الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جمال قال لزميله: أنا اللى «هشيل الملك»

جمال قال لزميله: أنا اللى «هشيل الملك»
جمال قال لزميله: أنا اللى «هشيل الملك»


دراسات كثيرة فى الشرق والغرب، تطرقت إلى «كاريزما عبدالناصر» وتحدثت عن نظرة عينيه النفاذتين، وما رواه عنه المقربون من أن أحدا لم يكن يستطيع أن يكذب عليه فى حال نظر إليهما.
تلك هبة من الله بالطبع، لكن الكاريزما وحدها لاتصنع زعامة، فثمة صفات شخصية أخرى، منها الإقدام والشجاعة وكره الباطل والذكاء والقدرة على اتخاذ الأحكام الصحيحة، إلى آخر تلك الصفات التى ميزت عبدالناصر منذ طفولته.
فى 26 مارس سنة 1924 قيد جمال عبدالناصر حسين تلميذاً بمدرسة الخطاطبة الأولية، كانت المدرسة وقتها تابعة لمصلحة السكك الحديدية تتكون من فصل واحد ومدرس واحد وناظر هو المرحوم محمود محمد الصغير.
كان عمر عبدالناصر وقتها ست سنوات، وفى سنة 1930 كان جمال عبدالناصر تلميذاً فى السنة النهائية بمدرسة النحاسين الابتدائية، وكان ناظر المدرسة الأستاذ أحمد همام، وكانت صفحة جديدة ضمت مؤشرات جديدة استوقفت زملاءه ومدرسه وناظر مدرسته .
الذين عرفوا جمال فى هذه الأيام المبكرة فى حياته والذين زاملوه يتحدثون عنه فى هذا المقال من أرشيف صحافة سنة 1970:
الخطاطبة بلدة صغيرة تملكها سيدة اسمها «تفيدة هانم» ويمر بها خط للسكة الحديد وتقع عليها محطة صغيرة يعمل فيها بعض العمال يستقبلون الفحم الذى ينقله الإنجليز إلى وادى النطرون.
وفى هذه البلدة مدرسة صغيرة كل ما بها فصل دراسى واحد ومدرس وحيد وصل إلى المدرسة يوم 22 مارس سنة 1924 منقولاً من مدرسة جبل الزيتون بالإسكندرية إلى هذه القرية البعيدة.
وعلى يدى هذا المدرس «محمد عبدالمنعم جامع» تلقى الرئيس جمال عبدالناصر أول دروس الكتابة والقراءة وظل مدرساً له لسنوات طويلة بعد ذلك حتى بعد أن نقل إلى القاهرة.
ويحكى الأستاذ محمد عبدالمنعم عن هذه الفترة من أول يوم فيقول:
«يوم 26 مارس سنة 1924» جاء عبدالناصر أفندى وفى يده «جمال» كان لى فى المدرسة ثلاثة أيام فقط. تعارفنا واكتشفنا أننا بلديات ومن محافظة واحدة كنت أنا المدرس الوحيد فى المدرسة التى كانت تابعة لمصلحة السكك الحديدية وقتها ولم أكن قد وجدت منزلاً أسكن فيه فى الخطاطبة بعد، فأصر والد الرئيس على استضافتى وظللت ضيفاً عليهم لمدة شهر كامل أتيحت لى خلاله رؤية جمال طول الوقت فى المنزل والمدرسة تحت سقف واحد كان جريئاً وذكياً وكثير التساؤل من كل شىء حوله كان يطلب تفسيراً لكل ظاهرة تلفت نظره، وأذكر يوم أن زار الفصل مفتش من مفتشى المصلحة. اسمه «أمين فكرى طمطوم» وسأل التلاميذ سؤالاً يقول: فقدت طريقك فى الصحراء وصادفت أعرابياً فسألته عن الجهات الأربع فوافق على أن يدلك مقابل عشرين قرشاً عن كل جهة. فكم تدفع له؟
وتعددت إجابات التلاميذ حتى كان جواب جمال عبدالناصر أعطه 20 قرشاً ليدلنى على جهة واحدة وعندما أعلم هذه الجهة أستطيع أن أحدد بقية الجهات الأصلية!!
وتمر الأيام وأنقل أنا إلى القاهرة إلى «مدرسة السويدى» فى مصر القديمة ويلتحق جمال أيضاً بمدرسة النحاسين ويوصينى والده «صديقى» أن أهتم بمتابعة دراسته، فكنت أذهب إليه فى منزل عمه «حسين» فى «حارة عدس» ثلاثة أيام كل أسبوع. وظللت أحتضن فيه الابن والتلميذ النابغة حتى حصل على البكالوريا وانقطعت أخباره عنى.
وفجأة تسلمت خطاباً منه كان قد تخرج فى الكلية الحربية وأصبح ضابطاً وكتب لى عنوانه فى «منقباد» وظللت أراسله حتى قيام الحرب العالمية الثانية وانقطعت عنى أخباره مرة أخرى.
وأيام حرب فلسطين «رأيت صورة منشورة له مع أبطال الفالوجا» احتضنت فيها ابنى الذى أوحشنى أخباره، ابنى الذى يحارب على أرض فلسطين درت بها على زملائى وقلت لهم: تلميذى فى الخطاطبة أصبح بطلاً.
ظللت أراسله حتى قيام الثورة، وزرته عام 1954  عندما أجرى عملية «الزائدة» جلست إلى جوار سريره فى المستشفى أحكى له وللجالسين ذكريات الأيام الماضية، وعندما ماتت ابنة عمى ففوجئت بالرئيس يأتى لتعزيتى.
ويقول سيد زيور أحمد زملاء عبدالناصر فى هذه المرحلة العمرية بمدرسة النحاسين: كنت قريباً من الرئيس رحمه الله فى هذه المرحلة وكنت أجلس إلى جواره.
وأذكر جيداً ما قاله لنا الأستاذ أحمد همام ناظر المدرسة فى أيام الدراسة وما قاله جمال عبدالناصر بعد ذلك.
كان ذلك فى آخر يوم سنترك بعده المدرسة لنقضى فترة ندخل بعدها امتحان الابتدائية ووقف الناظر يخطب فيها قائلاً:
«يا أولادى، هذا آخر يوم لكم فى المدرسة الابتدائية ستنجحون بإذن الله وتذهبون إلى مرحلة أخرى ومدرسة أخرى أرجو إذا نسيتم كل شىء فلا تنسوا دروس التربية الوطنية التى علمتكم إياها. أرجو أن تكونوا دائماً مخلصين لبلدكم واليوم يا أولادى قرأت حكاية عن كونستابل فى مرور لندن استوقف الملك عندما خالف قواعد المرور وطلب منه أن يدفع الغرامة وسأله الملك: - هل تعرفنى؟
- قال له الكونستابل، نعم - أنت الملك «والملك أخطأ» والملك يدفع الغرامة.
وكافأه الملك على ذلك بأن رقاه إلى أكبر رتبة فى بوليس لندن.
آخر كلماتى لكم هى «أرجو أن يكون بينكم الكونستابل الذى يستوقف الملك»..
وانصرف التلاميذ ومال جمال عبدالناصر على زميله زيور وقال له: تعرف يا زيور أنا اللى هشيل الملك!!
بعد ذلك بأكثر من عشرين عاماً كان عبدالناصر هو الضابط الذى قاد ثورة أوقفت الملك حتى الأبد!∎