«مُش تشفى» الحكومة!

هدي منصور
حركت زيارة رئيس الوزراء إبراهيم محلب الأخيرة لمعهد القلب بإمبابة ومعهد تيودور بلهارس، وما شاهده بنفسه المياه الراكدة فى قطاع الصحة، بعد أن تحولت أماكن الاستشفاء إلى بؤر للإهمال والتسيب واللا مبالاة، وأصبحت صحة الإنسان المصرى قضية مؤجلة شعارها: «الداخل مفقود والخارج مولود» أومثلما كان يقول الراحل الكبير محمود السعدنى «مش تشفى» فى الحكومة.
الزيارة استدعت من جديد المشكلة لفتح ملف المستشفيات، ومن الظلم أن نقول المستشفيات العامة فقط لكن العدوى انتقلت وأصابت الجميع وطالت الرعاية الصحية فى مقتل حتى تخلفت مصر سنوات وسنوات.
هناك بالطبع الكثير الأسباب التى أدت إلى ما آلت إليه الأحوال فى القطاع الصحى والتدهور بهذا الشكل والنموذج معهد الأورام، والوسائل الكفيلة بإعادة الثقة التى فقدت بين الدولة ورعاياها، فيما يتعلق بالصحة كما تستعرض صور المعاناة للمواطنين عند طلب حقهم المشروع فى الرعاية الصحية.
أعداد غفيرة تتجمع منذ الصباح الباكر أمام معهد الأورام على كورنيش المعادى لاستكمال رحلة العلاج الصعبة، قادمون من محافظات الوجه القبلى لعدم وجود فروع لعلاج الأورام، وأصبح التواجد على الأرصفة بكثافة ظاهرة ملحوظة يوميا، وطبعا دون أى حماية أو رعاية، فى صورة مكررة لا تختلف كثيرا عن معهد القلب، حيث لا توجد استراحات، وهم من محافظات بعيدة ليس لهم سوى الرصيف مأوى، ومنهم من يتواجد ثلاثة أيام كى يتم رحلة العلاج.
يقول كريم محمد من محافظة المنيا: أتردد على المعهد منذ 4 شهور وأتواجد ثلاثة أيام على الأرض خارج معهد الأورام، لأنه لا يوجد لدينا فرع للعلاج فى المحافظة، حالة المعاناة التى نعيشها حتى نصل إلى المعهد ونحصل على العلاج هى الأصعب، وتتكلف الرحلة الواحدة نحو 500 جنيه، وأنا فقير لا أملك المال لمواجهة تلك المعاناة ونطلب من رئيس الوزراء النظر وإقامة فروع فى مدننا.
ودعا رئيس الوزراء إلى زيارتهم والجلوس معهم على الأرصفة حتى يأمر بتوفير استراحات للمرضى المغتربين الفقراء، ومع ذلك ندعو الله أن يتم شفاء مرضانا فقط، وذكر أن مريض الأورام هو الأصعب وجلوسه على الأرض قد يكون المسمار الأخير فى نعش المريض لطول عدد ساعات الانتظار فنتمنى أن ينظر المسئول لحالتنا بتوفير العلاج بشكل سريع وكذلك الاستراحات.
سعيد صديق، من الفيوم، يقول: حضرت لتلقى العلاج من معهد الأورام منذ الساعة السادسة صباحا، فنحن نعانى من التواجد خارج المعهد على الأرصفة، دخولنا ممنوع كمرضى إلا فى وقت الكشف فقط والمعلومات ضعيفة جدا فلا أحد يساندنا من الممرضين أو المسئولين فى الداخل عن موعد حضورنا أو محاولة تخفيف العبء الذى نواجهه، وكورنيش المعادى يضم المئات ولا يوجد مكان يجلس فيه الوضع صعب ولا نعلم كيفية الحضور للعلاج فى شهر رمضان، ولا نطلب الكثير، نطلب مكانا للانتظار فقط بدلا من الأرصفة، والمعاملة الحسنة والتواصل مع المسئولين فى الداخل، فقد حضرت مع والدى المريض الأسبوع الماضى وكان له موعد حقنة ولم أجد أحدا فى المعهد كله يعطيه الحقنة وتتنصل الممرضات من عملهن، فاضطررت أن أعطيه بنفسى رغم عدم خبرتى بالأمر، إلا أنه كان لا بد أن يأخذ الحقنة، فلا يوجد أى تنظيم فى المعهد من الداخل سوى أعداد ضخمة من المرضى والأطباء، ونطالب بإيجاد إدارة رشيدة تهتم بالمرضى.
وتقول ماجدة حامد من بنى سويف: نحن نتواجد منذ الصباح الباكر فى هذه الغرفة لانتظار لحظة العلاج، وموعد الحصول على الدواء هى لحظة الأمل الكبيرة التى ننتظرها، والبائعون الجائلون على كورنيش النيل يوفرون لنا «الحصر والبطاطين» على الرصيف حتى نرتاح عليها مقابل أن يكون كوب الشاب بـ2 جنيه ومن الطبيعى أن ندفع، فهم يراعون معاناتنا الصعبة، فلولا تلك البطاطين لجلسنا على التراب مثل أعداد كبيرة منا لم يجدوا مكانا يجلسون فيه، ومنذ فترة تم الإبلاغ عن الباعة الذين يوفرون لنا الأطعمة البسيطة مثل البسكويت والشاى وقد رحلوا عن المكان بعد مطاردة الشرطة، إلا أن عددا قليلا عاد ليقوم بخدمتنا من جديد ونقول للحكومة: ارحمونا من عذاب الانتظار بشكل يومى للحصول على علبة الدواء من على أرصفة الموت البطىء.
ويضيف صلاح عبدالحافظ: نحن لا نحضر بشكل يومى إلى معهد الأورام، لكن معاناتنا لم تقتصر فقط على معاناة الأرصفة، فقد طلب إجراء عملية وبالفعل أجريت عمليتين، وقالوا لى فى النهاية: العملية ليس لها علاقة بمرضك وهذا يعود إلى وجود عدد كبير من الأطباء تحت التدريب ولا يوجد مستشارون بنسبة كبيرة فى المعهد لذلك قد نتعرض لأخطاء فادحة من الأطباء فى الداخل، رغم أننا عند حضورنا تكون معنا الأوراق الكاملة والمناظير التى يوجد فيها بيانات الحالة، فلماذا نتحمل الأخطاء ونحن مرضى فلا يكفى حالة المعاناة التى نعيشها على الأرصفة؟ ونقول لوزير الصحة: احضر إلينا وشاهد ما نحن فيه، فلا نطلب منك سوى استراحة أو مكان لنتواجد فيه.
وتشكو ماجدة محمد من بنى سويف من ترك منزلها فى الساعة الواحدة صباحا أملا فى الحصول على العلاج، وننام على سلالم المعهد حتى يرق قلب لحالنا، لأن العلاج من المعهد بالمجان، لكن خارج المستشفى يتكلف 800 جنيه، ونحن لا نمتلك المال فلا نمتلك سوى أجرة الطريق إلى القاهرة حلم النجاة من الموت، فالجميع يعلم أن المرض الذى نعانى منه أصعب الأمراض فهو قاتل وسريع الانتشار فى الجسم.
مسئول العلاقات العامة فى معهد الأورام يقول: نحن نتعامل فى المعهد مع ثمانى شركات للدواء والمعهد عليه مديونية تصل إلى 62 مليون جنيه، وفى نهاية الشهر الحالى تهدد شركات الأدوية التى نتعامل معها بعدم التعامل مع المركز ومنع توريد الأدوية وهو ما يهدد حياة المرضى، وتقدمنا بالعديد من الشكاوى إلى الحكومة لمساندتنا ونحن نقول لرئيس الوزراء: انظر إلينا، فنحن نريد التوسع فى المعهد ونحتاج إلى ملايين لسد مديونيات الأدوية، وعلاج مرض السرطان مكلف جدا والأعداد كبيرة جدا هنا فى المعهد عكس مستشفى «57357» فهم ينتقون حالات بعينها، والشخص الوحيد الذى يقف بجوار المعهد ويسانده ماديا لاستمرار المعهد فى أداء رسالته هو متبرع الخير وليس الحكومة أو الأطباء، والمرضى يحضرون مع ذويهم للعلاج، ونحن نرفض دخول أى شخص مع المريض سوى مرافق واحد فقط، وقمنا بعمل استراحات داخلية للمرضى مزودة بأجهزة بها مواد تمنع انتقال البكتيريا أو العدوى من المرضى، إلا أن المرضى يحضرون الأطعمة، واتهم المرضى بالمتاجرة بمرضهم خاصة فى شهر رمضان وشعبان ورجب وهى شهور التجارة الكبرى لمرضى السرطان، فهناك أشخاص مندسون يحضرون للحصول على التبرعات من أصحاب الخير، ومن طرائف المرضى التى حدثت منذ عدة سنوات أننا وجدنا سيدة أمام المعهد ميتة ومعها فى حقيبتها 8 آلاف جنيه حصلت عليهم كتبرع للعلاج من أحد الأشخاص الذين يمرون لمساعدة المرضى فى أشهر الخير.
وتقول الدكتورة ريم عماد- مدرس علاج أورام بالإشعاع: المعهد فى عام 2014 استقبل 245 ألف مريض قديم وجديد، وعدد المرضى الداخليين يصل إلى 7000 مريض، وعدد العمليات الجراحية التى قام بها المعهد فى نفس العام 3400 عملية، واستقبلنا 33 حالة أطفال لديهم ورم، وقسم العلاج الكيماوى يضم 75 ألف مريض والجراحة 75 ألف مريض والعلاج بالإشعاع 4000 مريض، وهناك تطورات قمنا بها فى العام الحالى وهى فتح العيادات الجديدة التى تستقبل فى اليوم الواحد 600 حالة، ويحضر للمعهد مرضى من محافظات بعينها هى الفيوم وبنى سويف، بالإضافة إلى القاهرة والجيزة. وعن تراكم أعداد المرضى أمام المعهد وتواجدهم على الرصيف يعود الأمر إلى أنهم يحضرون بصحبة ذويهم، ولا يسمح لدخول المعهد سوى المريض ومرافق واحد فقط أو اثنين، ولدينا استراحات لاستقبال المريض، ونقدم إليهم النصائح أكثر من مرة بعدم اصطحاب تلك الأعداد، وعن المديونيات الموجودة على المعهد لشركات الأدوية حقيقية والشركات لا تورد أموال الأدوية إلا بعد دفع المبالغ القديمة وفى حالة الضرورة نحصل على الأموال من التبرعات الموجودة فى المعهد، وعن متاجرة المرضى واستغلال مرضهم فى بعض شهور العام هى ظاهرة موجودة بالفعل ونحاول أن نحد منها فى المعهد لذلك قمنا بعمل بحث اجتماعى للمرضى قبل الحصول على العلاج، وميزانية الدولة لا تكفى إلا ثلاثة أشهر فى السنة فقط وهذه من أكبر الأزمات التى نواجهها.∎