الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

البهنسا.. مدينة الـ 70 صحابياً مهددة بالزوال!

البهنسا.. مدينة الـ 70 صحابياً مهددة بالزوال!
البهنسا.. مدينة الـ 70 صحابياً مهددة بالزوال!


فى محافظة المنيا، توجد مدينة البهنسا، وهى متداخلة مع مدينة بنى مزار، على بعد 180 كيلومترا من القاهرة، وللبهنسا قصة تختلط فيها الحضارات الفرعونية والمسيحية والإسلامية، بل الرومانية أيضا، ورغم عدم اهتمام الإعلام بها، فإن لها زوارا يأتون لها من جميع البلاد، حيث يجدون فيها المزار المقدس، وتتجلى فيها الوحدة الوطنية كأروع ما تكون، بسبب السبع بنات القبطيات!

مدينة البهنسا لمن لا يعرف عنها شيئا، مدفون بها 70 صحابيا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن شهدوا غزوة بدر، منهم محمد بن أبى ذر الغفارى، وعبدالرحمن بن أبى بكر، وعدد من أبناء عمومة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك الصحابية الجليلة خولة بنت الأزور، وبها أيضا خلوة أبى سمرة حفيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من يعتقد عنه أهالى المنطقة أن من بات ليلة عند خلوته يشفى من الأمراض.
وفى البهنسا أيضا توجد أضرحة السبع بنات، ويعتقد الناس أن الدحرجة عندها تجلب الرزق، وهذه المنطقة المباركة بكل المقاييس عرف قيمتها الفراعنة من قبل، وأسسوا عندها أعظم وأكبر حضارات العالم، ومن بعدهم اليونانيون والرومانيون.
وشهدت البهنسا قدوم العائلة المقدسة، وتشرفت بالسيد المسيح عليه السلام، والسيدة مريم ومعهما يوسف النجار، كما عاش بها سيدنا يوسف عليه السلام وإخوته، ولأنها أرض مباركة كما جاء فى القرآن الكريم، زادت قدسيتها بعد فتح مصر عندما استشهد على أرضها 5 آلاف من كرام الصحابة والتابعين من بينهم 70 صحابيا حاربوا مع النبى محمد - صلى الله عليه وسلم - فى موقعة بدر الكبرى، ولذلك أطلق عليها البعض «بقيع مصر»، نسبة إلى أرض البقيع بالمدينة، وتشبها بكثرة الصحابة المدفونين بها.
والمعروف أن «البهنسا» قبل أن يفتحها عمرو بن العاص كانت حامية عسكرية رومانية، وعندما انتهى ابن العاص من فتح القاهرة والوجه البحرى، أرسل جيشا من المسلمين لفتح البهنسا بقيادة قيس بن الحارس فى عام 22 هجرية، وضم هذا الجيش مجموعة  من الصحابة ممن حاربوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى غزوات عديدة مثل عبدالله بن عمرو بن العاص وأخيه محمد وسليمان بن خالد بن الوليد، والمقداد بن الأسود، والزبير بن العوام الأسدى وابنه عبدالله، وأبان بن عثمان بن عفان، ويحيى بن الحسن البصرى، وأبوذر الغفارى وابنه محمد، وقد عسكر هذا الجيش فى قرية قبل البهنسا سميت بعد ذلك بقرية القيس نسبة إلى قائد الجيش، ثم تبع قيس بن الحارث سيدنا عبدالله بن الزبير بن العوام، وعبدالله بن الجموع، وزياد بن أبى سفيان رضى الله عنهم، وكانت معركة الفتح شديدة القسوة على جيوش المسلمين وسقط منهم شهداء كثيرون، واستمرت جهود الفتح ما بين 4- 6 شهور متواصلة، وكان الرومان فى ذلك الوقت يتحصنون خلف أبراج المدينة العالية، وحصونها القوية وأبوابها الأربعة، لكن المسلمين استطاعوا فى النهاية فتح المدينة ونشروا الإسلام بها.
يقول صلاح سند صاحب كتاب «فتوح البهنسا» وأحد أبناء المدينة: كل مكان فى البهنسا له ذكرى عظيمة، وكل شبر من أرضها ارتوى بدماء شهداء المسلمين من الصحابة وتابعيهم مثل محمد بن أبى ذر الغفارى، وعبدالرحمن بن أبى بكر، والفضل بن العباس ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبناء عقيل وجعفر بن أبى طالب، وعبدالله بن عمر بن الخطاب، وكذلك حفيد سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنهما والصحابية الجليلة خولة بنت الأزور، التى نزلت فيها سورة المجادلة بالقرآن الكريم، وكانت لها صولات وجولات، ومدفون بها أيضا سبعون صحابيا ممن شهدوا غزوة بدر.
ويضيف سند: كان أهالى البهنسا قديما يطلقون عليهم البدريون، ويأتى إلى هذه المنطقة العلماء والأمراء فى قديم الزمان، والبعض منهم كان يتبرك بترابها، حتى إن البعض ممن يعلمون قدرها كانوا «يتمرغون» فى ترابها! لأنهم يعلمون قدرها، ويعلمون أنه طاهر، فقد تساقطت عليه دماء الشهداء الزكية من أتباع رسول - صلى الله عليه وسلم - وقيل إن هذه المنطقة تتنزل عليها الرحمات كل ليلة، ويطلق عليها بقيع مصر، لما تحتويه من قبور الشهداء العظام، وهى المكان الوحيد بعد البقيع الذى يحتوى على هذا الكم من الصحابة وأحفادهم فى مكان واحد.
ويشير صلاح سند إلى أن المكان به شجرة مريم والبئر التى شربت منها العذراء مريم والسيد المسيح عليه السلام، وهى نفس البئر التى شرب منها صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما دخلوا المنطقة.
ويضيف: استظلت العائلة المقدسة بالشجرة، وارتوت من بئرها أثناء رحلتها إلى مصر، وحافظ الجيش الإسلامى عليها بعد أن دخل مصر، وكانوا يشربون من البئر ويقولون إن هذه البئر مباركة، فقد شرب منها نبى الله عيسى عليه السلام.
وفى قلب القرية يوجد مسجد الحسن الصالح بن على بن زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه، حفيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من أقدم المساجد فى مصر.
ويضيف: أما مقام التكرورى فيأتى فى المقام الأول لدى الأهالى الذين يتجمعون فى احتفالات المولد، ويعتقدون اعتقادا كبيرا فى الشيخ «التكرورى» ويعتقدون أنه يظهر على المقام كطيف تستطيع أن تلمحه ببصرك وهو راكب جواده فى شكل محارب.
وأهالى المنطقة لابد أن يزوروا مقام سيدى التكرورى قبل الذهاب إلى الحج أو العمرة تبركا بالمقام.
ويؤكد أهالى المنطقة أن الناس تأتى صبيحة كل جمعة إلى مكان السبع بنات، ويطلب البعض البركة والبعض الآخر من النساء خصوصا اللاتي لا ينجبن، يأتين للتبرك بالمنطقة التى تقع بها 7 مقابر متناثرات، يقال إنها لسبع بنات قبطيات كن يمددن الجيش الإسلامى بالطعام، فقتلهن الروم واحدة وراء الأخرى، وتناثرت دماؤهن فى المنطقة، الأمر الذى جعل لهن شأنا كبيرا عند أهالى المنطقة.
ويؤكد أيضا أن هذه المنطقة رغم عظمتها وما فيها من عبق التاريخ القديم والتاريخ الإسلامى وقدسية المكان إلا أن يد الإهمال طالت كل شىء فى المكان ولم تهتم بها الدولة ولم تحافظ عليها، حتى إن القباب الإسلامية تهد وأهالى القرية والقرى المجاورة لها استغلوا المكان فى بناء المقابر، بالإضافة إلى لصوص الآثار الذين يأتون من كل مكان بحثا عن الكنوز الأثرية والقيام بعمليات حفر فى المنطقة مستخدمين الدجالين والمشعوذين فى البحث عن الآثار المدفونة فى باطن الأرض وقد قدمنا شكاوى عديدة للمسئولين نطالبهم بالاهتمام بهذه المنطقة التى تتوحد فيها الأديان من خلال الآثار، فقد تأكد لأساتذة التاريخ أن هذه المنطقة استظل تحت شجرتها السيد المسيح ودفن فيها عدد من صحابة رسول الله وكانت إحدى إقطاعيات سيدنا يوسف عليه السلام، بالإضافة إلى أنها منطقة بها آثار فرعونية ويونانية ورومانية ولابد من إعادة النظر فيها ووضعها على خريطة السياحة.
وقد أكد سلامة زهران مدير منطقة الآثار الإسلامية والقبطية بالبهنسا أن هذه المنطقة فريدة من نوعها فهى تعد متحفا تاريخيا مفتوحا لما تضمه من عصور مصرية قديمة فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية والعصر الإسلامى، حيث توجد بها آثار تدل على هذه الفترات المتعاقبة على مصر، خاصة أنها كانت عاصمة الإقليم الـ19 ولها شكل إدارى وتجارى كبير، فهى تقع على رأس الطريق الذى يربط بين وادى النيل والواحات من خلال طريق درب البهنساوى، خاصة أن الواحات تبعد عنها بمسافة 160 كيلو مترا وكانت خاضعة إداريا للبهنسا فى العصر الرومانى وهى من أكبر المدن المصرية فى ذلك الوقت بعد مدينة الإسكندرية وهى عاصمة مصر فى ذلك الوقت وقد أنشأ بها الرومان الكثير من المظاهر الحضارية مثل المسرح الرومانى والذى يتسع لأكثر من 8 آلاف مشاهد ويوجد بها ميناء يقع على بحر يوسف كانت تصدر منه الغلال إلى روما.
وفى العصر الإسلامى وجدت بها آثار إسلامية كثيرة مثل مسجد عبدالحى بن زين العابدين المعلق وزاويتى أبى السعود وعلى الجمام ومدرسة القاضى عبدالرحمن بن الشريف وقبة حسن الأنور وقبة على أبوالعودين.
ويضيف: يد الإهمال طالت المنطقة بعدما تحولت هذه المناطق إلى مدفن لأهالى البهنسا والقرى المجاورة لها ووصل الأمر إلى هدم الأماكن الأثرية واستخدامها كمدافن لأهالى القرية والقرى المجاورة لها.
ويضيف: أيضا هذه المنطقة تحتاج إلى تكاتف الجميع حتى تعود كمنطقة أثرية تجذب السائحين من كل الطوائف ويجب على أهالى المنطقة أولا أن يتعاونوا من أجل إحياء هذه المنطقة مرة أخرى.
ويقول محمد عبدالوهاب من أهالى المنطقة: إن المنطقة تعد متحفا أثريا مفتوحا تستطيع الدولة أن تستغله أحسن استغلال لو قامت بالاهتمام به وتستطيع أن تسوق هذه المنطقة عالميا لكل الديانات وتستطيع أن تعيد للبهنسا وضعها الحقيقى الذى كانت عليه فى الماضى فهى عاصمة مصر القديمة وأهم مدنها على الإطلاق فهى تضم آثارا من كل الديانات واهتم بها الروم لدرجة أنهم أقاموا بها مسرحا يعد من أهم المسارح عبر التاريخ وبها آثار معابد شاهدة على تاريخ هذه المنطقة.
ويضيف: جميع المسئولين فى مصر يعرفون المنطقة جيدا لكن لا يهتمون أبدا بها وأنا أناشد الأزهر الشريف أن يهتم بمقابر الصحابة فى هذه المنطقة وأن يعيد ترميم المساجد الأثرية بها حتى نستطيع أن نتركها للأجيال القادمة قبل أن تختفى للأبد.∎