الأربعاء 31 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

بعد مصرع رئيس أركان الجيش

ارتباك فى المشهد الليبى واختبار جديد للاستقرار

فى تطور مفجع هزّ ليبيا والمنطقة، أعلن مساء الثلاثاء الماضى، مقتل رئيس أركان الجيش الليبى الفريق أول ركن محمد الحداد، مع عدد من كبار الضباط، إثر تحطم الطائرة الخاصة التى كانت تقلّهم أثناء عودتهم من العاصمة التركية أنقرة.



 

مطار إيسنبوغا 

 جاءت الحادثة المفاجئة لتزيد من المشهد السياسى والأمنى تعقدًا فى دولة تمرّ بمرحلة انتقالية حسّاسة منذ سنوات، وكانت الطائرة الخاصة من نوع Dassault Falcon 50 قد أقلعت من مطار إيسنبوغا الدولى بأنقرة، متجهة إلى العاصمة الليبية طرابلس، وعلى متنها الفريق أول ركن محمد الحداد، وكبار ضباط الجيش الليبى ومرافقيه. 

وبعد دقائق قليلة من الإقلاع، فقدت الطائرة الاتصال بالرادار، وفقا لما ذكره المسئولين الأتراك، الذين ذكروا أيضًا أن الطائرة كانت قد أبلغت عن عطل كهربائى طارئ، وطالبت بهبوط اضطرارى قبل أن تختفى إشارتها.

منطقة هيمانا

وفى وقت لاحق، عثرت فرق البحث والإنقاذ التركية على حطام الطائرة فى منطقة هيمانا جنوب أنقرة، ولم يُسجل أى نجاة من الحادث، ما يؤكد وفاة جميع من كانوا على متنها.

 ولم تكشف السلطات التركية حتى الآن عن النتائج النهائية للتحقيق، لكن التصريحات الأولية تشير إلى احتمال حدوث عطل فنى وراء سقوط الطائرة، بينما تواصل النيابة العامة فى تركيا التحقيق فى ملابسات الحادث. 

ضحايا الحادث

أكد البيان الرسمى الصادر عن حكومة الوحدة الوطنية فى طرابلس، وفاة أربعة من مرافقى رئيس أركان الجيش الليبى، من بينهم مستشار رئيس الأركان، ورئيس أركان القوات البرية، ومدير جهاز التصنيع العسكرى، بالإضافة إلى مصوّر من مكتب الإعلام العسكرى، و3 من أفراد الطاقم التركى كانوا على متن الطائرة، ما يجعل العدد الإجمالى للضحايا 8 أشخاص. 

وفى بيان نعى رسمى، وصف رئيس الوزراء الليبى عبد الحميد الدبيبة، الحادث بأنه أليم وخسارة كبيرة للوطن والمؤسسة العسكرية، وأعلن الحداد الوطنى لمدة ثلاثة أيام فى ليبيا، تُنكس فيها الأعلام وتُلغى الاحتفالات الرسمية، بما فى ذلك احتفالات عيد الاستقلال الذى يصادف 24-25 ديسمبر.

 وكلف الدبيبة وزارة الدفاع بإرسال وفد رسمى إلى تركيا للتنسيق مع الجهات المختصة، ومتابعة التحقيقات.

العزاء لم يقف عند حدود طرابلس، إذ امتد إلى الشرق الليبى أيضًا، حيث أصدر القائد العام للقوات المسلحة فى منطقة الشرق المشير خليفة حفتر، بيانًا يعبر عن حزنه العميق لوفاة الحداد ورفاقه، مشيرًا إلى أنهم كانوا جزءًا لا يتجزأ من المؤسسة العسكرية الليبية، وأن رحيلهم خسارة مؤلمة لكل أبناء البلاد.

تداعيات سياسية 

تأتى الحادثة فى وقت حرج تمر به ليبيا، فقد شهدت السنوات الماضية انقسامات فى المؤسسة العسكرية بين قوات مرتبطة بحكومة الوحدة الوطنية فى طرابلس وقوات أخرى فى الشرق بقيادة حفتر، ما جعل منصب رئيس الأركان من أهم المواقع فى الساحة الوطنية.

 ويطرح رحيل الحداد فجأة سؤالًا حول مستقبل هيكلية القيادة العسكرية فى الدولة التى تسعى لتحقيق الاستقرار والأمن، بعد سنوات من النزاعات.

إضافة إلى ذلك، يأتى الحادث بينما كان الحداد فى مهمة رسمية فى تركيا، حيث التقى كبار المسئولين الأتراك فى سياق تعزيز التعاون العسكرى والأمنى بين البلدين، وهو ما كان محل اهتمام كبير على الصعيدين العسكرى والدبلوماسي.

 ولم تصدر تفاصيل كثيرة حول مضمون تلك الزيارة، لكن مشاركاته فى مباحثات تعزيز العلاقات تشير إلى أن التوترات الإقليمية والدولية حول ليبيا، قد تكون أحد السياقات التى تسلّط الضوء على تلك الزيارة. 

وقد أثارت تلك التطورات ردود فعل دولية، إذ نعى سياسيون وخبراء أمنيون فى المنطقة وفاة الحداد ورفاقه، معتبرين أن الحادث يمثل فقدانًا مهمًا لقيادة عسكرية رئيسية فى منطقة تشهد تنافسات متعددة القوى.

وأعرب بعضهم عن أملهم فى أن تكشف التحقيقات التركية الليبية المشتركة نتائج واضحة حول أسباب الحادث، لتجنّب الشائعات وفرض شفافية فى المعلومات.

فى هذا السياق، قال رامى إبراهيم الباحث فى العلاقات الدولية، إن عملية سقوط الطائرة الليبية ومصرع رئيس أركان قوات المنطقة الغربية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية، تعتبر عملية معقدة وتثير الكثير من الشكوك .

وقد تتسبب فى تأزم المشهد العسكرى والسياسى فى المنطقة الغربية، مما قد يؤدى إلى عودة الاقتتال بين الميليشيات والجماعات المسلحة بعد أن هدأت الأوضاع قليلا خلال الفترة الماضية.

 وأضاف : هناك صراع كبير لم يكن خفيا بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة من جهة، وبين رئيس أركان القوات بالمنطقة الغربية محمد الحداد، من جهة أخرى منذ 2022 .

وحتى قبيل مصرع الأخير فى تركيا، وذلك بسبب حالة الصراع الداخلية بين الميليشيات المسلحة التى تختلف فى انتماءاتها وولاءتها ورغبة رئيس الحكومة المنتهية الولاية فى فرض سيطرته على قوات المنطقة الغربية، وأيضا التخلص من قادة الميليشيات الذين لا يدينون له بالولاء.

وأوضح رامى إبراهيم، أن عبد الحميد الدبيبة، يريد استخدام قوات المنطقة الغربية، فى مواجهة الميليشيات التى لا تدين له بالولاء، وهو ما كان يعارضه رئيس الأركان محمد الحداد، الذى اصطدم علنا واشتبك فى مواجهات مع رئيس الحكومة بسبب اختلاف المصالح والرؤى، حول إدارة المشهد فى طرابلس.

ويسعى عبدالحميد الدبيبة، إلى فرض السيطرة والتحكم فى القوات العسكرية والأمنية الموجودة فى الغرب الليبى، لاستمرار بقائه فى الحكم، ولكى تكون تلك القوات أداة قوة يفاوض بها ويفرض الأمر الواقع، وذلك أيضا بتعزيز ذلك من خلال توقيع اتفاقيات عسكرية وأمنية غير مشروعة مع العديد من الدول، سواء تركيا أو إيطاليا وغيرها.

وأشار الباحث فى العلاقات الدولية، إلى أن رئيس الأركان محمد الحداد، الذى نصبه رئيس ما يسمى المجلس الرئاسى الليبى السابق، رئيسا لأركان قوات المنطقة الغربية عقب انتهاء الحرب التى شهدتها ليبيا بين قوات المنطقة الغربية بدعم خارجى وبين قوات الجيش الوطنى الليبى - الحرب التي أوقفتها مصر بالخط الأحمر الذى رسمه الرئيس عبد الفتاح السيسي- يعتبر من أبرز أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة «5 + 5» التى تشكلت بموجب اتفاق فى مؤتمر «برلين حول ليبيا» 2020، بهدف توحيد المؤسسة العسكرية، وضمان تثبيت وقف إطلاق النار، وإخراج القوات والمرتزقة الأجانب من الأراضى الليبية، وسحب الأسلحة من الميليشيات والعناصر المسلحة الليبية وإعادة دمجها فى مؤسسات الدولة.

 ونظرا لاختلاف المصالح والرؤى حول المشهد الليبى، أبدى الحداد تفاهمات فى إطار عمل اللجنة، ربما من وجهة نظره تحقق له بعض المنافع السياسية فى إطار شبكة علاقاته وداعميه.

وتابع رامى إبراهيم، إن تفاهمات محمد الحداد، مع اللجنة العسكرية «5 + 5»، حتى إن كانت تلك التفاهمات ترجع إلى شبكة مصالح واسعة لم تتلاق مع مصالح عبد الحميد الدبيبة وبعض القوى الداعمة له ضمن التدخلات الخارجية فى ليبيا، حيث إن تحقيق اللجنة لأهدافها التى تتعلق بتوحيد المؤسسة العسكرية، وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضى الليبية، لا يتوافق مع أهداف رئيس حكومة الوحدة المنتهية الولاية، ولا مع الدول التى تدعمه، سواء بقوات رسمية تابعة لها أو مرتزقة ومسلحين جلبتهم من دول أخرى لتحقيق مكاسب جيوستراتيجية، وذلك بعدما استطاعت اللجنة تحقيق تقدم فى بعض الملفات، وإن كان محدودًا.

وأضاف أن أى نجاح للجنة «5 + 5» سينعكس بالسلب على القوى الأجنبية المتواجد فى ليبيا، وسيؤدى إلى تحريك فى الملفات العسكرية والأمنية لصالح الملف السياسى، خاصة ملف إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الذى سينهى المرحلة الانتقالية التى يتمسك بها رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة، للبقاء فى الحكم أطول فترة ممكنة.

ورأى الباحث فى العلاقات الدولية، أن تداعيات مقتل رئيس الأركان محمد الحداد، وأخرين من أعضاء القوات العسكرية فى طرابلس، ستنعكس على الأوضاع فى طرابلس خاصة فى عملية اختيار البديل، وهل سيكون من الموالين للدبيبة، أم من الموالين لرئيس المجلس الرئاسى محمد المنفى، وهذا أيضا صراع آخر، حيث يحاول عبد الحميد الدبيبة، السطو على صلاحيات رئيس المجلس الرئاسي.

كما أن الأوضاع قد تسوء فيما يتعلق بعمل اللجنة العسكرية المشتركة «5 + 5» والتى استطاعت منذ تشكيلها الحفاظ على وقف إطلاق النار بين الجيش الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر، وبين الميليشيات المسلحة فى الغرب، لأن جزءا كبيرا من التفاهمات بين أعضاء اللجنة يتوقف على عملية اختيار من سيخلف محمد الحداد، هذا بالإضافة إلى التصعيد الداخلى بين الميليشيات.

ولفت رامى إلى أنه فى مثل هذا الحادث، تحوم الشبهات حول كل الأطراف المتواجدة فى الغرب الليبى، والتى لها مصالح مباشرة هناك ولها قوات موجودة هناك سواء كانت هذه القوات رسمية أو مرتزقة.

 كما أن انخراط بعض الدول فى الصراع عسكريا يجعل من الصعب استبعادها من دائرة الشكوك أو الاتهام، لكن الاتهامات دون تحقيق محايد قد يزيد الأمر تعقيدًا، ويتسبب فى مزيد التوترات.

 وتتضمن تداعيات مصرع الحداد، تصاعد حدة الصراع بين الأطراف فى الغرب وإعادة ترتيب المشهد السياسى والعسكرى، مما قد يزيد من حدة الأزمة، ويتوقف الأمر على قدرة بعثة الأمم المتحدة، ومحمد المنفى رئيس المجلس الرئاسى، وعبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها، على احتواء الأزمة والتفاهم مع الميليشيات والجماعات المسلحة للحفاظ على الوضع الراهن دون تصعيد يأخذ البلاد إلى مزيد من الفوضى.

وتوقع الباحث فى العلاقات الدولية، أن تشهد طرابلس محاولات لإعادة توزيع مناطق النفوذ بين الميليشيات والجماعات المسلحة؛ وربما تصاعد التوتر بين الأطراف التى ترى أن هناك فرصة للاستفادة من مصرع الحداد، وبعض القادة العسكريين، لتوسيع سيطرتها ونفوذها، مما قد يتسبب فى تجدد الاشتباكات المسلحة، لاسيما مع استمرار التحشيد العسكري.

غضب شعبي

على المستوى الشعبى، أثار الحادث موجة من الحزن والغضب فى أنحاء ليبيا، إذ انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعى ومجموعات النقاش الليبية رسائل التعازى، وتداول ناشطون لقطات وفيديوهات يُعتقد أنها تُظهر لحظات فقدان الاتصال بالطائرة أو تحطمها، رغم التحذيرات من تداول مواد غير مؤكدة. 

وعبّر الليبيون عن قلقهم إزاء المستقبل الأمنى والسياسى فى بلادهم، مؤكدين أن فقدان ضباط من هذا المستوى قد يعيد تشكيل المشهد العسكرى فى البلاد.

 وحتى آخر تحديث، لا تزال التحقيقات الرسمية التركية جارية لتحديد سبب سقوط الطائرة بشكل نهائى، بينما تبقى الفرضية الأولية للعطل الفنى هى المرجّحة، وقد أعلن المسئولون الأتراك أنها لم تُستبعد أى فرضية، بما فى ذلك التحقيق فى السجلات التقنية (الصندوق الأسود) للطائرة التى تم العثور عليها، وتستمر فرق التحقيق فى تحليل بياناتها.