وقائع اتهام مسرحية (دنيا حبيبتى) بازدراء الأديان

هاجر عثمان
خفافيش الظلام مازالوا يعبثون بتراث الوطن وثوابته ويكفرون الفن، ولم يمض عام على ثورة شعبية نزل فيها الملايين من المصريين ليقفوا بكل قوة للظلاميين المتطرفين من جماعة الإخوان المسلمين الذين سرقوا الوطن فى عام، حاولوا فيه تشويه الهوية الحضارية واستغلالهم للدين وخلط السياسة بالدين من أجل مصالح شخصية ونصبوا أنفسهم حراس الفضيلة والأخلاق والدين.
أحدث تخاريف توابعهم هى مسرحية (دنيا حبيبتى) إخراج جلال الشرقاوى التى تنتقد حكم الجماعة وتكشف فسادهم وأكاذيبهم.
الأيام الماضية شهدت أزمة كبيرة أطرافها تلخص هذه المأساة وهى جهاز الرقابة على المصنفات الفنية وحزب النور السلفى الذى وضع العرض فى محاكمة فنية رقابية ودينية تكفره تارة وتتهمه بازدراء الأديان تارة أخرى والخروج عن الآداب العامة والتهديد بوقف العرض تارة ثالثة.
روزاليوسف استمعت إلى أطراف الأزمة. وانحيازها لحرية الإبداع والتنوير والفن والتى توجزها مقولة الكاتب الروسى (أنطون تشيخوف) (أعطنى خبزا ومسرحا أعطيك شعبا مثقفا).
أيمن الحكيم- مؤلف العمل المسرحى المتهم بازدراء الأديان قال : النص المسرحى حصل على تصريح الرقابة قبل أن نبدأ العرض فى يوليو الماضى بدون أى ملاحظة على النص، بدأت المسرحية وهى أول نص يرصد تاريخ الإخوان المسلمين خلال عام من الحكم، فهى تبدأ بأول مشهد لتولى الرئيس المعزول مرسى لحكم مصر وتنتهى بآخر مشهد بثورة 03 يونيو، لترصد المسرحية تلك السنة الكبيسة التى تم اختطاف البلد فيها من حكم الإخوان.
الحكيم أضاف أن بطلة العرض المسرحى (دنيا) والتى تلعب شخصيتها الممثلة نسمة محجوب هى رمز لمصر الجميلة البهية، من خلال عمل درامى يعكس اختطاف البلاد والإرهاب الذى تعرضت له على يد هؤلاء الظلاميين، ثم بعد شهرين من العرض فوجئنا الأيام الماضية بتقرير من الرقابة لو أن مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين قرر أن يكتبه فلن يخرج أفضل من ذلك !!
ولأول مرة فى تاريخ المسرح المصرى توجه الرقابة انتقادها لعرض- حسب ما قاله لنا الحكيم- وأنها تستخدم ألفاظًا وتتهمه بالمساس بالعقيدة مثل (الموز علينا الحق)، و(أم مصعب رضى الله عنها)، و(عايزة قالع ملط بما لا يخالف شرع الله) وغيرها، فمن المعهود دائما أن التقارير الرقابية لا تخرج عن لفت النظر بخصوص الألفاظ الخارجة أو الملابس الصارخة، ولكن أسرة العمل فوجئت بالتهمة.
فالرقابة بهذه التهمة الخطيرة- والكلام مازال لمؤلف المسرحية- بمثابة إهدار لدم صناع العمل الفنى.
النص المسرحى حسب ما قاله أيمن لم يحتو على خيال أكثر من تسجيله بدقة لمواقف السلفيين والإخوان المسلمين خلال حكمهم وانتقاد سياساتهم، مثل تناول زواج القاصرات الذى أباحه ياسر برهامى الداعية السلفى وقيادات حزب النور بكل وضوح فى فتواه الشهيرة، المسرحية أيضا انتقدت موقف الإخوان من الفنون وتحريمهم للباليه، بالإضافة إلى رغبتهم فى تغطية التماثيل بالشمع لاعتبارها من الأصنام وغيرها من المواقف التى توضح خلط الدين بالسياسة ومتاجرة الإخوان والسلفيين بالدين لخدمة مصالحهم الشخصية.
الكارثة الأكبر كما يقول الحكيم اتهام الرقابة للمسرحية بازدراء الدين المسيحى أيضا، موضحا فى إحدى شخصيات العمل وهى دور (تريز) فتاة مسيحية تم خلقها فى الرواية للتأكيد على دور الأقباط فى ثورة 03 يونيو وأنها لم تكن ثورة طائفية بل شعبية، وكانت ترتدى الشخصية صليبا وجاء الحوار المسرحى يوضح أن المسيحيين تعرضوا لطلب الجزية وأخذهم سبايا وهذا أيضا ينطبق على الفتاوى التى خرجت فى عهد الإخوان على يد شيوخهم.
مؤلف المسرحية لم يخف استنكاره لاقتحام حزب النور الأزمة وإبداء رأيه فى المسرحية بل وتكفير صناعها وكأن الثورة لم تكن.
أما الدكتور عبدالستار فتحى- رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية- فيرى أن جلال الشرقاوى صنع مشكلة من لا مشكلة، وأن المسرحية عادية جدا، وكان بها بعض الملاحظات فى النص إلا أننى تجاوزت عنها من أجل قيمة وقامة الفنان الكبير جلال الشرقاوى، معتقدا أنه سوف يعدلها أثناء الإخراج المسرحى باعتباره رب العمل.
أضاف فتحى أنه بعد بدء العرض المسرحى كان من الطبيعى أن يذهب مفتشون من الرقابة لمتابعة العرض وأى مخالفات للنص، وهذا إجراء دورى يحدث مع كل المسرحيات وليس به تربص على الإطلاق بمسرحية (دنيا حبيبتى)..
أشار فتحى إلى أن المفتشين عادوا من العرض وطالبوا بتحرير محضر ضد المسئولين عن المسرحية لما صدر منهم من مخالفات كبيرة فى الألفاظ الخارجة وبعض الكلمات التى تسىء للدين، ولكننى رفضت تحرير محضر لفنان كبير مثل جلال الشرقاوى، واكتفيت بإرسال إنذار محتواه (من فضلك يا أستاذ جلال الالتزام بالنص)، أى يتم تسيير الأمور بشكل هادئ إلا أننى فوجئت بهجوم جلال الشرقاوى.
وأشار إلى أن كل الملاحظات التى تم إرفاقها بالإنذار كانت تطالب الالتزام بالنص والابتعاد عن الأفيهات الخارجة والتى تسىء للدين أيضا مثل (يوم الدين ولا يوم الأربعاء)، (أم مصعب رضى الله عنها)، (دار الحق ولا دار الكتب)، (الملايكة والنساء لا يجتمعان)، (فى مذهب أهل السنة والجماع)، (النار متحرقش مؤمن ولكن لو طالته هتاكل أمه)، (أحضنوا النسوان ليهربوا من إيديكم)، (فضلا عن الإيحاءات الجنسية مثل (انت شفت ده من جوه.. ويشير الممثل على عضوه الذكرى)، بالإضافة إلى (ديسكو حمراء)، بينما يقولها الممثل بطريقة خطأ بالمعنى الآخر السيئ.
وعلى الخط دخل حزب النور بمقال نشره الشيخ محمد سعد الأزهرى بعنوان (مسرحية جديدة واستهزاء بالدين جديد)! على الصفحة الرسمية للحزب السلفى الذى يعد أحد قياداته وكان ممثله فى إعداد دستور الإخوان، ولكنه ظل ممتنعا عن الرد على تليفونه لتوضيح موقفه وتم الاستعانة بعضو الهيئة العليا للحزب صلاح عبد المعبود، والذى قال: إنه لم ير المسرحية ولكن مقال الشيخ محمد سعد الأزهرى كان نقدا موضوعيا للمسرحية، وبالفعل العمل يضم بعض الكلمات التى تعتبر تعديًا على الدين الإسلامى، فلا يصح لكى ننتقد حكم الإخوان المسلمين أن نسىء للإسلام، مشيرا إلى أن ردود فعل المخرج جلال الشرقاوى على الحزب كانت غير موضوعية ولا تمثل الحجة القوية، بل هاجم الحزب واتهمه بأنه غير شرعى.
تساءل عبد المعبود قائلا: هل جلال الشرقاوى نصب نفسه قاضيا فى محكمته لينفى عن حزب النور شرعيته، فالحزب مدعوم من الدولة والتقى برئيس الجمهورية، بل وشارك فى إعداد الدستور 4102 عبر ممثلين له، فضلا عن أن الحزب لن يحل كما يطالب جلال الشرقاوى لأنه ليس حزبا دينيا بل حزب سياسى دستورى ويشارك بفاعلية فى المشهد السياسى الحالى.
بينما هاجم الدكتور أحمد سخسوخ- الناقد المسرحى وعميد المعهد العالى للفنون المسرحية سابقا- هجوم حزب النور على المسرحية بأنه حزب ليس له شرعية فى الوجود السياسى وفقا للدستور لأنه حزب دينى، متعجبا من ترك الدولة الحزب دون مساءلة، مشيرا إلى أن حزب النور هو تكرار لجماعة الإخوان المسلمين، وأنهم عندما اختلفوا معهم قاموا بالحج إلى أمريكا لتقديم أنفسهم بديلا عنهم فى المشهد السياسى.
وأضاف: والمصيبة الكبرى أن هذا الحزب الذى ليس له قدرة على تقييم العمل الفنى يوجه هذه الاتهامات لمسرحية «دنيا حبيبتى»..
وعن العمل المسرحى «دنيا حبيبتى» يقول إنه منذ ثورة يناير و03 يونيو لم يقدم عمل مسرحى تنويرى يجسد هذه الأحداث التى مرت بمصر خلال هذه الفترة الحرجة، وكان مسئولاً عن ذلك الرقابة والأيادى المرتعشة، معربا عن أن جلال الشرقاوى قدم عملا فنيا مبدعا تعجز الدولة وهيئة المسرح بكل إمكانياتها ومواردها المالية أن تقدم عملا كالذى قدمه الشرقاوى.؟