الإثنين 22 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
 ساعة الصفر بين السلام البارد.. والمواجهة المفتوحة

تقدير موقف..

ساعة الصفر بين السلام البارد.. والمواجهة المفتوحة

منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، شكّلت معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية إطارًا مرجعيًا لضبط الصراع وضمان حد أدنى من الاستقرار فى المنطقة، غير أنّ التطورات الأخيرة، وما تشهده المنطقة من تصعيد غير مسبوق، دفعت كثيرين إلى التساؤل: هل يمكن أن يتم تعليق الاتفاقية؟ ماذا يعنى وصول التنسيق الأمنى بين القاهرة وتل أبيب إلى أدنى مستوياته؟ والأهم، وسط  كم التحديات التي تحيط بدوائر الأمن القومى المصري، ما هى ساعة الصفر، أو نقطة التحول الفاصلة، التي تقرر على أساسها الدولة المصرية الدخول فى مواجهة عسكرية شاملة؟  



هذه التساؤلات تستدعى تقدير موقف الوضع الإقليمى استراتجيا، من واقع ثلاثة محاور أساسية، الأول، يتعلق بمصير اتفاقية السلام، والثانى يناقش الوضع مع وصول التنسيق الأمنى بين القاهرة وتل أبيب لأدنى مستوياته، والثالث، يناقش حدود التعاطى المصري مع التحديات والتهديدات القائمة. 

 أولًا: مصير اتفاقية السلام

اتفاقية السلام ليست مجرد وثيقة سياسية، بل ترتبت عليها التزامات أمنية ودبلوماسية واقتصادية، كما ربطت العلاقات المصرية-الأمريكية بمساعدات عسكرية واقتصادية سنوية. لذلك فإنّ تعليقها لا يكون قرارًا سهلاً أو عاطفيًا، بل مرهونًا بحسابات دقيقة لمعادلات الربح والخسارة.

فى حال لجأت مصر إلى تعليق الاتفاقية، فإنّ ذلك سيُعتبر إعلانًا بأن إسرائيل أخلّت ببنودها بشكل جوهرى، سواء عبر تهديد الأمن القومى المصري أو عبر تجاوز التوازنات الاستراتيجية التي قامت عليها المعاهدة. 

التعليق هنا لا يعنى بالضرورة الدخول الفورى فى الحرب، لكنه يمهّد لإعادة تعريف العلاقة من حالة «سلام بارد» إلى «حالة مواجهة مفتوحة»، حيث تمت إزالة القيود المفروضة على انتشار القوات المسلحة المصرية فى سيناء لتفرض سيادتها العسكريه وحرية الحركة الاستراتيجية التي كبّلتها الاتفاقية لعقود.

 ثانيًا: التنسيق الأمنى فى أدنى مستوياته

التنسيق الأمنى كان دومًا بمثابة «صمام الأمان» بين مصر وإسرائيل، خصوصًا فى ملف سيناء وغزة، إذ يسمح بتبادل معلومات وتنسيق عمليات لمواجهة الإرهاب أو ضبط الحدود، حين يُعلن أنّ هذا التنسيق وصل إلى أدنى مستوياته، فالمعنى المباشر أنّ الثقة السياسية تآكلت، وأن كل طرف بدأ يتعامل مع الآخر باعتباره «خصمًا محتملاً» لا «شريكًا اضطراريًا».

على الأرض، هذا التراجع قد يترجم إلى:

• تقليص تبادل المعلومات الاستخباراتية.

• تقليل التنسيق بشأن تحركات القوات فى سيناء.

• رفع درجة الاستعداد الميدانى على الحدود الشرقية.

• إغلاق قنوات الاتصال المباشر التي اعتادت احتواء الأزمات قبل انفجارها.

وهذا فى المحصلة يعنى أنّ حالة «اللا حرب واللا سلم» بدأت تتحول تدريجيًا إلى وضع يُشبه «ما قبل الاشتباك»، حيث يضع كل طرف إصابعه على (زناد) السلاح.

 ثالثًا: ساعة الصفر

  إن قرار الحرب فى مصر قرار منفرد يتخذه القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس الجمهورية بعد أن يقوم المجلس الاعلى للقوات المسلحة بتقدير الموقف العسكرى كاملاً بالتنسيق مع مجلس الدفاع الوطني والأجهزة السيادية.

«ساعة الصفر» لا تُعلن مسبقًا، لكنها تُحدد وفق ثلاثة محددات رئيسية:

١-التهديد المباشر للأمن القومى المصري كأن تتعرض الأراضى المصرية لتهديد أو يتم استهداف قوات مصرية أو مدنيين داخل الحدود.

٢- الاختراق الصريح لاتفاقية كامب ديفيد مثل قيام إسرائيل بعمل عسكرى يتجاوز حدود غزة ليطال سيناء، أو محاولتها فرض واقع استراتيجى جديد يضر بمصالح مصر العليا.

٣- المعادلة الإقليمية والدولية فمصر توازن دومًا بين حسابات الداخل والخارج، وتُدرك أنّ الدخول فى حرب كبرى يحتاج إلى شبكة تحالفات سياسية وعسكرية واقتصادية تؤمّن استمرار المعركة حتى النهاية.

إن «ساعة الصفر» المصرية ليست مجرد لحظة عاطفية للرد، بل هى النقطة التي تتقاطع عندها الإرادة السياسية مع الجاهزية العسكرية والغطاء القانونى والدولى. وقد أثبتت تجارب سابقة، من 1967 إلى 1973، أنّ مصر لا تسعى للحرب ولكنها «تستعد للحرب لمنع الحرب» وتتحرك عسكرياً بعد أن تُدرك أنّ تكلفة الصمت أكبر من تكلفه القتال.

اخيراً :

إن مستقبل اتفاقية السلام «اتفاقية كامب ديفيد» مرهون بسلوكيات الكيان المحتل أكثر مما هو مرهون بإرادة مصر. وإذا استمر التنسيق الأمنى فى التدهور، فإنّ احتمالية الانتقال إلى مرحلة المواجهة العسكرية، ومع ذلك، يبقى قرار الحرب فى مصر محكومًا بميزان شديد الدقة بين الضرورات الوطنية والظروف الإقليمية والدولية، بحيث تكون «ساعة الصفر» لحظة محسوبة حاسمة فاصله فى تاريخ مصر.