الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ناصر اعترف: النكسة أسقطت النظام!

ناصر اعترف: النكسة أسقطت النظام!
ناصر اعترف: النكسة أسقطت النظام!


الرجل يمكن أن يوصف بصندوق عبدالناصر الأسود، والشخص الذى كان مقربا إلى أقصى حد للزعيم الراحل.
سامى شرف، مدير مكتب الرئيس  يكشف عن ملابسات شديدة الحساسية والأهمية، حول الهزيمة العسكرية فى 5 يونيو، وقرار الرئيس عبدالناصر بتنحية المشير عبدالحكيم عامر عن قيادة الجيش، وتعيينه نائبا للرئيس، ومفاوضات «الصديقين» ناصر وعامر، فى هذا الشأن وما إلى ذلك من هوامش تبقى مهمة على دفتر النكسة.
فى المذكرات يحمل «شرف» المشير عامر مسئولية الهزيمة، ويروى كيف أفسدت العلاقة بين الرئيس والمشير؟ وما إلى ذلك من قرار تنحية وزير الحربية شمس بدران أيضا، نظرة المشير إلى الجيش باعتباره إقطاعية له، ومساعى عبدالناصر إلى إعادة بناء الجيش حتى يبدأ حرب الاستنزاف التى توصف بأنها واحدة من أبرز وأشرف مراحل الصراع مع العدو الإسرائيلى آنذاك.
يقول سامى شرف:
بعد أن أدليت بشهادتى حول تجربة الرئيس جمال عبدالناصر والعمل السياسى وعلاقته بالجماهير وفئات المجتمع وهى ما عبّر عنه بقوى الشعب العامل يجب أن أعرض فى النهاية رأى الرئيس عبدالناصر الذى أبداه فى شكل ممارسته للنقد الذاتى على مدار جلستين من جلسات اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى، أعلى سلطة سياسية فى البلاد، اللتين عُقدتا فى مبنى كورنيش النيل يومى الخميس والجمعة 3 و4 أغسطس 1967 وأرجو أن نضع خطاً تحت هذا التاريخ وما بعده، لأن عبدالناصر اتخذ أعمق وأقوى وأدق قراراته بعد العاشر من يونيو 1967 ولقد دارت المناقشات بينه وبين أعضاء اللجنة التنفيذية العليا على النحو التالى:
افتتح الرئيس جمال عبدالناصر الجلسة الأولى فى الساعة السابعة والربع من مساء يوم الخميس 3 أغسطس 1967  وقال إنه سيدخل فى الموضوع مباشرة، وبدأ يتناول صلب المسائل والقضايا رأساً من دون مقدمات ولفت نظر الأعضاء إلى أنه سيبحث فى هذه الجلسة أهم الموضوعات، ولذلك فقد طلب ألا يكون هناك جدول أعمال أو اقتراح بجدول أعمال، لأن القضايا التى سيطرحها ويناقشها مع المجتمعين أهم بكثير جداً من جميع القضايا والموضوعات الأخرى.
وأعلن عنوان القضية التى ستُبحث وهى قضية «نظام الحكم» باعتبار أن متابعة الأحداث التى تمت أخيراً ثم تحليلها بدقة وبأسلوب علمى يتبيّن منه أنه لم يكن هناك نظام سليم، وأذكر أنه قال كلمة SYSTEM بالإنجليزية لتوضيح ما يريد أن يثيره ويناقشه مع أعضاء اللجنة العليا.
وبدأ بعد ذلك مباشرة ومن دون مقدمات يقول: إن الجميع طبعاً يتذكرون ما حدث فى الاجتماع الذى تم فى القيادة العامة للقوات المسلحة قبل الخامس من يونيو1967 وبالتحديد حديثه يوم الجمعة الثانى من يونيو 1967 حيث إنه أى «الرئيس» ذكر للقيادات العسكرية التى حضرت الاجتماع أن المعلومات السياسية المتوافرة لدينا تؤكد أن «إسرائيل» ستقوم بهجوم كبير للاستيلاء على شرم الشيخ وفصل قطاع غزة، ولكن القيادة العامة للقوات المسلحة فى ذلك الوقت قدَّرت موقفها على أساس استبعادهم قيام العدو بهجوم شامل على الجبهة المصرية، وأنه حتى لو حدث هذا الهجوم فإنهم يستبعدون تماماً الطريق الساحلى كمحور رئيسى للهجوم، وبناء على هذا التقدير، ركّزت القيادة العسكرية على الجنوب وتركوا القطاع الشمالى عند رفح وغزة ضعيفاً ومكشوفاً.
وأضاف الرئيس جمال عبدالناصر: علمت بعد ذلك من المشير عامر وفى الليلة نفسها أنه قد أمر بإعادة لواء مدرّع إلى منطقة «نخل» وأعيد لواء مدرّع كان يقوده سعدالدين الشاذلى إلى الجنوب بعدما كان تحرّك فى اتجاه العريش، وكان قرار المشير يعود إلى أنه كان مقتنعاً بالتقديرات التى تقول إن الهجوم الرئيسى سيكون فى اتجاه الجنوب وليس شمالاً.
ثم أكمل الرئيس جمال عبدالناصر حديثه حيث ذكر للقادة العسكريين أن تقديره الشخصى للموقف أن الحرب ستقوم يوم الاثنين 5 يونيو وغالباً ما ستُوجه الضربة الأولى لقواتنا الجوية. عندئذ انزعج الفريق طيار محمد صدقى محمود قائد القوات الجوية وقال: يا سيادة الرئيس إن هذا الاحتمال سيسبِّب لنا إرباكاً كبيراً. ودار حوار بين الرئيس والفريق صدقى محمود ملخصه أن الرئيس استفسر منه عن حجم الخسائر المحتملة فى حالة تلقى الضربة الأولى، فقال صدقى محمود بالإنجليزى We Will be Crippiled  فسأله الرئيس جمال عبدالناصر: ما معنى هذه العبارة؟ وما تفسيرها عسكرياً؟ بمعنى كيف تقدِّر الخسائر؟ فردّ الفريق صدقى محمود قائلاً إنه يقدر الخسائر بنحو 10 إلى 20٪. فقال الرئيس، إن هذه النسبة مقبولة عسكرياً. واستأنف الرئيس كلامه للجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى قائلاً إن الحرب بدأت فعلاً يوم الاثنين 5 يونيو وبدأت العمليات العسكرية المعادية بضربة جوية على جميع قواعد قواتنا الجوية كما كان الهجوم الرئيسى على القطاع الشمالى لسيناء وسقطت العريش، وبعدها تحرّك العدو على ثلاثة محاور أحدها الطريق الساحلى، فلم يجد العدو أمامه أى قوات تعترضه على أساس أن القيادة العامة المصرية قد استبعدت أى تحرك لإسرائيل على هذا المحور.
وأضاف الرئيس أنه كان يتابع الحرب من مكتبه ولم يدخل القيادة العامة للقوات المسلحة منذ يوم 5 يونيو حتى  8 يونيو حيث طلبه فى هذا اليوم شمس بدران وزير الحربية آنذاك وألحّ عليه بضرورة التوجه إلى القيادة العامة لأن المشير عامر (حسب قوله) فى حالة انهيار كامل، كما طلب من سكرتيره إحضار حبوب «السيانور» وتوجه الرئيس إلى مبنى القيادة العامة فوجد المشير عامر فى حالة انهيار تام فعلاً. وقد حاول الرئيس عبدالناصر أن يهدِّئ من عصبية المشير عامر، وأكد له أنه شخصياً المسئول عمّا حدث، وأنه لذلك سيتنحى عن الرئاسة، ثم سأله الرئيس عن الشخص الذى يراه صالحاً لتولى رئاسة الجمهورية من بعده، فقال المشير عامر إن أصلح شخص هو شمس بدران. وهنا طلب منه الرئيس عبدالناصر أن يبقى ما دار بينهما من الحديث حول هذه النقطة مقصوراً عليهما.
استأنف الرئيس جمال عبدالناصر حديثه فى جلسة اللجنة التنفيذية العليا قائلاً إنه علم بعد أيام أن المشير عبدالحكيم عامر عقد اجتماعاً مع شمس بدران عقب عودة الرئيس إلى منشية البكرى ودار فى هذا الاجتماع نقاش حول إعادة تنظيم الدولة وقياداتها المدنية، كما تمت اتصالات ببعض الشخصيات السياسية وبعض الوزراء الذين أبلغ بعضهم عمّا دار بينهم وبين المشير وشمس بدران من أحاديث تليفونية فى ذلك اليوم، وكانت تعليمات المشير لمن تم الاتصال بهم ألا يعلنوا استقالاتهم بعد إعلان الرئيس تنحِّيه وذلك حتى يتعاونوا مع رئيس الجمهورية الجديد.
وقال الرئيس جمال عبدالناصر بعد ذلك إنه اتصل يوم 9 يونيو بالمشير عبدالحكيم عامر تليفونياً وقبل إذاعة بيان التنحِّى أبلغه أنه بعد تفكير طويل وبهدوء، وجد أن زكريا محيى الدين هو أصلح شخصية لتولى رئاسة الجمهورية من بعده، وهنا بدأت تظهر مشكلة شمس بدران لأنه اعتبر نفسه رئيساً للجمهورية منذ الساعة الحادية عشرة من مساء يوم الخميس حتى ساعة إذاعة بيان التنحِّى مساء يوم الجمعة 9 يونيو,1967 كما اعتبر أن الرئيس جمال عبدالناصر بترشيحه لزكريا محيى الدين رئيساً للجمهورية قد اعتدى على منصبه الشرعى.
وأضاف الرئيس قائلاً: إنه أثناء إلقائه خطابه من مكتبه فى القصر الجمهورى فى القبة طلب شمس بدران، محمد أحمد السكرتير الخاص للرئيس وطلب منه إبلاغ الرئيس فوراً بضرورة عدم استكمال إلقائه لبيان التنحِّى، وقد عقَّب الرئيس لأعضاء اللجنة العليا على هذا المطلب أنه شىء خيالى طبعاً.
بعد يومين طلب شمس بدران الرئيس جمال عبدالناصر تليفونياً ليبلغه بأنه يوجد تجمع من ضباط الجيش يُقدَّر عددهم بنحو 500 ضابط حول منزل المشير عامر فى حلمية الزيتون وفى مبنى القيادة العامة، وأن هؤلاء الضباط يصرِّون على عودة المشير قائداً عاماً للقوات المسلحة، كما قال إن هؤلاء الضباط يطلبون أن يبتّ الرئيس فى هذا المطلب فوراً. وكان ردّ الرئيس جمال عبدالناصر أنه سيتخذ قراره فى هذا الأمر فى اليوم التالى (غدا).
وعاد بدران فى اليوم التالى يطلب الرئيس ليعرف قراره، فبادره بقوله: أنت عارف يا شمس رأيى فى القيادة العامة، واحنا إذا كنا عايزين نصلح الجيش بصدق ونصلح أحوالنا فعلينا أن نختار قائداً عسكرياً محترفاً على أن يبقى حكيم نائباً أول لرئيس الجمهورية.. وأنهى المكالمة.
وقال الرئيس لأعضاء اللجنة التنفيذية العليا إنه حاول بعد ذلك أن يستدعى المشير عامر إلى منشية البكرى وطلب ذلك من صلاح نصر لأن المشير لم يكن مقيماً فى منزله، بل كان يقيم فى إحدى الشقق التى كان يستخدمها اللواء عصام الدين خليل مدير مخابرات الطيران ولكنه رفض الحضور، فقرّر الرئيس بناء على ذلك أن يعلن تعيين الفريق أول محمد فوزى قائداً عاماً للقوات المسلحة، وأمره بأن يعتقل الضباط المعتصمين والضباط المعترضين، وتم ذلك فعلاً.
أضاف الرئيس قائلاً: إنه قابل المشير عامر بعد ذلك وحاول من دون جدوى إقناعه بأنه ليس من المنطق أن يبقى بعد الهزيمة العسكرية قائداً عاماً للقوات المسلحة، وأن يكتفى بأن يكون نائباً لرئيس الجمهورية، لكن عبدالحكيم رفض هذا الحل رفضاً باتاً وسافر غاضباً إلى بلدته اسطال فى المنيا، ومن هناك اتصل بمحمد حسنين هيكل وأبلغه استنكاره التام لتصرفات الرئيس.
وبعد ذلك طلب شمس بدران مقابلة الرئيس وتمت المقابلة فى منشية البكرى، حيث ذكر شمس بدران أن الموقف يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وأن البلد كلها ضد عبدالناصر وأن الجيش ضده أيضاً، وقال إنه يرى أن الحل الوحيد هو عودة عبدالحكيم عامر إلى منصبه القديم.
وتمت مقابلة أخرى بين الرئيس عبدالناصر وشمس بدران بعد يومين من اللقاء السابق، كان قد تم خلالهما اعتقال ضباط التنظيم السرى الذى أقامه شمس بدران داخل القوات المسلحة، وكان أغلبهم من دفعته (دفعة الكلية الحربية سنة 1948) وفى هذا اللقاء قال الرئيس عبدالناصر لشمس بدران أنا منحتك يا شمس ثقتى بالكامل، ولكنك للأسف اشتغلت لمصلحتك ومصلحة المشير من وراء ظهرى.. وأنت لو كنت مخلصاً بصحيح ونيّتك صادقة فى تكوين تنظيم داخل الجيش لكنت أبلغتنى فى حينه بشكله وأسمائهم، لكنك لم تكن أميناً. عموماً أنا أمرت باعتقال جميع أفراد التنظيم.. فارتجف شمس بدران وارتبك وخرج من دون أن ينطق بكلمة.
قال الرئيس لأعضاء اللجنة التنفيذية العليا إنه يوم الاثنين الماضى حضر المشير عامر إلى منشية البكرى وتناول العشاء مع الرئيس وكان الحديث ودّياً بشكل عام، إلا أن المشير عند مغادرته اقترح على الرئيس أن يسافر إلى أمريكا للتفاهم معهم، ثم قال: (الروس خونة.. ولم يعلق الرئيس على كلام المشير واعتبره كلاما من شخص غير متزن) وقال له: نبقى نفكّر.
وقال الرئيس بعد ذلك، سبب عرضى لهذه القصة بالتفصيل هو أنى أريد أن أضع أمامكم وأبرز موضوعاً مهماً وهو أنه إذا كانت جميع التصرفات صدرت عن أقرب الناس وأقرب القيادات إلى النظام.. فماذا يحدث من غيره؟ مضيفا:
إن ما جرى يحتاج فعلاً إلى بحث وتفكير عميقين.. ده أنا وعبدالحكيم كنّا أقرب اثنين لبعض، ورغم هذا فقد تصرّف عبدالحكيم هذه التصرفات.. دى مجموعة شمس بدران من دفعة 1948 وغيرهم كانوا بيجهزوا نفسهم لاستلام البلد.
ولخص الرئيس جمال عبدالناصر تقديره للموقف بقوله:
علينا واجبان: الأول هو البحث عن نظام جديد، والثانى هو أن نحدد الأخطاء الرئيسية ونبحث كيف نصلحها. الناس بتقول إن إحنا بناكل بعضنا والنظام بياكل نفسه، وبناء عليه فإن المستقبل هيكون خطر جداً، ومن رأيى العمل على تغيير النظام وقالها بالإنجليزية SYSTEM لأنه فيه غلط، والمعروف أن نظام الحزب الواحد دائماً تحدث فيه صراعات فى قمة السلطة، والأمثلة على ذلك كثيرة آخرها ما حدث فى الصين.
وأضاف الرئيس: لم يبق فى عمر معظمنا أكثر من عشر سنوات، وخصوصاً مع المرض والضغوط والمجهود، ولذلك فيجب تغيير النظام بحيث لا يسمح لشخص واحد أو بشلّة غير واعية أو جاهلة سياسياً أن تحكم البلد الذى أعطانا ثقة بلا حدود، والتغيير المقصود لا يمس اتجاهنا الاشتراكى لأننا نكاد نكون قد انتهينا من التطبيق الاشتراكى فى أغلب القطاعات باستثناء قطاع المقاولات وقطاع التجارة وبعد هذا يكون عملنا مركَّزاً على خطط التنمية ومتابعة تنفيذها.∎‐‐