
أسامة سلامة
هل تفوقت أوروبا علينا فى مقاطعة إسرائيل؟
منذ أيام أغلق محل كارفور أبوابه وغادر السوق الإيطالية بعد أن تكبد خسائر كبيرة بسبب مقاطعة الإيطاليين له عقابًا له على دعمه لإسرائيل وتعامله مع المنتجات الإسرائيلية.. حملة المقاطعة بدأت بعد العدوان الإسرائيلى على غزة عقب أحداث 7 أكتوبر 2023، وتزايدت يومًا بعد يوم حتى اضطر المتجر الشهير إلى غلق 1158 منفذًا فى أنحاء المدن الإيطالية، سلاسل كارفور ورغم أنها فرنسية الجنسية فإن تعاونها ودعمها لإسرائيل ونشاطها التجاري مع شركات إسرائيلية تتعامل مع منتجات المستوطنات التي أقيمت على أراضٍ فلسطينية محتلة كان عاملاً أساسيًا فى مقاطعتها، كارفور واحد من متاجر وشركات عديدة طالتها المقاطعة فى أوروبا والتي تتزايد كل يوم، فقد شهدت الأسواق البريطانية خلال الأشهر الماضية تصاعدًا فى حملات المقاطعة الشعبية ضد شركات كبرى مثل «زارا» و«ماكدونالدز»، وبسببها أغلقت سلسلة مقاهى ستارباكس الأمريكية كثيرًا من فروعها حول العالم، كما أعلنت علامات أخرى عن تعرضها لخسائر مادية كبيرة، ولكن أين نحن من المقاطعة؟ وهل مازالت بنفس الزخم الذي بدأت به بعد العدوان على غزة فى أكتوبر 2023؟ أم أنه مع مرور الأيام والشهور فتر الحماس وانخفض عدد المقاطعين؟ لقد كان تأثير الدعوة للمقاطعة كبيرًا فى البداية حتى أن أحد مطاعم الوجبات الجاهزة أعلن عن انخفاض ملحوظ فى مبيعاته، وكانت فروعه شبه خاوية، بل تم تحطيم عدد منها فى الأقاليم، ونفس الأمر حدث مع معظم محلات الوجبات الجاهزة والمشروبات التي تزين واجهاتها علامات تجارية تابعة لشركات عالمية تؤيد إسرائيل وتدعمها، وتراجعت مبيعات سلع من إنتاج شركات عالمية لنفس السبب، لكن الآن يبدو الأمر مختلفًا فمن خلال مشاهداتى ومتابعتى الخاصة تبدو الفروع مزدحمة، والطلب ازداد على السلع التي كانت موجودة فى قوائم المقاطعة، ولم يعد الكلام عنها يتردد على ألسنة الناس ولا تحذيراتهم للمشترين عندما يقولون لبعضهم هذه السلعة ضمن قوائم المقاطعة، وكذلك الدعوة إلى استخدام وشراء السلع البديلة خاصة المنتج المصري، وهو ما استفادت منه وقتها منتجات محلية كثيرة، ليس لدى بيانات واضحة عن مستوى المقاطعة وهل أتت بنتائج جيدة أم لا؟ وهل تراجعت أرقامها أم مازالت على حالها؟ لكن أعتقد أنه ليس بقوة البداية، كما أننا لسنا مثل أوروبا التي بها حركة مقاطعة كبيرة ومؤثرة، حتى إن المزارعين الإسرائيليين اشتكوا من امتناع شركات وسلاسل ومتاجر كبيرة عن عرض وبيع منتجات مزارع المستوطنات خاصة البطاطس، وذلك فى العديد من الدول مثل إسبانيا وفرنسا والدنمارك والنرويج وألمانيا رغم أن الأخيرة من الدول الأكثر تأييدًا لإسرائيل، ولم يتوقف زخم المقاطعة فى أوروبا على السلع والمتاجر والمطاعم وامتدت إلى عمال الموانئ فى العديد من الدول وعلى رأسها إسبانيا وإيطاليا وفرنسا واليونان وبلجيكا والسويد والذين رفضوا عمليات الشحن والتفريغ لأى سفينة متجهة لإسرائيل إذا ثبت أنها تحمل سلاحًا أو موادًا تستخدم فى العدوان على الفلسطينيين، بل إن عمال ميناء جنوة ومعهم اتحاد عمال الموانئ المستقلة هددوا بمنع وصول البضائع القادمة من أوروبا لإسرائيل إذا استمرت فى منع وصول المساعدات الغذائية والطبية لغزة، وعلى نفس الطريق سار العديد من الفنانين والرياضيين الذين هاجموا إسرائيل ودافعوا عن فلسطين وقاطعوا شركات الإنتاج الإسرائيلية، وآخرهم الممثل الإسبانى الشهير خافيير بارديم، الذي ارتدى الكوفية الفلسطينية على السجادة الحمراء خلال حفل توزيع جوائز إيمى الـ77 فى لوس أنجلوس منذ أيام، وأعلن رفضه التعامل مع مؤسسات السينما الإسرائيلية، وقال: «لا يمكننى العمل مع أى شخص يبرّر أو يدعم الإبادة الجماعية»، مضيفًا أن «عدم حصولى على وظائف أمرٌ تافه تمامًا مقارنة بما يحدث هناك».. كما لفتت الممثلة اليهودية هانا إينبيندر الأنظار خلال نفس الحفل بارتدائها دبوسًا أحمر تابعًا لحملة «فنانين من أجل وقف إطلاق النار»، وهو نفس الدبوس الذي ارتداه العديد من النجوم الآخرين مثل إيمى لوى وال وناتاشا روثويل، وروث نيجا وكريس بيرفيتى، ويدعو هذا الدبوس إلى وقف فورى لإطلاق النار فى غزة، وإعادة الرهائن، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، كما أن هناك آلاف العاملين فى صناعة السينما وقّعوا على تعهد «عمال السينما من أجل فلسطين» بعدم التعاون مع المؤسسات السينمائية الإسرائيلية، وفى ملاعب الكرة ومنذ أيام وجّه مدرب المنتخب الإيطالى جاتوزو انتقادات حادة لإسرائيل خلال مباراة الفريقين فى تصفيات كأس العالم، وطالب باستبعاد منتخبها من اللعب فى البطولات الدولية، أما الجمهور الإيطالى فقد أعطى ظهره للملعب خلال عزف السلام الجمهورى الإسرائيلى وأطلق صافرات الاستهجان ورفع العديد منهم علم فلسطين، وأنا هنا أتحدث عن المقاطعة الشعبية وليست إجراءات الحكومات.
ولعل السؤال الذي يجب أن نبحث عن إجابة له، ما السبب الذي لا يجعلنا مثل أوروبا فى جدية المقاطعة؟ ولماذا تتراجع عندنا فى حين تتزايد هناك؟ رغم أننا معنيون بالعدوان على فلسطين وأننا الأكثر تأثرًا به؟ لماذا يبدو نفسنا قصيرًا فى كثير من المعارك والقضايا ولا نستمر فيها حتى النهاية؟ هل لأننا نعمل بشكل فردى ولا توجد جمعيات أو جماعات تنشط فى هذا الشأن وتقود حملة مستمرة تدعو إلى المقاطعة بحماس ودون انقطاع؟ وأين منظمات المجتمع المدنى والتي يجب أن تلعب دورًا فى تذكير المواطنين بأهمية المقاطعة ودورها فى إضعاف الاقتصاد الإسرائيلى، وهناك تقارير صحفية كثيرة وبعضها نشر فى الصحف الإسرائيلية حول تأثر الاقتصاد الإسرائيلى سلبيًا بسببها؟ كنت أتمنى أن يكون للمهتمين بالمقاطعة والداعين لها نشاط شعبى يشجع الناس على الاستمرار فيها، وأن يعيدوا نشر قوائم السلع والشركات التي يجب مقاطعتها ويذكرهم بها وبما تفعله إسرائيل من إبادة جماعية ومحاولات تهجير للفلسطينيين، وذلك من مبدأ «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين».