أدوية البرد والكحة.. «كِيف» الدماغ والجماع

سيد طنطاوي
«الإيفانول»،«الفلورست»،«البرونكفين» وقطرة الأوتريفين والكونجستال
والفلو ستوب.. أدوية شائعة الاستخدام بين المواطنين لعلاج نزلات البرد والسعال تحولت إلى سموم تقبع فوق أرفف الصيدليات بفعل الإسراف فى تناول الجرعات منها من قبل مدمنى الكيف أو الراغبين فى العمل لساعات أطول أو الباحثين عن جنس مثالى يجابه أفلام البورنو!
تباع إلى العامة دون أى رقابة لأنها لم تدخل فى تصنيف الأدوية المحظورة، والتى وزعت وزارة الصحة قائمة بها فى نشرة عامة على الصيدليات كالترامادول والترمال والكونترمال والتادول.
أدوية كثيرة من التى تستخدم الآن لعلاج حالات الربو والسعال انحرفت عن الغرض الذى صنعت من أجله، وأصبحت تستخدم كمخدرات فى أيدى الشباب، وهى أدوية تتواجد بشكل عادى فى الصيدليات، وغير مدرجة على جدول المخدرات وتتميز بانخفاض ثمنها، وهو ما يجعل الإقبال عليها كثيفا، فالايفانول مثلا يبلغ سعره جنيهين فقط ومتوافر بشكل كبير فى الصيدليات، وهناك أيضا البرونكفين وهو دواء شرب يستخدم لعلاج السعال سعره ثلاثة جنيهات ونصف، وهناك أيضا الفلورست الذى يستخدم لعلاج نزلات البرد ويبلغ سعر الشريط منه جنيهين فقط.
مجدى - 35 سنة يعمل جزارا تناول 5 حبات دفعة واحدة من شريط الفلورست فسألناه هل أنت تعانى من برد شديد حتى تتناول كل هذه الكمية فقال: «لا أنا بعمل دماغ «فلورست»!، ثم استطرد قائلا: «دى بتخلى الدماغ هاى ومتخليش الواحد يفكر فى همومه، وتخدر جسم الواحد من التعب بعد ما يخلص شغل، وهو أرخص من التامول والتادول بتوع الباور والحكومة متقدرش تكلمنى لو شافته معايا هقولهم عيان وعندى برد إنما لو تامول هاياخدونى ويبهدلونى واحنا على إيه دا دواء بيتباع عادى».
أما سعيد - 29 عامًا ويعمل نجار مسلح فقال: «أتناول يوميا 6 حبات من «الايفانول»، وهو دواء عادى للكحة كل اللى بيعمله إنه بيخفف ألم الجسم بعد الشغل وبيعمل تنميل فى الأطراف ويخلى الجسم مرتخى، ويخليك تروح فى النوم على طول وبيخفف عننا الحياة السودة اللى إحنا عايشينها وفى نفس الوقت هو دواء مسموح به ومفيهوش مشاكل مشكلته الوحيدة معايا إنه بيخلى ريحة بقى وحشة وناس كتير بيقولولى كده كل مايسلموا عليا»!
أحمد 42 سنة ويعمل مبيض محارة قال لنا أنه يشرب يوميا زجاجة برونكفين كاملة ثم أضاف: «بخرج كل يوم للشغل من الساعة 7 الصبح لحد الساعة 6 بالليل ولما برجع بيكون جسمى اتهد، الإزازة دى تمام الواحد يشربها من هنا وميحسش بجسمه من هنا بتعملى تنميل فى إيدى ورجلى بعد تعب الشغل، أصل الواحد فينا لازم جسمه يرتاح، وميفكرش كتير قبل النوم مسافة ما يحط دماغه ينام على طول وأهم حاجة إنها رخيصة بـ3 جنيه ونص عشان متأثرش على مصروف العيال أصل الدنيا غالية قوى يابيه».
حسن - 19 عامًا ويعمل فى أحد الجراجات قال لنا: «أنا على طول باخد شريط اسمه فلوستوب دا عادى خالص أصل احنا بنتبهدل علشان نلاقى «التامول» لأنه ممنوع وغالى، وبعدين إحنا مش عايزين باور كل القصة عاوزين حاجه تريحنا وتنسينا الهم وتخلينا قاعدين رايقين وبعدين أنا وصحابى بنشترك عشان نجيبه، وبنتكلم قدام الناس بسيم علشان ماحدش يفهمنا بنقول لبعض «يلا نعمل جمعية ونركب فيها مع بعضنا».
سألناه ألا تخشى أن تحدث لك مضاعفات قد تنهى حياتك رد ساخرا: «ياباشا عمر الشقى بقى واللى رايده ربنا هيكون وبعدين دى أدوية مافيهاش خطورة ولو بتموت كنا متنا من زمان»!
الدكتور محمود عبد المقصود الأمين العام السابق لنقابة الصيادلة أكد لنا أن هذه الأزمة ناجمة عن مرض اجتماعى فى حياة المصريين خاصة أن هذه الأدوية تستخدم فى أغراض طبيعة ومعظمها لمعالجة السعال إلا أن البعض يستخدمها بجرعات زيادة عن المعدل الطبيعى مما يجعله يفقد الدواء خاصيته الأساسية ويحقق أعراضًا أخرى، وهى خمول الجسم والكسل فيسبب له النعاس، مضيفا إن هناك أيضا من يتناول هذه العقاقير كمنوم، مرجعا السبب فى ذلك إلى الأمية والفقر اللذين يعانى منهما المجتمع خاصة بين الشباب الذى يفرح بأنه استطاع أن يوقف عقله عن التفكير بسبب هذه الأدوية.
الدكتور شوقى حداد الرئيس الأسبق للجنة القيم بنقابة الأطباء قال لنا: هناك أدوية كثيرة مدرجة على جدول المخدرات، ولا تصرف إلا بروشتة وهناك أدوية من الممكن أن تضاف لها فى حالة ثبوت إدمان البعض لها، مشيرا إلى أن استخدام النتائج المضاعفة لبعض الأدوية لا يقع على عاتق المسئولين عن صناعة الدواء، فهناك إرشادات فى الروشتة الداخلية فى علبة الدواء تحدد الجرعات التى يؤخذ بها الدواء بالإضافة إلى إرشادات الطبيب المعالج، وهناك أدوية غير مدرجة على جدول المخدرات ومكتوب عليها «لا تستخدم إلا بناء على تعليمات الطبيب».
الدكتور أحمد عبد الله أستاذ الطب النفسى بجامعة الزقازيق أكد لنا أن الضغوط النفسية الواقعة على المواطنين، وخاصة الشباب بفعل البطالة وما تخلقه من انحرافات نحو المخدرات بكل أنواعها هى السبب الرئيسى فى تفاقم هذه المشكلة، والتى وصلت إلى كل بيت فى مصر، والدليل على ذلك الترامادول المنتشر بكثافة جدا، وهو فى الأصل دواء مسكن، ولكن الناس تستخدمه بشكل غير علاجى، مضيفا إن هؤلاء يلجئون لتعاطى تلك الأدوية «رخيصة الثمن» كبديل للمخدرات «مرتفعة الثمن» بغرض الوصول لحالة من التخدير ونسيان الهموم كنوع من الهروب من الأزمات والضغوط النفسية، وهذا يعد نوعا من الأمراض النفسية.. وهو ما يجعل الشباب فريسة سهلة للإدمان، فالبعض يبدأ تدريجيا بالتدخين ثم المخدرات والأشياء التى تهيئ له أنه مرتاح وهو ما تؤديه بعض العقاقير التى تزيد من خمول الجسم واسترخائه ومن ثم يصبح دائما للنوم.
الدكتور عبد الله زين العابدين الأمين العام لنقابة الصيادلة أكد لنا أن بعض الأدوية من هذه النوعية تعتبر مدرجة فى الجدول، ولكن تأتى كدرجة ثانية أو ثالثة ومشكلتها تكمن فى أنها تحتوى على مواد تؤثر على الصحة النفسية، وتسبب نوعا من التخدير، وأضاف أن هناك قرارات بتنظيم صرفها فمن المفترض أنها لا تصرف إلا بتذكرة طبية تحدد الكميات التى تصرف بها، وأنها تعتبر لاغية فى حالة مرور خمسة أيام عليها ولا يعتد بها، كما أن شركات الأدوية تخضع لبعض الضوابط لتنظيم صرفها، مضيفا أن هذه الأدوية فى الأصل فى جرعاتها الطبيعية لا تسبب مشكلة، ولكن الأزمة تكمن فى تعاطيها بكميات كبيرة كتناول شريط كامل مرة واحدة أو زجاجة كاملة.
وعن حل المشكلة أكد زين العابدين ضرورة وضع ضوابط مانعة بشرط ألا تحرم المريض الحقيقى من حقه فى الدواء بمعنى أن توضع ضوابط لصرف تلك الأدوية مع الأخذ فى الاعتبار احتياجات المرضى.
وعندما واجهناه بأن تلك الأدوية تصرف من الصيدليات بشكل طبيعى، ودون أى روشتات أو تذاكر طبية تعهد بزيادة تفعيل التفتيش الصيدلى، وأن يكون مراقبا بحزم لضوابط الصرف مع توعية الناس بخطورة هذه الأصناف، مشيرا إلى أنه من الوارد أن توضع تلك الأدوية على جدول المخدرات إذا ثبت استخدام قطاع عريض من المواطنين لها بشكل سيئ!