نواب يصفق لهم المواطن لا الحكومة
البرلمان الذى نريد
عبد العزيز النحاس
فى لحظة تتحرك فيها الأقدام نحو اللجان الانتخابية، وتمتد الأيدى بثقة إلى الصناديق الآمنة، يتشكل فى وجدان المصريين حلم ببرلمان يصنع الفارق لهم، برلمان ينطق بلسانهم ولا يخشى المواجهة، يمتلك أدواته الدستورية ويدرك أن الرقابة ليست معركة، بل صمام أمان لحقوق الوطن والمواطنين.
غير أن هذا الحلم، فى لحظة ما، كاد يتحول إلى كابوس سياسى، بعدما طغت بعض الممارسات التى شوّهت المشهد الانتخابى، الأمر الذى دفع الرئيس للتدخل لإعادة ضبط بوصلته.. وهذا ما دفعنا لنطرح سؤالًا عن البرلمان الذى نريد، فالمواطن المصرى يستحق برلمانًا حى الصوت، يقظ الضمير، ونوابه ممثلون فعليون عن إرادته.

قبل أيام انتهت الجولة الأولى من المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب، فى انتظار جولة الإعادة، هذا بخلاف 19 دائرة انتخابية فى 7 محافظات ألغت الهيئة الوطنية للانتخابات نتائجها؛ نتيجة مخالفات جوهرية تم رصدها.
وخلال الأسبوع الجارى، تُجرى انتخابات المرحلة الثانية فى 13 محافظة، بعدما انطلقت خارج مصر أمس الجمعة، ويتنافس بالمرحلة الثانية على النظام الفردى 1316 مرشحًا، والقائمة الوطنية من أجل مصر بقطاعى القاهرة وجنوب ووسط الدلتا، وشرق الدلتا.
وفقًا للجدول الزمنى تسير الانتخابات بصورة طبيعية –بخلاف الدوائر الملغاة- إلا أن الكواليس السياسية تقول: إن الواقع قد تغير تمامًا فى أعقاب تعليق الرئيس عبد الفتاح السيسى على العملية الانتخابية، حيث قال فى منشور عبر صفحته الرسمية: «وصلتنى الأحداث التى وقعت فى بعض الدوائر الانتخابية التى جرت فيها منافسة بين المرشحين الفرديين، وهذه الأحداث تخضع فى فحصها والفصل فيها للهيئة الوطنية للانتخابات دون غيرها، وهى هيئة مستقلة فى أعمالها وفقا لقانون إنشائها».
وتابع: «أطلب من الهيئة الموقرة التدقيق التام عند فحص هذه الأحداث والطعون المقدمة بشأنها، وأن تتخذ القرارات التى تُرضى الله - سبحانه وتعالى – وتكشف بكل أمانة عن إرادة الناخبين الحقيقية، وأن تُعلى الهيئة من شفافية الإجراءات من خلال التيقن من حصول مندوب كل مرشح على صورة من كشف حصر الأصوات من اللجنة الفرعية، حتى يأتى أعضاء مجلس النواب ممثلين فعليين عن شعب مصر تحت قبة البرلمان، ولا تتردد الهيئة الوطنية للانتخابات فى اتخاذ القرار الصحيح عند تعذر الوصول إلى إرادة الناخبين الحقيقية سواء بالإلغاء الكامل لهذه المرحلة من الإنتخابات، أو إلغائها جزئيًا فى دائرة أو أكثر من دائرة انتخابية، على أن تجرى الانتخابات الخاصة بها لاحقًا».

وأطلب كذلك من الهيئة الوطنية للانتخابات الإعلان عن الإجراءات المتخذة نحو ما وصل إليها من مخالفات فى الدعاية الانتخابية، حتى تتحقق الرقابة الفعالة على هذه الدعاية، ولا تخرج عن إطارها القانونى، ولا تتكرر فى الجولات الانتخابية الباقية».
ثم تحدث الرئيس من جديد عن الانتخابات خلال حواره التفاعلى مع المتقدمين الجدد للالتحاق بأكاديمية الشرطة، وقال: «الانتخابات دى عبارة عن إيه؟ عبارة عن انتقاء يقوم به الشعب المصرى لمن سيمثلونه».
وأضاف: «لو أنا جيت اديتك أنبوبة بوتاجاز أو اديتك بون أو اديتك فلوس أو اديتك أى حاجة عشان تختار واحد غير صالح، الثمن ده أنت أقل.. أنت ما أخدتش حاجة؟.. المبلغ اللى أنت خدته ده ولا حاجة ده ما يساويش حاجة فى إنك أنت تمكن إنسان غير صالح وتخليه هو صوتك وصوت المصلحة بتاعت بلدك تبقى فى رقبته».
وتابع: «لو أنت عندك من الوعى وفاهم قد إيه أهمية انتقائك واختيارك لناس نجيبة وشريفة ومخلصة وأمينة وواعية ومتعلمة، قد إيه ده غالى قوى وما يتقدرش بدائله بأى مقابل، ده وعى آخر».

وأكمل الرئيس السيسي: «النهاردة أنت بتقول فى الانتخابات بلاش أجيب البرلمان خالص.. على مستوى الرئيس خد فلوس وانتخبنى أو انتخب فلان، وده مش كويس أوعى تعمل كده.. أنت هتمكن حد من مستقبل 120 مليونًا وهو أحمق أو جاهل أو متخلف أو متردد أو مش فاهم أو مش جاهز.. ده يقلقك جدًا؟».
وشدد الرئيس السيسى على ضرورة الاختيار الأفضل خلال الانتخابات، مضيفًا:»لو أنا فاهم كويس قوى مقتضيات الحفاظ على الدولة دى وإن اللى هيتولى مسئوليتها ويشيلها فى رقبته لو أنا بصوتى ده وأنا ما استقلش صوتى وأقول إيه أنا واخد من كام مليون؟.. لأ أنا هأعمل اللى عليا.. هاختار على قد ما أنا فهمت وبحثت وده بقى سهل دلوقتى إن الشخصية دى تمثلنى فى البرلمان أو الشخصية دى ممكن تتولى مسئولية الدولة».
رسائل الرئيس لم تكن تصريحات عادية بل كانت موجهة للجميع: نريد برلمانًا يليق بالدولة وبالمواطن المصري.
برلمان بلا شكليات
قال الدكتور مصطفى الفقى، المفكر السياسى، إن الرئيس السيسى أراد من رسائله بشأن العملية الانتخابية، بأن يقدم الشعب المصرى أفضل العناصر المتاحة بين المرشحين إلى مقاعد البرلمان، وألا يحكمنا الهوى أو الرشاوى المادية أو المعنوية، وأن كل هذه الأمور يجب أن تتوقف حتى نتمكن من الوصول إلى ديمقراطية حقيقية فيها شفافية كاملة، وقدرة على تمثيل الشعب المصرى تمثيلًا جيدًا، مؤكدًا أن هذا حق من حقوق المواطن وأى خلل فيه هو تفريط فى حقوق المواطن وتغيير لإرادته.

وشدد «الفقي» –فى تصريحات لـ«روز اليوسف»- على أننا نريد برلمانًا تصحو فيه الأحزاب، ونسمع حوارًا وطنيًا يخدم المصلحة العامة للدولة المصرية، وأن نتوقف عن الشكليات بأن يكون هناك مضمون لكل استجواب وسؤال ومناقشة.
مشهد ضبابي
من جانبه، قال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن المشهد الانتخابى الحالى يتسم بقدر كبير من الضبابية؛ لاعتبارات متعلقة بتحذيرات الرئيس السيسى من أحداث شابت العملية الانتخابية بالمرحلة الأولى، والرأى الأرجح لتدخل الرئيس فى هذا الأمر هو أنه حكم بين السلطات.
وأضاف «فهمي» –فى تصريحات لـ«روز اليوسف»، أن انتخابات المرحلة الثانية ستُجرى وسط تخوفات من عدم استكمال المشهد بطريقة أو بأخرى؛ نتيجة لتصريحات الرئيس، مشيرًا إلى أن هذا له علاقة بحسن اختيار المرشحين، الذى يتم وفقًا لأصول فى كل دول العالم، متابعًا: «هناك تجرؤ على تولى المناصب، بتاع اللحمة هيعمل إيه داخل المجلس؟!».
وأكد أستاذ العلوم السياسية، أننا أمام مشهد يحتاج مراجعة ووقفة حقيقية، فالبرلمان الذى ينتخب رئيس الجمهورية يجب أن يُنزه عن أى شيء، والأحزاب يجب أن تمارس دورها الحقيقى المنوط بها، وأن يخرج منها كوادر جقيقية، وألا نظل أمام 104 أحزاب كرتونية، فالدولة لا تحتمل أخطاء السياسيين أو أشباه السياسيين.
وشدد «فهمي» على أن البرلمان المقبل عليه أعباء كبيرة جدًا، وهناك تشريعات هامة للغاية نحتاج لصدورها، مشيرًا إلى أنه كان يتمنى أن يُمثل بالبرلمان كل شرائح المجتمع –دون كوتة لأحد- لنجد برلمانًا حقيقيًا يُشرع للدولة المصرية، مضيفًا: «البرلمان المقبل يجب أن يحصن نفسه، حتى لا يكون عرضة للطعن».
وأشار إلى أن كل دول العالم تراجع نظامها الانتخابى، والقائمة المطلقة المغلقة بها الكثير من الثغرات والسلبيات، مستطردًا: «هناك مرشحون داخل القائمة لا يعرفون بعضهم البعض».
وتابع: «المال السياسى موجود فى كل دول العالم، لكن ليس لدرجة أن يدفع شخص 100 مليون.. الإطار الشكلى الذى رأيناه مأساويًا وغير مسبوق».
إعادة «ضبط سياسي»
أكد الدكتور رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، أن البرلمان المقبل أمامه فرصة ليثبت للمواطنين وللنخب السياسية أنه على عكس المتوقع، بأن يمارس أدواره ومهامه ويستخدم أدواته الرقابية بإيجابية أكبر، بطرح مشروعات القوانين وتقديم طلبات الإحاطة والاستجوابات ومناقشة الحكومة، وحينها لن يكون هناك خلاف حوله.
وأضاف «فرحات» –فى تصريحات لـ«روز اليوسف»، أن الرئيس السيسى تصدى لما تم فى المرحلة الأولى للانتخابات حين استشرف الخطر نتيجة بعض التجاوزات التى أدت لاستياء رجل الشارع، وبحسه الأمنى والوطنى لبى نداء المواطنين لضبط وإعادة صياغة المشهد الانتخابى بشكل يعبر عن المواطنين.
وأشار إلى أن العملية السياسية كانت تحتاج إعادة صياغة وفقًا للرؤى التى نتجت عما تمت مناقشته بالحوار الوطنى، مرجحًا أن تشهد الفترة المقبلة تجاوبًا بصورة أكبر من الرئيس السيسى فى هذا الإطار، خاصة أنه حرص فى مناسبات عدة على التأكيد بأن يكون هناك مناخ ديمقراطي يتسع لمختلف الاتجاهات، وخير دليل على ذلك إطلاقه للحوار الوطنى الذى ضم شخصيات من مختلف الأيديولوجيات السياسية.
وقال «فرحات»، إنه كان يرى ضرورة أن يتم مد عمل المجلس الحالى عامًا آخر –وهذا ضمن صلاحيات الرئيس- حتى يتم النظر فى قانون الأحزاب السياسية وإجراء تعديلات على قانون مباشرة الحقوق السياسية ووضع ضوابط على مصادر تمويل الأحزاب والأموال التى تنفق فى العملية الانتخابية، متابعًا: «للأسف الوقت لم يعد يسمح بذلك، لكنى أرى أن ما اتخذته الهيئة الوطنية للانتخابات وهى هيئة وطنية نزيهة، من إبطال نتيجة الانتخابات فى 19 دائرة بالمرحلة الأولى، سيكون له مردود إيجابي بالمرحلة الثانية».
وعن المنتظر من البرلمان المقبل، أوضح أنه ينتظره الكثير من الأمور أهمها التعديلات المطلوبة فيما يتعلق بالمحور السياسى، وكذلك قانون الإدارة المحلية وإجراء انتخابات المجالس المحلية.
تغيير النظام الانتخابي
فيما يرى نجاد البرعى، المحامى الحقوقى، وعضو مجلس أمناء الحوار الوطنى، أن الطريقة التى أجريت بها الانتخابات بدءًا من النظام الانتخابى لا بد أن تتغير.
وأضاف «البرعي» –فى تصريحات لـ«روز اليوسف»، إننا نريد برلمانًا متنوعًا يمثل جميع الأصوات، وهذا غير متحقق فى النظام الانتخابى الحالي.
واختتم: «اللى هندسوا الانتخابات عاوزينها زى اللى فاتت».
ماذا يريد المصريون؟
الحديث مع النخب السياسية مهم للغاية لقراءة المشهد وطرح رؤاهم النابعة من خبراتهم الكبيرة، إلا أن رجل الشارع يظل هو الأهم فى أى معادلة.. لذا وجهنا السؤال لعدد من المواطنين عما يريدونه من البرلمان المقبل.
البداية كانت مع «محمد» عامل بمقهى شعبى قال: «مجلس الشعب مبقناش نحس بيه، زمان كان النائب بينزل ويكلمنا، دلوقتى معرفش مين فى الدايرة بتاعتي.. كل اللى أنا عاوزه إنهم يحسوا بينا ويوصلوا صوتنا للمسؤولين».
وهنا تداخل شاب فى الحديث –رفض ذكر اسمه- قائلا: «اسمى مش هيفرق معاك فى حاجة.. أنا واحد من سوهاج هكسب إيه لو كنت سافرت عشان أصوت مهى النتيجة معروفة».
وقال أشرف (53 عامًا): البرلمان طبعًا مهم، وفرحت إن الرئيس لغى التزوير اللى حصل، بس أنا كمواطن عاوز أحس إن النواب بيعملوا اللى أنا عاوزه، أنا مبعرفش فى السياسة أوى، بس اللى فاهمه إن هما دول اللى المفروض يكونوا صوتى، ولما الأسعار تغلى يتكلموا ويقولوا للحكومة إن الناس مش قادرة.







