو السبب فى انهيار مرفق كامل بالدولة وإذا كان لدينا خطط لأربعة خطوط أنفاق جديدة فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو: ما القطاعات الأربعة التى ستنهار فى الدولة نتيجة لذلك؟
ومن هنا ينبغى علينا:
الخط السطحي الذي تم إلغاؤه
1- اعتماد دراسة جايكا وحدها للتنفيذ مع تأجيل حفر خط الأنفاق الرابع إلى المرحلة الأخيرة ... وعدم اعتماد الدراسة المشبوهة لسيسترا التى تهدف لخدمة الشركات المنفذة للمشروع (الفرنسية والمصرية) وشركات الحديد والأسمنت.
2- أزمة المرور فى القاهرة هى أزمة مصطنعة ومن الممكن حل نصف الأزمة - على الأقل - من خلال مقترحات جايكا بتطوير الخطوط السطحية القديمة وإنشاء خطين لربط القاهرة بالمدن الجديدة حولها فى الشرق والغرب بما يؤدى إلى تفريغ القاهرة من سكانها... وهو ما يمكن أن تنفذه الشركات المحلية بتكلفة معقولة وبدون اقتراض خارجى وفى خلال سنتين فقط.
3- عدم إسناد تخطيط شبكة المترو لهيئة الأنفاق التى تعتبر أن حفر الأنفاق هو الحل «الوحيد» لأزمة المرور بالقاهرة.. بدون أخذ ظروف البلاد الاقتصادية فى الاعتبار.