السبت 26 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مصر جميلة فى عيد ميلاد جورج سيدهم

مصر جميلة فى عيد ميلاد جورج سيدهم
مصر جميلة فى عيد ميلاد جورج سيدهم


الأسبوع الماضى حضرت عيد ميلاد فنان له فى نفسى مكانة خاصة وهو الصديق الجميل (جورج سيدهم).. ومن حسن طالعى أننى تعرفت على جورج سيدهم  وأنا طفل صغير وذلك فى العام 1973 عندما وجد السعدنى الجميل الولد الشقى نفسه ممنوعا من ممارسة مهنة الصحافة بعد أن سجنه الرئيس السادات بتهمة قلب نظام الحكم وغاب خلف الأسوار عامين كاملين  أيامها اتجه السعدنى للتأليف  للمسرح وكانت له عدة روايات شهدت نجاحا عظيما فى الستينيات.
وفى العام 1973 كتب السعدنية مسرحية (4-2-4)وداخ دوخة الأرملة  على أصحاب الفرق لمسرحية ولم يقبل أحد منهم أن  يتعاون مع السعدنى خوفا من غضبة الرئيس السادات. وذات يوم  تلقى السعدنى اتصالا هاتفيا من الفنان الرقيق جورج  سيدهم، واتفقا على اللقاء فى مسرح الهوسابير وقد كنت فى تلك الأيام بالنسبة للسعدنى الكبير مثل المقطورة، فأينما ذهب  اتبعته وعلى هذا الأساس ذهبت معه إلى جورج سيدهم وقد فتح ذراعيه بالمراحب الحارة، وتسلم النص من السعدنى ومنحه أجره كاملا، وسافرنا بعد ذلك بعدة أشهر، ولكن المسرحية لم تر النور على الإطلاق، وتحولت إلى فيلم بنفس الاسم دون أى إشارة إلى اسم السعدنى..  هذا الموقف من جورج سيدهم ظل السعدنى الكبير يتذكره بالخير  ذلك لأن الإنسان الحقيقى هو من يظهر فى أوقات الشدة أما هؤلاء  الذين يلتفون حولك وأنت تحت بقعة ضوء أو فوق كرسى للسلطة، فهؤلاء شأنهم شأن الفراشات التى تتبع الضوء أينما ذهب ولا شىء سواه.
 هذا الموقف سكن قلبى وعقلى لذلك فإن جورج سيدهم افترش ساحة عظيمة  داخلنا نحن أبناء العائلة السعدنية ومع أن العم صلاح السعدنى ربما لم يلتق بجورج فى أى عمل فنى إلا أن جاذبيته وأصالة معدنه وحلو حديثه وجميل سلوكه جعلت منه أحد الأصدقاء  المقربين والمحببين إلى نفس العم صلاح،  وإذا كانت مشاغل الحياة وتصاريف الزمن قد فرقت الأصدقاء فإن مناسبة احتفال جورج سيدهم بعيد ميلاده تحول إلى ندوة  لمناقشة أحوال  بلادنا وقد حضر من أهل الفن السيدة الفاضلة «دلال عبد العزيز» زوجة صديق العمر ورفيق رحلة الكفاح سمير غانم، وايضا جاءت إلهام شاهين التى نالت محبتى ودهشتى، وهى فى بداية عملها الفنى ثم نالت كامل الاحترام وهى تحارب طيور الظلام وهم فى عنفوانهم وجبروتهم وتسلطهم، وبالطبع لم يكن لرجاء الجداوى إلا أن تحضر هذه المناسبة نظرا لما لجورج من مكانة فى قلبها وأما الحاضر الغائب فكانت العزيزة التى تشعر أنها أحد أقاربك فهى تكسر المسافات وترفع التكلفة بفضل  البساطة المتناهية والطيبة  غير المصطنعة نهال عنبر.
وقد كانت حاضرة معنا بالفعل ولكنها أمسكت بعدد غير مسبوق من الموبايلات منذ وصولها  للحفل وحتى غادرته، كانت نهال إذا أمسكت بأحد الموبايلات لا تنتهى منه حتى تكون قد تلقت مكالمة على موبايل آخر  ولأننى كنت أتنقل كما الفراشات بين الحضور فقد  علمت  باسرار مكالمات نهال عندما جلست إليها وبجانبنا اللواء رفيق سيدهم ابن عم جورج الذى تولى العديد من المناصب فى جهاز الشرطة وترك سمعة طيبة في كل مكان حل به واكتشفت أن لنهال دراية عظيمة بالمسائل الطبية وأنها عالمة بشئون المرض والمرضى أيضا فهى تقدم برنامجا تليفزيونيا لا يستضيف خلاله هؤلاء الساعين إلى الشهرة بأى ثمن ولكنها تستدعى  فقط أهل العلم والمعرفة من كبار الأطباء فى تخصصاتهم وفوق ذلك فهى تسعى ليل نهار للتخفيف عن البسطاء من اصحاب المرض، وفى تلك الليلة تلقت نهال اتصالا من سيدة ترجوها المساعدة فقد ولدت لها طفلة بعيب خلقى فى  الرئة وأنها فى حاجة ماسة إلى وضع الطفلة  فى حضانة، وهو الأمر الذى  تعذر ليس بسبب ندرة الحضَّانات لا سمح الله ولكن بسبب الجشع والتجارة والجنيه الذى غلب الكارنيه     وطرح الإنسانية أرضا... وبصريح العبارة هذه السيدة ارتفعت  مقامها فى نظرى  وقلبى للعلالى.
فقدت أمضت الحفل بأكمله تواصل مساعيها المشكورة، ولم ينته عيد ميلاد جورج سيدهم إلا وكانت الطفلة المسكينة قد كتب لها عمر جديد بفضل المولى عز وجل وبفضل إصرار نهال على أن تنتصر لهذه الأم  فقيرة الحال  المصدومة فى أحوال  والمستشفيات  فى بلادنا.. ولا أخفى على حضراتكم أننى كنت كلما حلت لحظة صمت وسط  الحضور أمد بصرى ناحية الدكتورة ليندا شريكة عمر جورج هذه السيدة التى تصلح نموذجا للمرأة المصرية التى أثبتت بغير ادعاء ودون ضجيج أن الست فى بر مصر تتساوى  مع الرجل، بل أنها أحيانا تتفوق عليه.. فعلى المستوى العلمى بلغت أرقى الدرجات ونالت الدكتوراه منذ سنوات بعيدة وعلى المستوى الإنسانى بلغت حد الكمال فهى تلعب فى حياة العم جورج  كل الأدوار إنها الزوجة المصرية  ابنة الأرض السمراء الطيبة التى لا تنتج إلا الخير  ولا شىء سواه وهى الأم فى حنانها  برفيقه دربها وهو أسير المرض تشعر أن نظرات عينيها تشع بحنان دافئ يلف جورج ويحتضنه وأستطيع أن أجزم بأن أحوال عم جورج الصحية  لم تتدهور بل أخذت فى التحسن بفضل رعاية وعناية هذه  السيدة الفاضلة التى تحرص على الابتعاد عن الأضواء والعمل فى صمت والعطاء دون دعاية أو إعلان.
وقد نالنا  من رعايتها الشىء الكثير فهى ليست مسئولة فقط عن العم وجورج فى تلك الليلة، ولكن مسئوليتها ورعايتها وعنايتها شملت الجميع وبالطبع  لم أكن لأدع المناسبة تفوتنى دون أن اسأل إلهام شاهين عن الدور الذى لعبه أهل الفن فى ألمانيا خصوصا وأننى وبمرورى على الفيس بوك وجدت معارضة لا يستهان بها من  هذه المشاركة  وبالمناسبة أنا فى الفيس بوك لا أصادق الإخوان أو مناصريهم ولكنى أتشرف بمعرفة أناس يحبون مصر ويعشقون ترابها لله فى لله.
وهنا وجدت إلهام ترتدى ثوب المحاماة لتدافع عن التهم الموجهة إليها، وبالمناسبة هذه الفنانة الجميلة تملك القدرة على الكلام والإقناع  بشرط أن تكون قضيتها عادلة فهى لا تتصدى للقضايا الخسرانة.. المهم أن إلهام روت لنا ما جرى فى ألمانيا وقبل ذلك أكدت أن من تكفل بمصروفات سفر وإقامة الفنانين والإعلاميين هما رجلا الأعمال الأمين والكحكى صاحبا الـ   CBC والنهار وعليه فإن الرئاسة براءة من حكاية اصطحاب أهل الفن واختيارهم.. أما سبب سفر أهل الفن فقد كان  من أجل جذب أنظار  الناس للحوارات واللقاءات  التى ستجريها القنوات الفضائية فى ألمانيا فأهل الفن هم القوة الناعمة الحقيقية الوحيدة الموجودة على الساحة المصرية.
هؤلاء هم كل القوة الناعمة المتبقية لمصر بعد سنوات التجريف أيام الشدة المباركية التى دامت ثلاثين عاما، لقد استمعت من إلهام شاهين ونهال عنبر فى الأحيان التى كانت فيها تنسى موبايلاتها عن الحشود التى استطاع الإخوان أن يكدسوها، وهنا خفق قلب إلهام حزنا، فقد كانت الحشود التى جاءت لتؤيد السيسى فى اليوم الأول أقل عددا ولكن مع مرور الوقت ومجىء الجاليات المصرية من كل أنحاء أوروبا تغير الحال من النقيض إلى النقيض، ولكن أجمل ما حدث بالفعل هو أن الحشد الإخوانى الذى كان ضخما فى يومه الأول لم يستطع أن يصمد لليوم التالى، وأصل الحكاية أن تنظيم الإخوان المسلمين خصص مبالغ طائلة لكى يفشل زيارة السيسى لألمانيا ويظهر أمام الرأى العام أنه رجل يحكم دون أن يملك أى شعبية، بل على العكس أنه يواجه معارضة شعبية رهيبة، ولكن يا سبحان الله تحركت داخل أهل مصر فى كل أنحاء أوروبا دوافع الوطنية والغيرة على وحدة الأراضى المصرية، فإذا بهم بمئات وآلاف يحجون إلى العاصمة الألمانية ليظهروا المعدن الأصيل للشعب المصرى.
 كانت الأحاديث الجانبية تشغل بال الفنان الجميل جورج سيدهم وألحظ فى عينيه لمعة تأثر بكلمات إلهام شاهين عندها اقتربت منه رفيقة دربه التى شعرت بأن زوجها فى حاجة إلى وجودها بجانبه، فقررت أن تطفئ له شمعة عيد الميلاد فى هذا التوقيت جاءت الرقيقة رجاء الجدواى والفنانة نجوى فؤاد والفنان أشرف زكى وشقيقته ماجدة زكى على الرغم من أن أشرف كان يحتفل فى نفس اليوم بخطبة ابنته إلا أنه أصر على أن وكلمة أخيرة لابد منها وهى أن التحية واجبة للرجل الفاضل أبونا بطرس دانيال الذى خصص وقته وجهده من أجل رسم البسمة على شفاه هؤلاء الذين  كانت مهمتهم  الوحيدة هى إسعاد البشر سواء من المصريين والعرب أنهم أهل الفنون الذين أصبحوا محط أنظار الأب بطرس دنيال الذى يتجول بين فنانى مصر فيروز سيد زيان  ثم سمير خفاجى وبعده المنتصر بالله ثم رأفت الميهى ومديحة يسرى ونور الشريف، إنه يلعب دورا عظيما فى حياة أهل الفن الذين داهمهم المرض فأصبحوا فى أمس الحاجة إلى من يحنو عليهم.. بارك الله فيك أيها الأب الجميل والإنسان الأجمل.. أما أنت يا عم جورج وبعد 19 عاما من المرض اسمح لى أن أحييك على ما قدمته من خلال رحلة العطاء الفنى فأسعدت عشاق الفنون سواء فى الفوازير التى كان لكم «ثلاثى أضواء المسرح» الفضل الأول فى خروجها للنور أو من خلال عشرات الأعمال المسرحية التى دخلت تاريخ هذا الفن الباقى طالما بقيت الحياة.. ∎