«الهيروين المضروب» فى متنا ول الجميع

إبراهيم الجيوشي
«الهيروين المضروب» هو أحدث صيحة فى عالم المخدرات بديلا عن الهيروين مرتفع الثمن، ويتكون الهيروين الشعبى - تشعيرة بودرة - من خليط كل حبوب الهلوسة مثل الترامادول والتامول والصليبة والصراصير مع بعض المبيضات، ويتراوح سعر التذكرة بين 55 - 45 جنيها بدلا من آلاف الجنيهات، وفى ظل حالة الانفلات الأمنى بسبب الحرب على الإرهاب انتشر الهيروين المضروب فى العديد من المدن والمحافظات بمختلف أنحاء الجمهورية، خصوصا فى دمياط والجيزة..
حذر أولياء أمور من صمت الحكومة والأجهزة الأمنية على تجار الصنف الذى يدمر صحة الشباب تماما وينشر الفاحشة فى المجتمع، والخطير فى الأمر ارتفاع حجم التجارة السرية للمخدرات فى مصر إلى 15 مليار جنيه، وزيادة تكلفة الإدمان إلى 13 مليار جنيه سنويا، والأسوأ أنه وفقا للإحصاءات الرسمية فإن 60٪ من شباب الجامعات والمعاهد مدمنون، و30٪ يجربون التعاطى لمرة واحدة فى الأفراح، كما تخطى التعاطى نسبة 7٪ متجاوزاً بذلك نسبة 5٪ العالمية، وهو ما يتطلب ضرورة الحسم ووقوف الدولة كلها للتصدى لآفة المخدرات المدمرة قبل فوات الأوان.
بداية الخيط زيارة متأخرة لمقابر «الروضة» وهى متاخمة لمدينة «البسارطة» فى دمياط، ووجدت ثلاثة شباب فى عمر الزهور يجلسون تحت ضوء القمر الخافت لا تراهم من بعيد، لكن تأخذ حذرك نتيجة لصوت الاستنشاق القوى الذى يخترق صمت المكان، حينما اقتربت منهم وجدتهم يخفون وجوههم خوفا وخجلا من فعلتهم، خاصة أن أحدهم مازال بوعيه الكافى لتنبيه الآخرين الواضح عليهم الغياب التام عن الواقع، فابتلت سراويلهم من آثار بولهم لعدم قدرتهم على السيطرة على أعصابهم!
وهنا كان لابد أن أحاول التعرف على الأسباب التى وصلت بعمر الزهور إلى هذه الحال المتردية خاصة أنه من المعروف بين أهالى البلدة أن أشد أنواع المخدرات فتكا التى اقتحمت المدينة هى الحبوب بأنواعها «ترامادول وتامول» و«البودرة».
عيد ميلاد
البداية كانت حفلة عيد ميلاد صديقة.. تدعى نهى وهى فتاة فى العشرين من عمرها تدرس فى أحد المعاهد الخاصة للتجارة وإدارة الأعمال، وكنا نذاكر ليلا فى نهاية الفصل الدراسى وعرضت على إحدى الزميلات برشامة، لكننى رفضتها خوفا أن تكون الترامادول، وهنا تدخلت صديقة أكثر قربا لى قائلة: أنا معايا السر «شوية برشام صداع وفيتامينات مطحونة ومخلوطة وتتاخد على مرة واحدة مثل قرص «الكيتوفان»، لما نفتحه ونضعه على مكان آلام الأسنان، وقالت: جربها وانت تعرف، هذا برشام مخلوط فقط، وهجربه أمامك، وفعلا جربته ولم أجدها «مضيعة» ولم ينتبها الغثيان ولا زغللة العيون، ولا أى شىء من الأشياء التى نعرفها عن البودرة.
وتضيف نهى: البرشام المخلوط لا يؤثر فى الجسم مثل «ربع الترامادول» فى كوب شاى الذى يعد أقوى منه، وبعدها تعددت الجرعات بدون أن أشعر أن جسدى يطلبها، ولم أتخوف من البرشام فى البداية وكنت أستخدمه كثيرا إلى أن شعرت فعلا بالخدر فى جسدى عندما كنت أرتب مع أختى منزلها ولم أتحمل المجهود طوال اليوم، وهنا فقط طلبتها لأول مرة بعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر عن أول مرة للتعاطى، وكانت الإجابة بكره نروح نجيب من «مودى».
مقطع فيديو للترغيب
كانت بداية المأساة تعلق نهى بالبرشام وتحكى قائلة: وجدت «مودى» يرسل لى بالبلوتوث مقطع فيديو لفتاة وشاب مدمنين منتظرين للجرعة وتعاطيهما وتأثير الجرعة عليهما قائلا: «احتفظى بالمقطع هذا على تليفونك دائما واحمدى ربنا أننا مش مدمنين»، تعجبت ولكنى عرفت سريعا سبب طلبه احتفاظى بالمقطع وهو أنه مطلوب منى أن أعرضه على كل شاب وفتاة أستدرجها لهذا الطريق فيكون المفتاح هو مشاهدة الفرق بين الإدمان فى مقطع الفيديو وحالتنا ونحن منتشون بدون غثيان ولا تبول لا إرادى ولا زغللة عيون.
تضيف نهى: «يللا يا حلوة قومى ارقصى لنا»، كانت هذه بداية كلمات «مودى» وأنا مذهولة وسط تشجيع صديقتى ونظرات اللامبالاة من «مودى»، لكنه قال: «تمن البضاعة بسيط بس إحنا مش عاوزين فلوس إحنا عاوزينك انتى تكونى معانا لأنك هتجيبى أصحاب ومعارف كتير»، وهنا فكرت فى الأمر فوجدت أننى لابد أن أتجاوب معهم، خاصة أننى لا أستطيع أن أواجه أهلى بإدمانى، وكان لابد من البحث عن «علاج سرى» وحتى يتحقق ذلك لابد من إكمال الطريق.
من الحشيش إلي البودرة
ويقول «ع. ب» أحد التائبين عن توزيع وتجارة الهيروين المخلوط: التجار غيروا النشاط من الحشيش والبانجو إلى البودرة لأنها كما قالوا لى دوما أسهل وأسرع فى النقل والربح ومثلما يقولون هى فى الأخير تأبيدة ولا أكثر!
تجار المخدرات اليوم أصبحوا مثلنا تماما فى الشكل والطريقة وحتى أماكن جلساتهم والبيع، فلم يعد هذا التاجر بشاربه الكث والجلابية والسلاح الظاهر والناضورجية، لكنه تحول إلى شاب يسير فى الشوارع عادى جدا ويجلس على المقاهى مرتديا البرمودة والكت ويبيع من مكانه وسط الناس وكل هذا لخفة وسهولة ما يبيعه.
ويضيف قائلا: كنت مساعدا لابن عمتى لبعض الوقت تقريبا لمدة عام، وكانت البداية توصيله بالعربية من «البسارطة» للشعراء فى دمياط بالموتوسيكل، وكان المقابل 400 جنيه فى نص ساعة، وقتها قلت له: لو احتجتنى أنا موجود طالما المشوار سهل كده، لم أكن أعلم أنه غير نشاطه للهيروين، وكنت أعتقد أنه مازال يتاجر فى الحشيش، وحينما علمت صراحة فكرت فى الموضوع واقتنعت بوجهة نظره، «هى زى بعضها نفس الحبسة ونفس السجن ولكن المكسب كبير»!
ويختتم كلامه: كانت القطيعة حينما اكتشفت أنه لا يتورع عن بيع «الهباب ده» لأى حد حتى لو كان طفلا أو بنتا، المهم تدفع حتى لو كان المقابل جسدها على فراش المتعة، وحينها تأكدت أنه بالفعل لن يثنيه رادع أخلاقى ولا إنسانى وأنه خلع مع جلبابه وعباءته شرفه وأخلاقه.
الهيروين المغشوش
ويضيف «م» شاب فى الخامسة والعشرين معروف أنه على صلة قرابة وطيدة بأشهر تجار المنطقة «الأسود» جذوره أصيلة فى عالم المخدرات، فوالده وأخوه كانا من تجار الحشيش وقبض عليهما، لكنه تعلم الدرس وغير النشاط لتجارة «الهيروين المغشوش» فهو أسهل وأسرع فى البيع والنقل وحتى التخلص منه أسرع بكثير، ولا يحتاج إلى صبيان كثيرين، وبالتالى مصاريفه أقل كما يقول «الأسود» دوما لرفقاء دربه!
يستطرد: لا تستغرب أن أسعار البودرة وصلت إلى 45 جنيها للتذكرة، و55 جنيها للسرنجة، فالكل يعلم أن الموجود بهذه الأسعار ليس بودرة صافية، لكنها مجرد «تشعيرة» بودرة مع خليط من كل أنواع حبوب المهلوسة مثل الترامادول والتامول والصليبة والصراصير، مع بعض المبيضات، ولا مانع من خلط بعض الجماجم عليها، لكن فى النهاية هى أشد خطورة من البودرة نفسها لأن البودرة المصنعة تصل لطبقة معينة من الشباب يحافظون على حياتهم لأطول فترة ممكنة، عن طريق تعاطيهم المستمر كما يعتقدون، أما البودرة المضروبة فهى غير مربحة كثيرا، لكنها أكثر انتشارا اعتمادا على أسلوب «بيع كثيرا.. تكسب أكثر».
فى الفترة الأخيرة كثيرا ما شكا الأهالى فى البلدة أن البودرة أصبحت منتشرة انتشار النار فى الهشيم، ومتوافرة أكثر من توافر الماء والكهرباء خاصة بعد تدنى أسعارها بشكل ملحوظ جدا!
ويعلق شيخ عجوز صارخا: طول عمرنا نسمع أن البودرة هى «كيف» أولاد الذوات فقط وأسعارها غالية جدا فكيف وصلت ليد أبنائنا بظروفنا الاقتصادية المتردية إلى أبعد مدى؟!
وتتلخص الإجابة فى تدنى أسعار البودرة ليصبح ثمن تذكرة الهيروين المضروب 45 جنيها، وسهولة توزيعها فى أوساط الشباب خاصة الطلبة والعاملين.
وهنا يتدخل شخص يظهر عليه الغم كثيرا كان جالسا فى ناحية بعيدة بعض الشىء قائلا: الموضوع محتاج دراسة من الحكومة، إننا مستهدفون فى أولادنا والمعروف عنهم أنهم «عيال كسيبة» وانتشار هذا السرطان بهذه الطريقة وهذا السعر المتدنى بين أبنائنا مقصود لا محالة لكى يخيب آمال عيالنا فيتحطمون وبالتأكيد ستتحطم قلوبنا عليهم.
هلوسة فى الشوارع
يعلق «سيد» صاحب مقهى بسيط فى وسط البلدة صارخا: تعبنا من البكاء والعويل على حال أولادنا، الحشيش والبانجو أولا ثم الترامادول والبرشام وهذا الوباء الجديد علينا لا نعلم إلى أى مدى سيؤدى بنا وبأبنائنا فماذا نحن فاعلون؟!
أضاف: العيال حالها تدهور ولا يستطيعون الآن الوقوف على أرجلهم، إنهم يتخبطون فى الطرقات ولا يعلمون إلى أين يذهبون وكل ليلة نسمع صراخًا وعويلاً من داخل البيوت، هذه أم تصرخ فى ابنها وتدعى عليه، وتلك تبكى بحرقة وتدعى لابنها أن ينجيه الله بعد أن اعتدى عليها غير مدرك لما يفعل، أما الطامة الكبرى فهى صراخ فتاة جامعية بسيطة ليلاً لأن أخاها اقتحم عليها غرفة نومها متلصصًا فى منتصف الليل، والمصيبة أن الصبى يعلم ويدرك أنه فى غرفة أخته ولا يستغرب ما يفعل ولكنه يتعجب من تجمع الجيران داخل الشقة بعد كسر بابها «لا حول ولا قوة إلا بالله»، المشكلة ليست فى شاب يضرب أو يسرق لأجل النقود، فأسعار التذاكر بسيطة وفى متناولهم الآن، ولكن الطامة الكبرى فى أفعالهم المشينة أو فى عدم استطاعتهم فعل أى شىء وتحولهم لدمى تموت أمامنا.
ويعلق المعلم «على» صاحب إحدى الورش: كان يعمل معى أربعة شباب زى الورد وصنايعية من أفضل الصنايعية مثل الجنيه الذهب، منهم القشرجى والنجار والأوستورجى والأربعة اليوم تبكى على حالهم حينما تراهم، بهذه الوتيرة سوف تنقرض صناعة الموبيليا بانقراض شبابنا والقضاء عليهم.
موت بطىء وكوارث محققة
الدكتور أشرف بيومى أستاذ ورئيس قسم الكيمياء العضوية بكلية الصيدلة بجامعة عين شمس يؤكد: الهيروين موت محقق وسرطان ينخر فى عظام ثروتنا البشرية من شبابنا، والجديد اليوم هو رخص سعر الهيروين إلى 45 جنيهًا للتذكرة، ومن الناحية العلمية جرام الهيروين على سبيل المثال يسبب الموت فى خلال شهرين، ولكنه بالخلط بالبرشام وغيره من عظام ومستحضرات مبيضة فإنه يؤدى إلى تخفيف الأثر وتأخير الضرر وبكل تأكيد هذا يعنى أنه غير مُضر، وأن ما يقال عليه مجرد شائعات وبناءً عليه فإنه يؤدى إلى كثرة البيع وتكرار التعاطى وهذا سيؤدى بالتأكيد فى يوم ما إلى اللجوء إلى الهيروين بلا إضافات، وأغلب الظن أن خلط الهيروين وتخفيض سعره وسيلة جديدة لاقتحام السوق ومقصود بها شريحة جديدة غير شريحة أولاد الذوات سهل الوصول إليها بالهيروين بلا إضافات.
والهيروين المضروب يؤدى حتمًا للموت المفاجئ نتيجة تفاعلات عضوية بين المادة المكونة للمنتج الأصلى وبين الإضافات المضافة عليها.
وفى كل الحالات سواء كان الهيروين مخلوطًا أو غير مخلوط، فإنه وحش كاسر يتربص بأبنائنا ولابد من الوقوف حائلاً دون تحقيقه لهدفه بافتراس شبابنا وأولادنا.
الموت واحد
«من دمياط إلى الجيزة.. الموت واحد» قال هذه العبارة أحد مصادرى والمعروف فى منطقته أنه كابتن رياضة فردية قديم، وبالنظر إلى الخريطة سنجد أن الهيروين المضروب لم يقتصر انتشاره على محافظات مصر البعيدة فقط لكنه وصل إلى الجيزة وتجسد فى عدة عصابات صغيرة ومن أبرز تجار الصنف فى الجيزة «ولاد النسر» و«ولاد مشوى» و«التُمن» فى ساقية مكى، وهناك حارة «الحارانى» وحارة «لبيب جوهر» كل هؤلاء يحكمهم نفس القانون، ويتم نقل «ضرب المخدرات» عبر «التوك توك».
ومن الجدير بالذكر أن نسبة الإدمان فى مصر دخلت مرحلة كارثية، وفقًا لما كشف عنه صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، تخطت نسبة التعاطى نسبة 7٪ متجاوزة بذلك المعدلات العالمية التى تصل إلى 5٪ فقط، وظاهرة الإدمان قضية قومية، ينبغى لكل مؤسسات الدولة أن تتكاتف معا للتصدى لها.
وطبقًا لإحصائيات الأمم المتحدة فإن عدد المدمنين فى مصر يصل إلى 5 ملايين شخص، وأكد مركز البحوث الاجتماعية أن مصر تحتل المرتبة الثانية فى الإدمان بين الدول الإفريقية وأن هناك أكثر من 8 ملايين مدمن.
وكانت تقارير رسمية ذكرت أن المصريين ينفقون نحو 16 مليار جنيه سنويًا على المواد المخدرة، لكن مجلس الشورى السابق أكد أن تكلفة الإدمان تصل إلى 13 مليار جنيه سنويًا، فيما قدر حجم التجارة السرية للمخدرات فى مصر بنحو 15 مليار جنيه.∎