الأحد 9 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
انتخابات مجلس النواب وحلم الديمقراطية!‏

انتخابات مجلس النواب وحلم الديمقراطية!‏

هذه ثلاثة أسابيع فى غاية الأهمية لكل مواطن فى مصر، فانتخاب مجلس نواب جديد ليس ‏مجرد موسم وعود وتصويت فى صندوق انتخابات، وإنما هو طريق إلى اختيار شكل ‏المستقبل وصناعته، ولا يجوز أن نتعامل مع هذا المستقبل بمنطق «حزب الكنبة»، يجلس ‏بعضنا فى منازلهم، يتابعون المشهد على شاشات التليفزيون أو يقلبون فى صفحات التواصل ‏الاجتماعى، أو يعطون ظهورهم لما يحدث قائلين فى أنفسهم: إحنا واخدين منها إيه؟



هذه سلبية وهروب إلى الخلف، كأننا ننام على رصيف أيامنا منتظرين أن يحل علينا الفرج ‏وتتحسن أحوالنا دون أن يكون لنا دور، متفرجون على البعد، أشبه بأبطال مسرحية صمويل ‏بيكيت الشهيرة «فى انتظار جودو»، التى تُسدل الستارة عليهم دون أن يأتى لهم جودو، ودون ‏أن نعرف هل له وجود حقيقى أم مجرد خيال فى عقولهم، وكانت المسرحية قد خرجت ‏للنور فى أوائل الخمسينيات من القرن الماضى، كجزء من موجة مسرح العبث التى سطعت ‏بعد الحرب العالمية الثانية.‏

وفى الانتظار السلبى قد يحدث واحد من احتمالين، أن تتحسن الأحوال تدريجيا ونشعر بها، ‏فنهلل ونصفق دون أن نفهم كأننا أرقام صفرية، أو تتحرك ببطء لا يعجبنا، أو أقل من ‏توقعاتنا فنمصمص شفاهنا ونتحسر ونلعن الزمن ونسب بعضنا بعضا على صفحاتنا ‏الافتراضية، متغافلين عن حقيقة بسيطة للغاية، أن الحياة لا تتقدم إلا بالقفز والجرأة والدأب ‏والعمل ودوام المحاولة، وأن الله قال لنا: اسعَ يا عبد وأنا أسعى معك، والدنيا لا يغير ‏أحوالها ويصلح أمورها إلا الناشطون الفاعلون المثابرون!‏

هل رأيتم انتخابات مجلس إدارة النادى الأهلى وكيف كانت بالرغم من انعدام المنافسة؟، ‏والأندية الرياضة حالها من أحوالنا، هى منا وأعضاؤها ليسوا كائنات من الفضاء الخارجى ‏أو بشرًا مختلفين عنا، كيف تجاهل أعضاء تماما أن نتائج الانتخابات محسومة، وأن مناصبها ‏الرئيسية بالتزكية؟

كان يمكن أن يجلس أعضاء الأهلى فى بيوتهم، يمصمصون شفاههم، ويقول كل واحد فيهم ‏للآخر: يا عم.. لماذا نوجع دماغنا، ونلبس وننزل ونقف فى طوابير ونصوت؟، أو تعالى نلعب ‏عشرتين طاولة فى شمس الخريف ونشرب كوبين من الشاى وسيبك من اللجان والتصويت ‏‏«والدوشة»؟

‏11 ألف عضو تقريبا نزلوا وتجمعوا وصوّتوا فى انتخابات مجلس الإدارة، كانوا يريدون أن ‏يبلغوا مجلس الإدارة الجديد أمرين.

الأول: أننا نؤيدكم وجئنا نبلغكم قرارنا بالرغم من عدم وجود منافسة.‏

ثانيا: أننا سنتابع أعمالكم وقراراتكم بنفس الاهتمام الذى صوتنا به لكم، والأمر ليس تفويضا ‏منا على بياض، وإنما هو تفويض مشروط بالأداء، ونحن الذين نقيم أداءكم ونراقبه!‏

صحيح أن الأندية الرياضية، مثلها مثل النقابات المهنية مختلفة إلى حد بعيد عن الأحزاب ‏وعالم السياسية، لكن المجتمع مؤسسات وأفرادا بتصرفاتهم العامة وفهمهم لأدوارهم هم الذين ‏يحولون هذه الكيانات إما إلى خلايا نحل أو بيوت عنكبوت!!

نعم الأندية والنقابات تتمتع بقدر كبير من الحرية فى حركتها منذ تأسيس أول نادٍ فى عام ‏‏1882 وهو نادى الجزيرة، وأول نقابة وهى نقابة لاففى السجائر للعاملين فى شركة الدخان ‏عام 1899، واحتفظت بهذا القدر من الحرية والنزاهة فى انتخابات مجالس الإدارات طول ‏تاريخها بالرغم من بعض «أزمات» ضربت البعض منها على فترات متباعدة أو متقاربة.‏

‏يعنينا فقط أن انتخابات الأندية والنقابات تشهد فى الغالب نسب إقبال معقولة وأحيانا كبيرة ‏من أعضائها، مما يمثل ضغطا «شعبيا» على مجالس الإدارات المنتخبة، فلا تنحرف أو ‏تُعوج، وإلا فالسقوط المريع لمجالس الإدارات فى الانتخابات التالية قادم لا محالة.‏

وبالمناسبة يقترب عدد الأندية المصرية من 900 ناد، موزعة فى أنحاء الجمهورية، قبلى ‏وبحرى غربا وشرقا، وليست كلها ذات طابع خاص وأعضاؤها من الطبقة الوسطى ‏الميسورة، إذ إن الأندية الشعبية لها وجود فى الأقاليم، وقيمة العضوية فيها مقدور عليه، ناهيك ‏عن مراكز الشباب المختلفة.. بينما عدد النقابات فى حدود 31 نقابة.

هل يمكن يا أهل مصر أن نفعل مثل أعضاء النادى الأهلى ونختار الأعضاء الذين يمثلوننا فى ‏مجلس النواب بقوة وكثافة، لكى تصلهم رسالتنا ويعلمون أننا لن نتركهم يتصرفون دون ‏رقابتنا ومتابعتنا لهم؟

قد يقول بائس أو يائس أو ممتعض أو مغبون أو حاقد أو عدو هارب من الوطن: يا عم لا ‏فائدة، السياسة فى بلادنا فى غيبوبة ودخلت إلى غرفة الإنعاش، فكيف ننتخب لها أعضاء فى ‏مجلس النواب؟

أنظر إليه غاضبا ولائما ساخرا: حتى لو كلامك صحيح، هل نتركها كذلك أم نعمل على ‏إنعاشها وتقويتها، فالسياسة تعنى الناس، فإذا لم ينزل الناس إلى صندوق الانتخابات فكيف ‏تتمتع السياسة بصحة جيدة؟

أعترف معكم بأن أحزابنا تعانى ضعفا، وقد تتعجبون لو قلت لكم إنه ضعف متوارث منذ ‏تأسيس أول ثلاثة أحزاب مصرية فى عام 1907، الأول حزب الأمة فى 21 سبتمبر على ‏أيدى مجموعة من كبار ملاك الأراضى الزراعية وكبار رجال العائلات وبعض رجال ‏السياسية والقانون والصحافة، والثانى حزب «الإصلاح على المبادئ الدستورية» فى 9 ‏ديسمبر، وأسسه الشيخ على يوسف صاحب جريدة المؤيد وانتهى الحزب بوفاته، والثالث ‏الحزب الوطنى حزب الزعيم مصطفى كامل فى 27 ديسمبر.

وكانت أسباب الضعف تتعلق بتشوهات هيكلية فى بنية المجتمع اجتماعيا واقتصاديا، تشوهات ‏ناجمة من حالة التخلف الشامل التى عاشها المجتمع المصرى قرونا طويلة، بعد الغزو ‏العثمانى لمصر فى عام 1517، فولدت هذه الأحزاب مبتسرة أقرب إلى منتديات فكرية دون ‏أن تمثل فئات عريضة فى المجتمع، وكانت تدعو إلى الليبرالية والارتقاء بالتعليم وبناء ‏ديمقراطية على أساس من النظام الدستورى، أو تنادى بالاستقلال عن الاستعمار الإنجليزى ‏وتحرض الشعب ضده.‏

حتى حزب الوفد نفسه، الذى صار حزب غالبية المصريين، كانت نشأته تفويضا من ‏المصريين لسعد زغلول وزملائه ليمثلوهم أمام الإنجليز مطالبين باستقلال مصر سلميا، وبعد ‏ثورة 1919 تحول التفويض إلى حزب..وكانت تركيبته من كل الطبقات والفئات، أى تركيبة ‏قومية، عمال وفلاحين وكبار ملاك وتجار وطلبة.. إلخ، وكان طبيعيا أن ينقسم بعد ذلك ‏ويتخارج منه عدة أحزاب.‏

وعموما الأحزاب تنشأ لأسباب مختلفة، وهى تطور طبيعى للبناء الطبقى دفاعا عن مصالح ‏هذه الطبقات، برؤية شبه شاملة للمجتمع فى كل جوانبه، ولهذا كانت السياسة فى مصر لها ‏مظاهر أو شكل ديمقراطى دون جوهر السياسة والديمقراطية، وهذه موضوع يطول شرحه، ‏بدليل أن ثورة يوليو حين حلت الأحزاب فى يناير 1953، فعلتها بجرة قلم وبسهولة شديدة، ‏وأيدت غالبية الشعب القرار، بالرغم من حب المصريين الشديد لمصطفى النحاس زعيم ‏الوفد!‏

وحين عادت الأحزاب فى عصر الرئيس أنور السادات، عادت بعيوب عصرها الأبوى الذى ‏يقوده الرئيس، حزب يمين، حزب يسار، وحزب وسط، والأحزاب لا تصنع هكذا، وكان ‏طبيعيا أن يستحوذ الحزب الذى تناصره السلطة أو تشكله على البرلمان، وتصبح الأحزاب ‏الأخرى هامشية، وأى حزب يعيش فى حضن السلطة يشبه الطفل المدلل الفاسد، لا يطور ‏نفسه ولا يستقيم حاله.

باختصار لا ديمقراطية دون سياسة، ولا سياسة دون انتخابات وجماهير وبرلمان وأخذ ورد، ‏وأى كلام محبط هو بالضرورة يعطل نمو السياسة، فالناس هى روح السياسة وأدواتها، ‏وعليها أن تسهم فى صناعة البيئة التى تنمو فيها الأحزاب مهما كانت الصعوبات والعراقيل، ‏فصوتك فى انتخابات مجلس النواب أيا كانت النتائج هو عملية تأسيس وليس تصويتًا!‏