الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

انتخابات الدم فى السودان

انتخابات الدم فى السودان
انتخابات الدم فى السودان


دخل السودان مرحلة سياسية جديدة بعد إصرار نظام البشير على عقد الانتخابات العامة فى البلاد التى طالبت قوى المعارضة بتأجيلها إلى حين الانتهاء من مرحلة الحوار،هذا بالنسبة للتنظيمات التى ارتضت الحوار مع النظام، وتشمل الانتخابات رئاسة الجمهورية، وولاة الولايات، ونواب المجلس الوطنى(برلمان) والمجالس التشريعية الولائية بوصفها استحقاقاً دستورياً منصوصاً عليه، رغم التغييرات الدستورية التى أجراها حزب المؤتمر الوطنى الحاكم فى السودان والتى شهدت اعتراض جميع أحزاب المعارضة وتكتلاتها.
أدلى الرئيس عمر البشير  بصوته بمنطقة (سانت فرانسيس) يوم الاثنين الماضى فى الانتخابات العامة رغم الاعتراضات الشعبية والحزبية القوية، مما حدا بالنظام إلى اعتقال قيادات حزبية ونشطاء ومحاصرة بيوت عدد من قادة التنظيمات السياسية ومنعهم من الخروج كإجراء احترازى للحيلولة دون تنظيمهم صفوف الجماهير التى أحجمت عن المشاركة فى الانتخابات العامة.
ورغم الاستعدادات المبكرة للحزب الحاكم (المؤتمر الوطنى) لخوض العملية الانتخابية من خلال إجرائه تعديلات دستورية وقيامه بمشروع تعبئة لكوادره ورصده أموالاً ضخمة، فإن إعلام المعارضة كان بالغ التأثير على سير الانتخابات، حيث دعا الكثير من الكيانات السياسية إلى مقاطعة ما أسمته (انتخابات الدم)، ورفعت المعارضة المدنية وقوامها الأحزاب السياسية ومعها الحركات المسلحة شعار (ارحل) فى مواجهة البشير، بينما  دعا تجمع المعارضة المعروف باسم (الجبهة الوطنية العريضة) إلى إسقاط النظام وإيقاف ما سمى بالهرولة نحو أطروحات الحوار التى يرفعها النظام لاستقطاب بعض الاحزاب، وتبنت الجبهة  الدعوة إلى إعلان العصيان المدنى فى عموم البلاد.
مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم غندور وبعد الإدلاء بصوته فى مركز برى قال معلقاً على دعوة المعارضة للمقاطعة (إن من حق الشعب أن يمارس حقه ولا يتركه، ومن يريدون المقاطعة هذا حقهم الطبيعى، وديمقراطية يمارسونها كما يشاءون ما داموا لا يمنعون أحداً من ممارسة حقه).
وحول الاعتقالات التى تزامنت مع بدء الانتخابات قال غندور (إن أى اعتقال تم أخيراً قد يكون بسبب محاولات البعض منع الآخرين من ممارسة حقهم فى التصويت، وأن كل شخص له الحق فى أن يبقى فى منزله ولا يصوت، ولكن ليس له الحق فى أن يمنع الآخرين ممن ممارسة حقهم)، وهو ما أكده وزير الداخلية الفريق عصمت عبدالرحمن الذى برر حملة اعتقالات النظام على منسوبى المعارضة إلى وجودهم متلبسين وإنهم  قاموا بتحريض المواطنين على عدم التصويت، وأوضح أن الشرطة لن تسمح بأى تخريب للانتخابات.
وزير الدفاع الفريق عبدالرحيم محمد حسين أكد أن الأوضاع الأمنية بالبلاد بشكل عام مستقرة، وأن الوضع الأمنى فى دارفور وفى الولايات الأخرى ليست به مشكلات.
پحضور عربى وأفريقى
المفوضية العامة للانتخابات السودانية وجهت الدعوة لعدد من الشخصيات والمنظمات الإقليمية والدولية أبرزهم الرئيس النيجيرى السابق أوباسانجو الذى صرح لوسائل الإعلام قائلاً: (جئنا كمراقبين بهدف الاطمئنان على أن المشاركين والمتنافسين فى الانتخابات قد احترموا لوائح تلك المؤسسات التى تنظم العملية الانتخابية).
كما شارك اتحاد المحامين العرب بوفد مراقبة برئاسة الأمين العام لاتحاد المحامين العرب عبداللطيف أبو عشرين، الذى وصف العملية الانتخابية بأنها يوم تاريخى بالنسبة للسودان، مرددا ما هو شائع (أن الإيمان بالاستحقاقات والاقتراع والتصويت قاعدة ديمقراطية).
واستجاب لدعوة المفوضية عدد من المنظمات الإقليمية والدولية، تضمن 26 مراقبا دوليا40 مراقباً من الجامعة العربية، 95 مراقباً من الاتحاد الأفريقى و30 مراقباً من دول تجمع شرق ووسط أفريقيا (إيغاد) وتجمع الساحل والصحراء والكوميسا وغيرها من دول الجوار.
كيانات الرفض والمقاطعة
 فى بيان حصلت عليه (روز اليوسف)  دعت اللجنة التنسيقية العليا للحزب الاتحادى الديمقراطى بالخليج جماهير الحزب للوقوف إلى جانب إرادة السواد الأعظم من الشعب السودانى العظيم ضد ما أسمته انتخابات تزييف الإرادة وقالت اللجنة إنها ترفض أى نتائج تنجم عنها بعد أن تكشفت المقاطعة الواسعة لها من عامة الشعب.
الناشط السياسى والناطق باسم حزب البعث   العربى الاشتراكى محمد ضياء الدين وصف ما يجرى بأنه انعكاس لصمود الشعب السودانى فى مواجهة نظام حزب المؤتمر الوطنى الذى يعانى من تفكك حتى أصبح شلليات وقبائل ومراكز نفوذ، وأردف ضياء الدين قائلا: (لم تعد شعارات الثمانينيات تستهوى الشباب بعد أن استوعب الدرس مؤخرا بأنها )لا إسلامية) ولا يحزنون.
وقال موجهاً نقده للحزب الحاكم (عندما يدخل المال فى السياسة لتليين المواقف وشراء الذمم وإحداث خروقات فى الأحزاب يصبح المشترى ليس بأفضل من البائع، وأن مهزلة الانتخابات كشفت ضعف وعى المؤتمر الوطنى لمعطيات السياسة وأبانت قصر نظر مراكز بحوثه وتقارير أفراده التى تدعى بأنهم 10 ملايين عضو.
وحول قِراءته لمرحلة ما بعد الانتخابات قال ضياء الدين (إن النظام يتكئ على آخر عصا وهى جهاز أمنه الذى يحرص منتسبوه على نفى صلتهم بالمؤتمر الوطنى وأنهم جهاز دولة، وهذا دليل على وعى متأخر بقرب زوال النظام، ممنين أنفسهم بدور فى التغيير القادم كجهاز وطنى.
وأضاف ضياء الدين الذى تحدث لـ(روزاليوسف): (الآن ليس فى يد النظام، جيش وجماهير وحزب يحمى ركائزه، لذا كان الاعتماد على آخر ما يعتمد عليه أى نظام منتهى الصلاحية ألا وهو جهاز أمن يبطش ويسجن ويمارس كل صلاحيات الرئاسة الدكتاتورية فى مقابل بقاء رأس نظام صورى باهت يمارس السخف البروتوكولى كرئيس لجمهورية مدعاة،باختصار مات المؤتمر الوطنى، وألقيت جيفته على قارعة الطريق.
ويرى الصحفى ومسئول الإعلام بالتحالف العربى من أجل السودان سليمان سرى أن الرئيس السودانى عمر البشير يسعى لترشيح نفسه لولاية سادسة بعد 26 عاماً، كمحاولة للبحث عن غطاء وشرعية تحميه من تنفيذ مذكرة القبض الصادرة فى حقه من  المحكمة الجنائية الدولية، ويريد أن يؤكد للمجتمع الإقليمى والدولى أن فوزه يدحض ويفند اتهامات المحكمة الجنائية له بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وأنه المرشح المنتخب من شعبه ونال أصوات الناخبين عن رضا حتى من المواطنين فى دارفور، وأنه لم يرتكب جرائم ودليله على ذلك أن أهالى دارفور صوتوا له!، ويحاول أن يثبت أن المحكمة الجنائية مسيسة وقراراتها تستهدف الدول الضعيفة (كما ظل يردد ذلك) خاصة بعد أن وجد السند من جامعة الدول العربية ومؤخراً قرارات الاتحاد الأفريقى، برفض قرارات المحكمة على رؤساء الدول بل التحريض بالانسحاب من ميثاق روما المنشئ للمحكمة.
وأضاف: إن الصورة تكذب ذلك الواقع  الذى أراده البشير، إذ إن وكالات الأنباء العالمية وجميع الفضائيات نقلت المقاطعة الشعبية التى تمت بصورة (فطرية)، من قبل جماهيرالشعب السودانى التى امتنعت عن التصويت واعتصمت فى منازلها، بل الجديد فى الأمر أن الشعب السودانى سجل سابقة لم تحدث فى تاريخ السودان، حيث علقوا لافتات على أبواب منازلهم كتبوا عليها إشعارات (نحن مقاطعون هذه الانتخابات من فضلك لاتزعجونا).
ويرى سرى أن هذه رسالة واضحة من المواطن السودانى البسيط  الذى فقد الثقة فى  النظام، بعد أن سئم من الوعود الكاذبة فهذه الجماعة الحاكمة منذ استيلائها على السلطة فى 30 يونيو1989م، خدعوا الشعب السودانى بأنهم مستقلون ولاينتمون لأى تنظيم، ولكن سرعان ماتكشف أنهم جماعة الإخوان المسلمين فى إشارة إلى حزب (المؤتمر الوطنى) الحاكم وأنهم استخدموا الذراع العسكرية للانقلاب على نظام ديمقراطى منتخب.
وفى انتقاده لبعض قوى المعارضة يقول سرى: (هذه المقاطعة تعد درساً للنظام الحاكم وللمعارضة التى تحاول التحاور معه ممثلة فى قوى نداء السودان، الذى يضم كلا من الجبهة الثورية، حزب الأمة القومى، تحالف قوى الإجماع الوطنى المعارض ومبادرة المجتمع المدنى، التى كانت تأمل فى أن تخرج بحوار هادف وشامل مع النظام بعد إرجاء هذه الانتخابات لعامين، لكن البشير ليس لديه ثقة فى أى جهة بل حتى فى حزبه لذلك سارع بإجراء الانتخابات ليفرض واقعاً جديداً، بينما وضعت هذه القوى خيار الانتفاضة الشعبية حال رفض النظام أجندة الحوار المنصوص عليها فى نداء برلين، الذى رعته الحكومة الألمانية!
ويرى أن المعارضة وجدت نفسها أمام تحدٍ فى مواصلة الحوار أو رفضه بعد أن قاطع الشعب السودانى هذه الانتخابات، التى أطلق عليها (انتخابات الدم) باعتبار أن البشير ارتكب جرائم قتل فى دارفور، جنوب كردفان والنيل الأزرق، وحتى داخل الخرطوم قامت ميليشياته (قوات الدعم السريع) بقتل المتظاهرين فى سبتمبر 2013م، الذين خرجوا فى احتجاجات سلمية.
ويحمل سرى الحزب الحاكم مسئولية تمزيق البلاد وإفشال العملية السلمية لتداول السلطة ويقول: (هذه الانتخابات حكمت على نفسها بالفشل نتيجة لهيمنة واحتكار الحزب الحاكم للسلطة فى السودان بعد أن فشل فى إدارة الدولة، ففرط فى ثلثى مساحته وأشعل الحرب فى دارفور، جنوب كردفان والنيل الأزرق، مما يزيد القلق بتفتيت السودان، إضافة إلى سيطرة عناصره على ثروات البلاد مما عزز الفساد حتى أصبح سلوكاً مجتمعياً أدى إلى انهيار اقتصادى.
أما مستوى المشاركة فقد اتسم بالضعف حسب سليمان سرى فقد قاطعت الأحزاب السياسية المعارضة هذه الانتخابات، بسبب عدم قدرتها فى الوصول للجماهير فقد ظل النظام عبر أجهزته الأمنية يحرمها من ممارسة نشاطها  حتى داخل دورها، ولايسمح لها بعقد ندواتها فى الساحات  العامة، وظل يعتقل كوادرها ويداهم دورها باستمرار، فمارس القمع واعتدى على الحريات العامة وحرية الرأى والتعبير، وعلى سبيل المثال قام فى ليلة واحدة بمصادرة 14 صحيفة تزامن ذلك مع تدشين حملته الانتخابية، ثم اعتقل العشرات من النشطاء السياسيين والحقوقيين عشية الانتخابات وطوقت قواته الأمنية منازل عدد من قيادات المعارضة.
وانتقد سرى الطريقة والأسلوب الذى تكونت به مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات وقال: لم تشارك أى جهة فى تكوين المفوضية وفى قانون الانتخابات بل تم تعيين المفوضية من قبل نظام البشير وصولاً إلى انتخابات من طرف واحد، وقد رفض الاتحاد الأوروبى مراقبتها بحسب بيان رسمى لعدم توفر المناخ المناسب لإجرائها، مع مقاطعة المعارضة السودانية لها وعدم خوضها، لذلك رفض الشعب السودانى المشاركة فى هذه (المسرحية الهزيلة) بإعادة انتخاب البشير، الذى ينافس نفسه ويخلف نفسه فى ذات الوقت كمرشح وحيد دون منافس.
ويتوقع المراقبون للشأن السودانى فوز البشير بولاية سادسة، تمكنه من الاستمرار والإفلات من اتهامات المحكمة الجنائية الدولية، ولكن إحجام المواطنين السودانيين عن الإدلاء بأصواتهم جعل البشير أمام تحدٍ آخر وهو كيفية الحصول على شعبية للاستمرار فى الحكم للأربع سنوات القادمة.∎