الإثنين 24 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

عقل الرئيس

يظل السؤال الأكثر إلحاحًا لدى المجتمع والمفكرين والاقتصاديين والسياسيين.. كيف يفكر الرئيس؟ كيف يرى البلد؟ وكيف يقرأ التحديات؟ وما القواعد والمحددات التى تحكم رؤيته لإدارة مجتمع متنوع وممتد مثل المجتمع المصري؟



وخلال الأيام الأخيرة، تابعنا سلسلة مواقف وتصريحات ترسم ملامح واضحة لما يمكن أن نسميه بـ«عقل الرئيس».. رأى الرئيس ورؤيته؛ مواقف قدمت إشارات ومؤشرات دقيقة عن كيفية فهم الرئيس لمصر.. وعن مصر التى فى خاطره؛ مجتمعًا، ودولة، ومستقبلًا. 

تلك الملامح والمؤشرات، حين تُقرأ معًا، لا تكشف فقط طريقة تفكير القيادة السياسية، بل تمنحنا إطارًا لفهم اللحظة السياسية والاجتماعية التى تمر بها الدولة المصرية، وما الذى تنتظره القيادة وما الذى تعد وتخطط له.

كان بيان الرئيس بإعادة فحص الطعون الانتخابية، وإتاحة المسار حتى لو أدى ذلك إلى إلغاء نتائج بعض الدوائر، إشارة مبكرة إلى أن الشرعية فى عقل القيادة لا تكتمل إلا بوضوح الإرادة الشعبية.. رؤية رئاسية أنقذت الانتخابات البرلمانية. 

لم يكن هذا موقفًا بروتوكوليًا، بل معيار واضح لإدارة العملية السياسية.. حيث صوت المواطن هو نقطة البداية، وليس مجرد تفصيلة بين التفاصيل.

هذه الخطوة بما حملته من حزم ومرونة فى آن واحد، أعادت التذكير بأن الدولة ليست فى برج عاجى، وأن ما يحدث فى الشارع وتحت قبة اللجنة الانتخابية يسمع جيدًا فى قلب السلطة وفى قصر الرئاسة.

وفى مشهد آخر، كان حديث الرئيس ونقاشه مع طلاب أكاديمية الشرطة مؤشّرًا جديدًا لطريقة تعاطيه مع الفكرة الوطنية.. حين قال ببساطة ووضوح: «عايز أسمع منكم أسئلة وتعليقات وانتقادات».

هنا يعلن الرئيس عن فلسفة حكم.. وأن القيادة لا تكتمل إلا بالأسئلة..  وأيضًا بالجرأة على سماعها.. عقل الرئيس يطلب التفاعل، لا الصمت؛ يريد أن يبنى مؤسسات وعى لا مؤسسات طاعة.

وفى امتداد الرؤية ذاتها، يتجاوز الرئيس السياسة إلى التحليل الاجتماعي. حين يتساءل بصراحة: «نسب الطلاق زادت ليه؟».

ثم يربط الزيادة بنماذج الدراما التى قدمت أنماطًا مرفهة ومبالغ فيها، فإنه يكشف عن قراءة اجتماعية عميقة.. يرى أن الثقافة ليست للترفيه فقط.. بل هى أحد مصادر تشكيل الوعى العام، وبالتالى هى جزء من معادلة الاستقرار.. وهو ما يتطلب مجهودًا أكبر من كل مؤسساتنا الثقافية لتكون على قدر المسؤولية ورؤية الرئيس.

هذا الوعى الرئاسى لا يكتفى بتحديد المشكلة، بل يحدد مصادرها وتأثيراتها، ويعيد تقييم المناخ الاجتماعى والسياسى والاقتصادى المحيط بالأسرة المصرية.

على مستوى التحدى الاقتصادى، يظهر عقل الرئيس بصفته عقلًا واقعيًا يواجه المشكلة دون تجميل.. حين قال: «قلت لازم أحل مسألة مصر وفقرها».. فهو يضع الفقر باعتباره أصلًا فى المعادلة الوطنية، لا نتيجة. وحين يصرح قائلًا عن زيادة الأسعار: «أنا غليت غصب عني.. مش عايز الدين يزيد». 

كل هذا يكشف عن تفكير اقتصادى يحاول موازنة معادلتين متناقضتين.. ضرورة الإصلاح.. وخطر الدين على مستقبل الدولة.

إنه خطاب لا يتهرب من المشكلة، لكنه يسعى إلى ألا تتحول  إلى عبء دائم على وطن يتقدم بثقل سكانه وطموحات شبابه.

وفى الرؤية بعيدة المدى، تتضح ملامح عقل يريد أن يعيد تشكيل البنية المؤسسية للدولة..  فإعلان إنشاء مدينة للإعلام خلال 3 سنوات ليس مشروعًا معماريًا، بل إعلان ورغبة عن صناعة خطاب وطنى حديث، وبناء منصة قادرة على المنافسة، وصياغة حضور مصرى قوى فى زمن تتغير فيه أدوات التأثير كل يوم.

 تتجلى الرؤية فى حديثه عن معايير اختيار المرشحين للبرلمان، وفى إصراره على أن: «شباب مصر هم المستقبل».. فهو لا يرى الشباب كقوة عددية، بل كقوة إنتاج للسياسة والاقتصاد والمعرفة. تلك المؤشرات عند جمعها، تكشف أن صوت المواطن حاضر فى عقل الرئيس.. ليس حضورًا تجميليًا فى المشهد، بل أحد مصادر صناعة القرار.

وهذه المسافة القريبة بين المواطن والقيادة السياسية تمنح المجتمع طمأنينة بأن التطوير عملية مستمرة، وأن السلطة التنفيذية ليست بعيدة عن الناس، بل تتحرك وسطهم.. تسمع وتتفاعل وتعيد الحسابات.. وتؤكد أن صوت المواطن مسموع فى قصر الرئاسة.

 لا نتحدث عن مجرد تصريحات رئاسية، بل خريطة ذهنية لرؤية تحاول أن تمسك بالمجتمع كله.. من السياسة إلى الاقتصاد، من الشباب إلى الأسرة، من الانتخابات إلى الإعلام.

عقل الرئيس يحلل، ويسمع، ويصحح، ويعيد التفكير.. كل هذا يكشف ملامح مصر التى يفكر فيها الرئيس، ومصر التى يريد أن يراها.