قطر تذبح «الخرفان» قرباناً لمصر!
احمد باشا
مياه كثيرة جرت تحت الجسور فى العلاقات المصرية القطرية منذ أن أعلن خادم الحرمين الشريفين مبادرته للصلح بين البلدين.. مفاجآت الساعات الأخيرة كان أن سبقتها ترتيبات وتحضيرات وتحركات ومباحثات واختلافات وتضحيات بين كل الأطراف المتشابكة فى المشهد وساهمت فى تعقيده من قبل حتى 25 يناير 2011 لتعيد تشكيل المشهد العربى بحملته وليس فقط العلاقة بين القاهرة والدوحة!
بخلاف الضغوط السعودية- الإماراتية- البحرينية على قطر والوساطة الكويتية كانت هناك عناصر فاعلة فى تفعيل المصالحة منها فشل إشاعة الفوضى فى البلاد يوم 28 نوفمبر الماضى، حيث ماطلت الدوحة حتى تنتظر ماذا سيسفر ذلك اليوم، فضلا عن التحركات الخارجية المصرية التى استطاعت أن تفرض إرادتها على القوى العظمى وفى مقدمتها الولايات المتحدة باعتبارها المحرك الرئيسى لقطر، وكذا التحركات نحو الشرق من حيث روسيا والصين ومن ثم محاصرة تركيا داخل حدودها وفرض شبه عزلة عليها!
فى الكرة كما فى السياسة، لا تستطيع إحراز أهداف إلا إذا كانت الكرة دائما فى ملعب الخصم، وهو ما فطن إليه السيسى مبكرا عندما رحب بمبادرة الملك عبدالله حتى يفوت الفرصة على قطر ومن وراءها ليجبرها على تقديم تنازلات مؤلمة تغير بها موقفها الاستراتيجى من الإدارة المصرية!
القرار المرجأ بغلق قناة الجزيرة مباشر مصر والتى تبث من الدوحة وتغيير لغة الخطاب الإعلامى لقنواتها أصاب الإخوان بحالة من الارتباك والإحباط بشكل لافت ظهر فى معالجتهم الإعلامية على الخبر وكذا تعليقاتهم، حتى إن ابن الجاسوس محمد مرسى قال: أمير قطر باع دم شهداء رابعة والإسلام لملك السعودية!!
فى تحول دراماتيكى شعر الإخوان بأن ظهرهم أصبح مكشوفا وأن المأوى الأخير لهم فى دول الخليج يتهاوى على رءوسهم وأن الغطاء الإعلامى لهم فقد تأثيره!
حتى هذه الخطوة على ضجيج ما أثارته لم تشبع أو ترض الشعب والحكومة المصرية التى اعتبرتها مجرد إبداء نوايا لا أكثر وأن مشوار المصالحة يطول، خاصة أن المزاج الشعبى لم ينس كيف ساعدت قطر وحاولت إسقاط الدولة المصرية وحرضت على القتل والعنف وفتحت أراضيها ومنابرها لقتلة المصريين!
حتى إن السفير المصرى فى بكين لم يدع السفير القطرى هناك ضمن باقة السفراء العرب فى العاصمة الصينية للقاء مع الرئيس السيسى هناك، وهو ما أثار غضبة مكتومة لدى القطريين من هذا التصرف، ولكنها كانت رسالة مصرية قوية بأن الطريق لايزال طويلا، وأن مصر تعلمت الدرس حيث جرت مصالحة قبل ذلك بين البلدين فى 2010 فى وجود مبارك والأب حمد بن خليفة ما لبث أن نقضها القطريون فى أحداث يناير وتحولت ضد الدولة المصرية وليس النظام الحاكم فقط!
توجه قطر بالمصالحة مع مصر جاء بعد أن أعطت أمريكا لها الضوء الأخضر، حيث رغبت فى إحداث تغيير من المواجهة إلى المواءمة بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان الإرهابية لتنتقل قطر من كونها طرفاً فى الصراع يقف فى المواجهة إلى خانة الوسيط بين مصر وتركيا ومصر والجماعة على أمل إعادة دمج الإخوان مجددا فى الحياة السياسية داخل البلاد!
فسبق زيارة المبعوث الشخصى للأمير تميم إلى القاهرة ولقاء السيسى أن أبلغت قطر أعضاء جماعة الإخوان الهاربين لديها بأن يتوقفوا عن أى نشاط سياسى داخل البلاد هناك، وأنها أمهلتهم مدة 3 أشهر لتوفيق أوضاعهم وقدمت لهم عرضا بالاعتراف بشرعية الرئيس السيسى وثورة 30 يونيو فى إطار إجراء مصالحة، واعتبرتها الفرصة الأخيرة لتنجو الجماعة من محنتها الأصعب، وأما إذا تعنتوا ورفضوا العرض والفرصة الذهبية، فإن قطر ستتعامل وفقا لمصالحها العليا وترفع يدها تماما عن الجماعة وتمويلها.
فى إطار الترتيب ذاته نقلت مصر إلى قطر قائمة بعدد من قيادات الإخوان والجماعة الإسلامية الموجودين فى الدوحة قاموا بعمليات غسيل أموال عبر البنوك القطرية من خلال النظام الحاكم هناك بما يضر الاقتصاد القطرى ويوقع الإمارة فى مشاكل كبرى، خصوصا أن هذه العمليات المشبوهة موجهة بالأساس للقيام بعمليات إرهابية فى عدد من عواصم العالم، مما دفع السلطات القطرية إلى فتح تحقيق فيها، وقررت منع عاصم عبدالماجد وطارق الزمر من مغادرة الدوحة والتحفظ علهيما فى مقر إقامتهما ومنعهما من المغادرة وأيضا قطع الاتصالات عنهما بعد السماح لهما بإجراء مكالمات أخيرة مع ذويهما فى مصر، حيث ستقوم قطر بتسليم جميع أعضاء الجماعة الإسلامية وإن كانت المفاوضات والتنسيقات شملت بعض قيادات الإخوان هناك المطلوبين على ذمة قضايا فى مصر.
أما بالنسبة للقرضاوى فعلى عكس التسريبات الإخبارية المنشورة بأن مصر سوف تتسلمه.. حيث إن الدوحة طلبت وساطة خليجية من أجل الضغط على مصر للموافقة على رفع اسمه من النشرة الحمراء للإنتربول بصفته مطلوبا على ذمة قضايا تحريض على القتل والإرهاب وهو ما وافقت مصر التفاوض حوله، خصوصا أنه شيخ ثمانينى يحمل الجنسية القطرية منذ الستينيات مع تعهد قطر بإخراسه تماما!
فى السياق ذاته بدأت السلطات القطرية تقييد حركة عناصر المكتب السياسى لحماس وقامت برفع الحراسة الخاصة لرئيس المكتب «خالد مشعل» والمكونة من طاقم صربى- فلسطينى وهو ما دفع «خالد مشعل» ليقوم بدراسة انتقاله إلى طهران بعد ترحيب القيادة الإيرانية بتلك الخطوة!
فى 5 يناير القادم يستهل الرئيس السيسى العام الجديد بزيارته الأولى لدولة الكويت، ويلوح فى الأفق أنه سيطير منها إلى المملكة العربية السعودية للقاء خادم الحرمين الشريفين فى وجود الأمير تميم إذا ما كانت المؤشرات الصادرة من الدوحة إيجابية حتى هذه الفترة، وأن تثبت قطر حسن نيتها وتوافق على المطالب المصرية منها وقف الدعم المادى واللوجيستى المباشر وغير المباشر ضد المصالح المصرية والإنفاق على منصات إعلامية بديلة للجزيرة تبث سمومها من تركيا ولندن، خصوصا بعد الزيارة الأخيرة التى أجراها تميم إلى تركيا قبل اتخاذ خطواته الأخيرة مع مصر وتوقيعه اتفاقية شراكة مع الإخوانى أردوغان، فكان الرد المصرى المزلزل بتوقيع شراكة استراتيجية شاملة مع الصين فى توقيت متزامن تقريبا!
∎∎
على الجانب الآخر من النهر يرصد العالم تلك التحولات والإشارات الصادرة من هنا وهناك ومحورها الدولة المصرية، خصوصا تلك التصريحات الصادرة عن نائب رئيس الوزراء التركى واعترافه- غير المؤثر بالنسبة للدولة المصرية- بشرعية السيسى وأن تحسين العلاقات مع مصر خطوة هامة لتجاوز الأمر، خصوصا أن هذا الاتجاه يدعمه بقوة رئيس الوزراء التركى أحمد داود أوغلو حيث ثمة مؤشرات ملموسة بأنه غير سعيد بعزلة تركيا الإقليمية بسبب سياسات أردوغان المعادية لمصر وأنه لا سبيل سوى تحسين العلاقات بين البلدين باعتبارها السبيل الوحيد لانفتاح تركيا على محيطها الإسلامى والشرق أوسطى وكذلك مع روسيا والصين بعد توترها مع الاتحاد الأوروبى على خلفية حملة الاعتقالات التى شنتها السلطات التركية ضد رموز سياسية وقضائية وإعلامية!
قطر مرشحة بقوة لأن تلعب دور الوسيط لإعادة بعض من المياه لمجاريها بين القاهرة وأنقرة وإن كانت الدولة المصرية ستتشدد فى مفاوضاتها، خصوصا بعد تطاول أردوغان وتحريضه الأعمى ضد مصر، وكذلك تورط أجهزته الاستخباراتية بأعمال ضد المصالح العليا للدولة المصرية!
∎∎
ثمة مرحلة حصاد تلوح فى الأفق المصرى لتحركات دبلوماسية واستخباراتية قادتها مصر باقتدار منذ ثورة 30 يونيو واشتد عودها بتولى رئيسها المنتخب عبدالفتاح السيسى حكم البلاد لتستعيد دورها وبريقها وتمسك بيدها مفاتيح بوابات الشرق وإفريقيا، وتصبح رمانة الميزان فى لعبة توازنات القوى على المسرح العالمى!∎