الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بدر عبدالعاطى.. سفير بلسان زالف

بدر عبدالعاطى.. سفير بلسان زالف
بدر عبدالعاطى.. سفير بلسان زالف


أصبح بإمكان عبدالحميد شتا الشاب النابغ ذى الأصول القروية بعد حصوله على مجموع 95٪ فى الثانوية العامة أن يلتحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ليحقق حلمه الأكبر وهو العمل بوزارة الخارجية ليصبح ذات يوم سفيرا لبلاده التى عشق ترابها. معاناة والد عبدالحميد طوال أربع سنوات هى فترة دراسته فى الكلية لا يستطيع أكثر القصاصين دقة أن يسرد تفاصيلها كاملة أو ينقلها كما كانت، وكله من أجل عبدالحميد وحلم عبد الحميد، فعلها ابن ميت غمر ثانية وأنهى كليته بتقدير عام جيد جدا وبدأ يحضّر رسالة الماجستير عن إصلاح المحكمة الدستورية فى مصر.

وللماجستير مصاريف أخرى، ومراجع، وإيجار غرفة وملبس ومأكل، والوالد فعل ما باستطاعته ولم يعد قادرا على توفير ما يحتاجه الابن ليحقق طموحه، فقرر عبدالحميد أن يعمل باحث بالقطعة ليوفر ما يكفى يومه، كان ينام عددا قليلا من الساعات كى يخصص وقتا يتعلم خلاله 3 لغات حية.
عامان من التطوير الذاتى المكثف فى مجال تخصصه وخارجه حتى أصبح مؤهلا لتحقيق حلم العمر وهو الالتحاق بوزارة الخارجية.
تقدم عبدالحميد لوظيفة ملحق تجارى بالخارجية وتنافس على المقعد الوحيد مع 43 خريجا، كان هو أكثرهم نبوغا وامتيازا، وبالفعل، حقق شتا الترتيب الأول فى الاختبار المبدئى على جميع المتقدمين لكن لم يتم اختياره ملحقا تجاريا وتم استبعاده نهائيا.. والسبب: غير لائق اجتماعيا.
عبدالحميد شتا انتحر.. ألقى بنفسه فى النيل بعدما أغلقت الدنيا أبوابها فى وجهه، وكأنه يعلن بذلك تمرده على فقره ومستواه الاجتماعى غير اللائق من وجهة نظر دولة مبارك التى قررت أن تخصص وظائف معينة داخل مؤسسات بعينها لأبناء الطبقات الأكثر حظا وتحرمها على الفقراء كى لا يلوثوها بظروفهم الاجتماعية اللى مش قد كده.
شئنا أم أبينا، قبلنا أو رفضنا، عارضنا أو هددنا، حدث ما حدث، وانتحر عبدالحميد ليترك مقعد وظيفته التى كان هو الأحق بها إلى مجموعة من اللائقين اجتماعيا ـــ طبقا للتصنيف الذى أعده نظام مبارك ـــ ليستولوا عليها.
ولعل من بين هؤلاء الأشخاص اللائقين اجتماعيا كان السفير بدر عبدالعاطى المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية الحالى والذى خرج عن شعوره على الهواء الأسبوع الماضى، وعنف موظفى الخط الساخن التابع لـوزارة الخارجية، لإغاثة المصريين المتواجدين فى ليبيا، بسبب تأخرهم فى الرد على اتصال هاتفى من الإعلامى عمرو عبدالحميد، مقدم برنامج الحياة اليوم والذى نقل لسيادة السفير شكاوى المصريين العالقين فى الأراضى الليبية من عدم رد مسئولى الخط الساخن التابع لوزارة الخارجية عليهم، وفوجئ الجميع بسيادة السفير يتلفظ بلفظ خارج على الهواء ويسب الموظف بطريقة تؤكد أن استخدام السباب هو أحد أساليبه المعتادة التى يتعامل بها - سيادة السفير اللائق اجتماعيا - مع موظفيه داخل الوزارة.
خروج السفير عبدالعاطى عن حدود اللياقة على الهواء بما يتنافى مع جميع الأعراف والمواصفات التى من المفروض أن يتحلى بها مسئول كبير فى وزارة سيادية مثل وزارة الخارجية، يؤكد أن معايير اختيار المسئولين داخل الوزارة ليست على ما يرام، وأن شرط اللائق اجتماعيا والذى وضعته الوزارة منذ عشرات السنين كمعيار لاختيار الدبلوماسيين التابعين لها والذى حرم الدولة من كفاءات عدة مثل عبدالحميد شتا وغيره من الشباب المنتمى لأسر فقيرة، معيار خاطئ، فالكياسة وضبط النفس والالتزام بالمعايير الأخلاقية والقدرة على العمل تحت الضغط  ــ وكلها مواصفات ينبغى أن تتوافر فى أى دبلوماسى تابع للخارجية ــ ليست حكرا على أبناء الطبقات الأكثر حظا فى المجتمع، والدليل على ذلك ما فعله السفير بدر ــ اللائق اجتماعيا ــ على الهواء.
أما فيما يخص الكفاءة، فلا أحد يرى أن السفير بدر عبدالعاطى هو أكفأ الموجودين داخل الوزارة لتولى منصب حساس كهذا، ذلك إذا افترضنا أنه يمتلك أى قدر من الكفاءة بالأساس، فأداؤه منذ توليه المنصب لا ينم عن ذلك بتاتا، حيث فشل السفير بدر فى التعامل مع وسائل الإعلام المصرية والأجنبية وفشل فى نقل رؤى الوزارة المتعلقة بالأزمات المختلفة التى مرت بها البلاد منذ 30 يونيو وهو المكلف بإذاعة ما يراه مناسبا من أخبار ومعلومات واتجاهات وقرارات تتعلق بالخارجية وسياساتها ومواقفها المختلفة إزاء القضايا التى مرت بها مصر وشغلت الرأى العام ووسائل الإعلام.
ومهمة أى متحدث رسمى لأى مؤسسة فى العالم هو تحقيق أثر سياسى سواء فى أوساط الرأى العام، أو فى أوساط نخب سياسية أو على الأقل ــ إذا فشل فى إحداث أى أثر سياسى ــ نقل المعلومات التى تساعد الجمهور على فهم ما يحدث وما قامت به الخارجية إزاء ما حدث، لكنه فشل أيضا فى أن يحقق الحد الأدنى من المطلوب منه.
وبات هناك العديد من المفارقات المضحكة أحيانا، فالمتحدث الرسمى للوزارة لا يتحدث أساسا، وجميع ردوده حول القضايا والأحداث التى طفت على السطح تنحصر بين «إن شاء الله هنشوف».. و«إن شاء الله هندرس الموضوع».. وهى ردود يستطيع أى جالس على مقهى شعبى غير متابع للشأن العام أن يجيب بما هو أفضل منها، لا معلومة واحدة يمكن الاستناد عليها فيما يقول، لا رؤية واحدة واضحة لمن يريد التوضيح، هذا بالطبع إذا استجاب سيادته ورد على مكالمات الصحفيين والإعلاميين، فمن المعروف داخل الأوساط الصحفية والإعلامية أن بدر عبدالعاطى لا يرد إلا قليلا.
بات من الضرورى أن تبدأ وزارة الخارجية فى البحث عن بديل للسفير بدر وأن تفتح الباب على مصراعيه لأصحاب الكفاءات حتى لو كانوا غير لائقين اجتماعيا من وجهة نظرها، فالتجربة المباركية أثبتت أن بعض اللائقين اجتماعيا هم بالأساس غير لائقين مهنيا أو أخلاقيا أو دبلوماسيا.∎