نبيل عمر
انتخابات مجلس النواب وحلم الديمقراطية!
هذه ثلاثة أسابيع فى غاية الأهمية لكل مواطن فى مصر، فانتخاب مجلس نواب جديد ليس مجرد موسم وعود وتصويت فى صندوق انتخابات، وإنما هو طريق إلى اختيار شكل المستقبل وصناعته، ولا يجوز أن نتعامل مع هذا المستقبل بمنطق «حزب الكنبة»، يجلس بعضنا فى منازلهم، يتابعون المشهد على شاشات التليفزيون أو يقلبون فى صفحات التواصل الاجتماعى، أو يعطون ظهورهم لما يحدث قائلين فى أنفسهم: إحنا واخدين منها إيه؟
هذه سلبية وهروب إلى الخلف، كأننا ننام على رصيف أيامنا منتظرين أن يحل علينا الفرج وتتحسن أحوالنا دون أن يكون لنا دور، متفرجون على البعد، أشبه بأبطال مسرحية صمويل بيكيت الشهيرة «فى انتظار جودو»، التى تُسدل الستارة عليهم دون أن يأتى لهم جودو، ودون أن نعرف هل له وجود حقيقى أم مجرد خيال فى عقولهم، وكانت المسرحية قد خرجت للنور فى أوائل الخمسينيات من القرن الماضى، كجزء من موجة مسرح العبث التى سطعت بعد الحرب العالمية الثانية.
وفى الانتظار السلبى قد يحدث واحد من احتمالين، أن تتحسن الأحوال تدريجيا ونشعر بها، فنهلل ونصفق دون أن نفهم كأننا أرقام صفرية، أو تتحرك ببطء لا يعجبنا، أو أقل من توقعاتنا فنمصمص شفاهنا ونتحسر ونلعن الزمن ونسب بعضنا بعضا على صفحاتنا الافتراضية، متغافلين عن حقيقة بسيطة للغاية، أن الحياة لا تتقدم إلا بالقفز والجرأة والدأب والعمل ودوام المحاولة، وأن الله قال لنا: اسعَ يا عبد وأنا أسعى معك، والدنيا لا يغير أحوالها ويصلح أمورها إلا الناشطون الفاعلون المثابرون!
هل رأيتم انتخابات مجلس إدارة النادى الأهلى وكيف كانت بالرغم من انعدام المنافسة؟، والأندية الرياضة حالها من أحوالنا، هى منا وأعضاؤها ليسوا كائنات من الفضاء الخارجى أو بشرًا مختلفين عنا، كيف تجاهل أعضاء تماما أن نتائج الانتخابات محسومة، وأن مناصبها الرئيسية بالتزكية؟
كان يمكن أن يجلس أعضاء الأهلى فى بيوتهم، يمصمصون شفاههم، ويقول كل واحد فيهم للآخر: يا عم.. لماذا نوجع دماغنا، ونلبس وننزل ونقف فى طوابير ونصوت؟، أو تعالى نلعب عشرتين طاولة فى شمس الخريف ونشرب كوبين من الشاى وسيبك من اللجان والتصويت «والدوشة»؟
11 ألف عضو تقريبا نزلوا وتجمعوا وصوّتوا فى انتخابات مجلس الإدارة، كانوا يريدون أن يبلغوا مجلس الإدارة الجديد أمرين.
الأول: أننا نؤيدكم وجئنا نبلغكم قرارنا بالرغم من عدم وجود منافسة.
ثانيا: أننا سنتابع أعمالكم وقراراتكم بنفس الاهتمام الذى صوتنا به لكم، والأمر ليس تفويضا منا على بياض، وإنما هو تفويض مشروط بالأداء، ونحن الذين نقيم أداءكم ونراقبه!
صحيح أن الأندية الرياضية، مثلها مثل النقابات المهنية مختلفة إلى حد بعيد عن الأحزاب وعالم السياسية، لكن المجتمع مؤسسات وأفرادا بتصرفاتهم العامة وفهمهم لأدوارهم هم الذين يحولون هذه الكيانات إما إلى خلايا نحل أو بيوت عنكبوت!!
نعم الأندية والنقابات تتمتع بقدر كبير من الحرية فى حركتها منذ تأسيس أول نادٍ فى عام 1882 وهو نادى الجزيرة، وأول نقابة وهى نقابة لاففى السجائر للعاملين فى شركة الدخان عام 1899، واحتفظت بهذا القدر من الحرية والنزاهة فى انتخابات مجالس الإدارات طول تاريخها بالرغم من بعض «أزمات» ضربت البعض منها على فترات متباعدة أو متقاربة.
يعنينا فقط أن انتخابات الأندية والنقابات تشهد فى الغالب نسب إقبال معقولة وأحيانا كبيرة من أعضائها، مما يمثل ضغطا «شعبيا» على مجالس الإدارات المنتخبة، فلا تنحرف أو تُعوج، وإلا فالسقوط المريع لمجالس الإدارات فى الانتخابات التالية قادم لا محالة.
وبالمناسبة يقترب عدد الأندية المصرية من 900 ناد، موزعة فى أنحاء الجمهورية، قبلى وبحرى غربا وشرقا، وليست كلها ذات طابع خاص وأعضاؤها من الطبقة الوسطى الميسورة، إذ إن الأندية الشعبية لها وجود فى الأقاليم، وقيمة العضوية فيها مقدور عليه، ناهيك عن مراكز الشباب المختلفة.. بينما عدد النقابات فى حدود 31 نقابة.
هل يمكن يا أهل مصر أن نفعل مثل أعضاء النادى الأهلى ونختار الأعضاء الذين يمثلوننا فى مجلس النواب بقوة وكثافة، لكى تصلهم رسالتنا ويعلمون أننا لن نتركهم يتصرفون دون رقابتنا ومتابعتنا لهم؟
قد يقول بائس أو يائس أو ممتعض أو مغبون أو حاقد أو عدو هارب من الوطن: يا عم لا فائدة، السياسة فى بلادنا فى غيبوبة ودخلت إلى غرفة الإنعاش، فكيف ننتخب لها أعضاء فى مجلس النواب؟
أنظر إليه غاضبا ولائما ساخرا: حتى لو كلامك صحيح، هل نتركها كذلك أم نعمل على إنعاشها وتقويتها، فالسياسة تعنى الناس، فإذا لم ينزل الناس إلى صندوق الانتخابات فكيف تتمتع السياسة بصحة جيدة؟
أعترف معكم بأن أحزابنا تعانى ضعفا، وقد تتعجبون لو قلت لكم إنه ضعف متوارث منذ تأسيس أول ثلاثة أحزاب مصرية فى عام 1907، الأول حزب الأمة فى 21 سبتمبر على أيدى مجموعة من كبار ملاك الأراضى الزراعية وكبار رجال العائلات وبعض رجال السياسية والقانون والصحافة، والثانى حزب «الإصلاح على المبادئ الدستورية» فى 9 ديسمبر، وأسسه الشيخ على يوسف صاحب جريدة المؤيد وانتهى الحزب بوفاته، والثالث الحزب الوطنى حزب الزعيم مصطفى كامل فى 27 ديسمبر.
وكانت أسباب الضعف تتعلق بتشوهات هيكلية فى بنية المجتمع اجتماعيا واقتصاديا، تشوهات ناجمة من حالة التخلف الشامل التى عاشها المجتمع المصرى قرونا طويلة، بعد الغزو العثمانى لمصر فى عام 1517، فولدت هذه الأحزاب مبتسرة أقرب إلى منتديات فكرية دون أن تمثل فئات عريضة فى المجتمع، وكانت تدعو إلى الليبرالية والارتقاء بالتعليم وبناء ديمقراطية على أساس من النظام الدستورى، أو تنادى بالاستقلال عن الاستعمار الإنجليزى وتحرض الشعب ضده.
حتى حزب الوفد نفسه، الذى صار حزب غالبية المصريين، كانت نشأته تفويضا من المصريين لسعد زغلول وزملائه ليمثلوهم أمام الإنجليز مطالبين باستقلال مصر سلميا، وبعد ثورة 1919 تحول التفويض إلى حزب..وكانت تركيبته من كل الطبقات والفئات، أى تركيبة قومية، عمال وفلاحين وكبار ملاك وتجار وطلبة.. إلخ، وكان طبيعيا أن ينقسم بعد ذلك ويتخارج منه عدة أحزاب.
وعموما الأحزاب تنشأ لأسباب مختلفة، وهى تطور طبيعى للبناء الطبقى دفاعا عن مصالح هذه الطبقات، برؤية شبه شاملة للمجتمع فى كل جوانبه، ولهذا كانت السياسة فى مصر لها مظاهر أو شكل ديمقراطى دون جوهر السياسة والديمقراطية، وهذه موضوع يطول شرحه، بدليل أن ثورة يوليو حين حلت الأحزاب فى يناير 1953، فعلتها بجرة قلم وبسهولة شديدة، وأيدت غالبية الشعب القرار، بالرغم من حب المصريين الشديد لمصطفى النحاس زعيم الوفد!
وحين عادت الأحزاب فى عصر الرئيس أنور السادات، عادت بعيوب عصرها الأبوى الذى يقوده الرئيس، حزب يمين، حزب يسار، وحزب وسط، والأحزاب لا تصنع هكذا، وكان طبيعيا أن يستحوذ الحزب الذى تناصره السلطة أو تشكله على البرلمان، وتصبح الأحزاب الأخرى هامشية، وأى حزب يعيش فى حضن السلطة يشبه الطفل المدلل الفاسد، لا يطور نفسه ولا يستقيم حاله.
باختصار لا ديمقراطية دون سياسة، ولا سياسة دون انتخابات وجماهير وبرلمان وأخذ ورد، وأى كلام محبط هو بالضرورة يعطل نمو السياسة، فالناس هى روح السياسة وأدواتها، وعليها أن تسهم فى صناعة البيئة التى تنمو فيها الأحزاب مهما كانت الصعوبات والعراقيل، فصوتك فى انتخابات مجلس النواب أيا كانت النتائج هو عملية تأسيس وليس تصويتًا!











