الأربعاء 31 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

من خانة التشويه الأحادى إلى القدرة على صناعة المستقبل

مصر فى الصحافة العالمية.. عام التحول الهادئ

مع نهاية عام 2025، تبدو صورة مصر فى الصحافة العالمية أقل حدّة مما كانت عليه فى سنوات سابقة، وبَعد أعوام من العناوين الهجومية والتغطيات الصدامية؛ وبخاصة خلال حرب غزة، بدأت نبرة الإعلام الدولى تميل إلى قدر أكبر من التوازن والتحليل.. لم تختفِ الانتقادات، لكنها لم تعد الصوت الوحيد، فى ظل اعتراف متزايد بدور مصر الإقليمى، وبروز القوة الناعمة، وعلى رأسها افتتاح المتحف المصرى الكبير، كعنصر مؤثر فى إعادة تقديم مصر للعالم.



 

حرب غزة

شكّلت الحرب على غزة خلال عامىّ 2023 و2024 ذروة الهجوم الإعلامى على مصر، إذ ركزت قطاعات واسعة من الصحافة الغربية على مَعبر رفح بوصفه «بوابة الحصار»، مع تحميل القاهرة مسئولية إنسانية تتجاوز صلاحياتها القانونية ودورها الفعلى. 

وجرى تقديم المشهد فى كثير من التغطيات باعتباره فشلًا أو تواطؤًا مصريًا، دون تفكيك العلاقة المعقدة بين اعتبارات الأمن القومى، وطبيعة الحدود، والاتفاقيات الدولية التى تحكم حركة الأفراد والبضائع.

فى المقابل؛ بدأت تظهر تدريجيًا تغطيات أكثر توازنًا؛ خصوصًا فى الصحافة التحليلية، أشارت إلى الدور المركزى لمصر فى الوساطة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وإلى الجهود المستمرة التى بذلتها القاهرة لإدخال المساعدات الإنسانية ومحاولة الوصول إلى وقف إطلاق النار، كما اعترفت بعض التحليلات باستحالة اختزال الأزمة فى موقف دولة واحدة، والتنبيه إلى أن تجاهُل دور الاحتلال نفسه يُفقد التغطية معناها السياسى والإنسانى.

وبنهاية 2025، بدا واضحًا أن صورة مصر فى الصحافة العالمية لم تَعُد تُقدَّم بالحدة نفسها التى سادت فى السنوات السابقة؛ حيث تراجع الميل إلى العناوين الصدامية لصالح معالجة أكثر تحليلية، تُقدِّم مصر بوصفها فاعلًا إقليميًا ضروريًا لا يمكن تجاوزه، حتى فى التغطيات التى حافظت على نبرة نقدية. 

هذا التحول لم يكن نابعًا من تبدُّل فى المواقف الأخلاقية، بقدر ما كان انعكاسًا لإدراك متزايد لتعقيدات المنطقة، وتشابك مصالحها. كما برز اعتراف أوضح بالثقل الجيوسياسى لمصر؛ حيث جرى تناولها باعتبارها ركيزة استقرار فى شرق المتوسط ولاعبًا محوريًا فى ملفات شديدة الحساسية، مثل غزة وليبيا والسودان. 

وظهر فى التغطيات إدراك متزايد لأهمية الدور المصرى بالنسبة لأوروبا فى قضايا الهجرة والطاقة وأمن الحدود، وهو اعتراف فرضه الواقع الجغرافى والسياسى أكثر مما صنعته الرغبة فى تحسين الصورة.

 قمة شرم الشيخ

إلى جانب ذلك، حظيت قمة شرم الشيخ باهتمام ملحوظ فى الصحافة العالمية، التى تعاملت معها بوصفها مؤشرًا على عودة مصر إلى قلب المشهد الدبلوماسى الدولى. 

ركزت التغطيات على قدرة القاهرة على جمع أطراف دولية وإقليمية متباينة على طاولة واحدة، فى لحظة عالمية تتسم بالاستقطاب وعدم اليقين. 

وقدمت القمة مصر باعتبارها مساحة حوار ضرورية ووسيطًا مقبولًا، لا مجرد دولة مستضيفة، وهو ما أسهم فى تعزيز صورة البلاد كفاعل دبلوماسى يمتلك أدوات التأثير السياسى، ويجيد إدارة التوازنات فى ملفات شديدة الحساسية إلى جانب ذلك، تراجَع الخطاب الأخلاقى الأحادى الذى ميّز تغطيات سابقة؛ خصوصًا بعد انكشاف ازدواجية المعايير الغربية فى التعامل مع الحرب على غزة، وفقدت كثير من الصحف مصداقية اللغة الوعظية الصارمة، واضطرت إلى قدر أكبر من الحذر فى تناولها لدول مثل مصر، فى ظل تساؤلات متزايدة حول معايير العدالة والإنصاف فى التغطية.

وتعود أسباب هذا التحول النسبى فى صورة مصر داخل الصحافة العالمية إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، فى مقدمتها فشل السردية الغربية السائدة حول حرب غزة فى تفسير حجم الكارثة الإنسانية دون مساءلة مباشرة لإسرائيل، وهو ما كشف حدود الخطاب الإعلامى التقليدى. 

كما لعب ثبات الموقف المصرى ورفضه الانخراط فى حلول تمس السيادة أو تفتح الباب لتصفية القضية الفلسطينية؛ دورًا مُهمًا فى إعادة تقييم هذا الموقف. 

إلى جانب ذلك، انعكس نشاط الدبلوماسية المصرية فى الكواليس فى التقارير المتخصّصة والتحليلية. 

 المتحف المصرى الكبير

شكّل افتتاح المتحف المصرى الكبير فى عام 2025 لحظة فارقة فى التغطية الإعلامية الدولية لمصر، إذ انتقلت صورة البلاد فى كثير من الصحف العالمية من ساحات السياسة والصراع إلى فضاءات الثقافة والحضارة والقوة الناعمة. 

واحتفت التغطيات بالحدث بوصفه أحد أضخم المشروعات الثقافية فى القرن الحادى والعشرين، ورمزًا لعودة مصر إلى موقعها الطبيعى كحاضنة للتراث الإنسانى، ورسالة واضحة عن الاستقرار والقدرة على الإنجاز فى منطقة تعج بالصراعات.

جاءت لغة التناول الإعلامى للمتحف مختلفة جذريًا عن الخطاب المستخدَم فى الملفات السياسية؛ حيث سادت مفردات الإبهار والدهشة والاحترام التاريخى. 

وظهرت مصر فى الصفحات الثقافية والسياحية بوصفها دولة قادرة على صناعة المستقبل عبر استثمار تاريخها، لا كدولة محاصَرة بالأزمات فقط. 

كما أسهم الافتتاح فى إعادة جذب الأنظار إلى السياحة المصرية بعد سنوات من ربط اسم البلاد بالاعتبارات الأمنية، وقدّم صورة حداثية لمؤسّسات الدولة وقدرتها التنظيمية، بما ساعد على كسر النمط الإعلامى الذى حصر مصر طويلًا فى أخبار الأزمات.

وأخيرًا؛ فى نهاية 2025 لم تتحول صورة مصر فى الصحافة العالمية إلى صورة مثالية، لكنها خرجت من خانة التشويه الأحادى إلى مساحة أكثر واقعية وتعقيدًا. لقد فرضت الأحداث، وعلى رأسها حرب غزة وافتتاح المتحف المصرى الكبير، إعادة تقييم للدور المصرى، ليس حبًا فى القاهرة؛ بل اعترافٌ بأنّ فهم الشرق الأوسط دون مصر هو اختزال مُخِلّ.