«البلانة» من حمام كليوباترا إلى حمام الملاطيلى

هدي منصور
(البلانة) أول (الدلاكة) أسماء مهن نسائية تنتمى للتراث القديم فى بند التقاليد والعرف ولكنها مثلها مثل مهن كثيرة اندثرت مع مرور الزمن وطويت صفحاتها مثلها مثل المهن التقليدية التى لم يعد لها مكان سوى فى الذاكرة، لكنها فجأة عادت بصور متنوعة للحياة بعد أن أصبحت مهنة مضمونة الربح (والبلانة) التصقت بالمرأة وعرفت منذ عهد الفراعنة باسم (التدليلك الفرعونى) وكان له اهتمام كبير لدى الملكة كليوباترا التى خرجت أسماء عديدة من الماسكات فى العصر الحديث باسم مكونات الحمام الذى كانت تقوم به.
كان لحمام كليوباترا طقوس معروفة فى التاريخ حيث يبدأ دخول الملكة وتستقبلها عشرات الفتيات (المدلكات) وتقوم بتغطية الرأس بمنشفة كبيرة من خامة القماش ويفضل القطن لاستنشاق بخار ممزوج بالنعناع يخرج من إناء نحاسى عتيق للشعور بالاسترخاء من بداية الجلسة ثم مرحلة الجلوس فى الماء الدافئ تنبعث من خلاله دفعات قوية من المياه الساخنة ثم الباردة بشكل مفاجئ لتنشيط الدورة الدموية، فى الوقت الذى تقوم فيه الفتيات بسكب زيت الياسمين داخل حوض الاستحمام مع باقات حية من زهور الياسمين التى تطفو على سطح المياه. ووسط هذا الجو المعبأ برائحة البخور وعلى أضواء الشموع المتراقصة من جميع الأرجاء بغرفة التدليلك والموسيقى الخافتة التى تنساب برقة، تبدأ عملية سكب قدر وافر من اللبن بحوض الاستحمام، وهو أهم ما يميز الملكة كليوباترا فى طقوس العناية بالجسد، حسبما تذكر البرديات الفرعونية، ثم تبدأ عملية المساج على مناطق الرأس والجبهة والصدغ والرقبة والكتفين والذراعين لإزالة التوتر الذى يكمن فى هذه الأجزاء.
مع مرور التاريخ تطورت وكانت تدلك النساء فى الحمامات الشعبية، ثم تطورت بصور أخرى نعرفها الآن هى المراكز والأندية الصحية وحمامات السونا وغيرها من الصور الحديثة التى تقوم بعمل المساج المناسب.
عدد من الحالات التى دخلت هذه التجارب وتعرض خدماتها ونجحت منهن من اختارت الأماكن الشعبية ومنهن من اختارت الأماكن الراقية التى وجدت فيها ترحابًا بالأمر حتى يكون الأمر أكثر أمانا.
∎ 500 جنيه يوميا فى إيد شيماء
شيماء مصطفى من شبرا ومثلها مثل فتيات كثيرات بعد الانتهاء من التعليم ومواجهة أزمة العمل. تقول شيماء: أنا حاصلة على دبلوم تجارة، ولم يكن أمامى سوى الاعتماد على نفسى فى البحث عن العمل فقمت بفتح مشروع محل كوافير حريمى متجول (دليفرى) حتى المنزل وهى فكرة سهلة جدا ومربحة جدا، فأصغر مشروع كوافير حريمى متجول أو دليفرى يحقق أرباحا تصل إلى 500 جنيه على الأقل يوميا، من خلال المشروع يمكن الالتحاق بأى بيوتى سنتر والأجر الشهرى لأى متخصصة يصل إلى 3000 جنيه شهرى بالنسبة لتجربتى عمرها عام فقط وأتصور أنها ناجحة رغم أنها تقتصر على سكان المنطقة التى أعيش فيها واصبحت لى شهرتى وأقوم بجميع خدمات التجميل.
∎ قائمة سماح
أما سماح حسن الفتاة العشرينية فقالت عن مهنة الكوافير الدليفرى: أنا كوافيرة منزلية بدون أى مصاريف تنقلات أو مواصلات ومن زهراء مدينة نصر وأذهب إلى كل الأماكن وقائمة الأسعار الخاصة بى هى التى تتحدث عن شغلى وتبدأ بعمل حمام بخار للوجه لإزالة الحبوب والهالات السوداء بـ25 جنيها، وماسكات للوجه لإزالة الحبوب أو لتفتيح البشرة أو للتنظيف بـ10 جنيهات، بالإضافة إلى ماسك الذهب للوجه لإعطائك اللون البرونزى بـ15 جنيهًا، وعمل صنفرة للوجه للتفتيح وإزالة البثور السوداء والدهون الزائدة فى البشرة بـ20 جنيهًا، عمل الشعر سيشوار من 20 إلى 30 جنيهًا فقط على حسب طول الشعر، عمل الشعر بيبى ليس أو كرلى من 20 إلى 30 جنيهًا وعلى حسب طول الشعر وكثافته، قص الشعر أطراف فقط بـ15 وقصه أى قصة 25 جنيهًا، وعمل جميع ماسكات الجسم للتفتيح وشد الجسم والتنظيف بـ25 وعمل صنفرة للجسم باللون البرونزى والوردى بـ40 جنيها.
سماح أضافت أنه من خلال عروضها الذهبية فى المنافسة القوية فى الأسعار هو ما أدى إلى زيادة الإقبال عليها ليصل الدخل اليومى لها إلى 200 جنيه وزبائنها موجودون فى الأحياء الراقية واستطاعت شراء سيارة صغيرة لتستطيع الحركة والمرور على كل المتصلين على هاتفها الذى وضعت رقمه على مواقع التواصل الاجتماعى.
الكوافير الدليفرى أو البلانة- حسب تأكيد سماح- أصبحت رائجة بشدة بعد أن انقرضت وهى أكثر أمانا للزبون وأصبح بيزنس لها مستقبله.
أما أم عبدالله وهى إحدى السيدات التى قامت بتحويل شقة فى أحد العقارات بمدينة 6 أكتوبر إلى مشروع صغير وهو الأكثر رواجا بين السيدات وهو الحمام المنزلى الأكثر أمانا فى شقة دور أرضى تتكون من غرفتين وصالة.
المشروع - تضيف أم عبدالله - نال قبول وثقة عدد من السيدات ومن كل مكان فى أكتوبر، ورغم صغر المساحة قمت بمشروعى الذى تكلف أكثر من 50 ألف جنيه لأنه منزلى وفكرة spa قديمة ويهتم بها الشارع المصرى لكن تراجع عنها بعد سوء الحمامات التى كانت فى مصر ومعروفة بالحمامات الشعبية، والتكاليف جيدة وفى متناول جميع السيدات، ويطلق على الحمام بشكل عام فى مصر حاليا الحمام المغربى والفئة الأكثر إقبالا عليه هن العرائس وسيدات الأعمال، وتكاليف العروسة فى الحمام تتراوح من 2000 جنيه إلى 3000 فقط ويوجد معى 5 مساعدين سيدات وهو مشروع ناجح وأصبح له أهمية فى مصر، ويحضر إلى spa ما يقرب من 15 سيدة يوميا فأصبحت هناك ثقافة spa أو الحمامات، وقمت بإعداده بالشكل الفخم للإقبال عليه ووجود جميع المنتجات الحديثة، ومدينة 6 أكتوبر يوجد بها ما يقرب من 10 spa أو حمامات على المستوى الراقى الذى يقدم أعلى خدمة للعرائس والزوار من السيدات الكلاس.
الدكتور أحمد حجازى- أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس- يفسر عودة ظاهرة البلانة فى ثوب جديد إلى الشارع مرة أخرى بقوله: إن أصحاب تلك المهن عندما يترددن على البيوت كثيرا يصبحن جزءًا منه.
وأضاف حجازى: المصريون لديهم طباع اجتماعية معروفة بأنهم عندما يقتربون من شخص كبير يفتحون قلوبهم له وقد يتحول هؤلاء العاملون فى مهنة البلانة والدلالة إلى المشاركة فى بعض الأحيان فى حل بعض المشكلات لأنهن ينتقلن من بيت إلى بيت ومن أسرة إلي أسرة قد تكون متقاربة.
إذا اعتبرنا أن البلانة والكلام لـ د. حجازى تقضى أطول وقت فى كل بيت، حيث تبدأ بعرض ما لديها ثم الشاى أو القهوة ثم الثرثرة فمن الأفضل أن تكون العلاقة محدودة وأن تدخل صالون المنزل ولا تتعداه، أو تقتصر العلاقة بينها وبين الأسرة على حدود البيع والشراء.
أما خبيرة التجميل مريم عثمان فترى أن انتعاش مهنة البلانة مرة أخرى فى البيوت عموما فى مصر نتيجة الرغبة فى البحث عن الاسترخاء البدنى والنفسى لدى السيدات فهو جزء مهم من اهتمامات المرأة قد يكون ما يحدث فى بعض الحمامات الشعبية أدى إلى وجود رهبة من التردد عليها وأصبح هناك وعى كاف بين الطبقات المصرية العليا والمتوسطة والفقيرة بأهمية البلانة فهى دليفرى حتى البيت وبأسعار بسيطة جدا فى الأمان مما جعلها لا يمكن الاستغناء عنها، وقد طورت فى شكلها وخبراتها وجودتها.∎