محمد جمال الدين
هل يلقى السودان مصير فلسطين؟
هل كتب على المواطن العربى أن يعيش داخل دائرة الألم والمأساة طوال حياته؟ سؤال بالطبع مؤلم ويعكس الواقع المتكرر الذى نعانى منه جميعًا كمواطنين عرب. ويختصر الخوف من أن يتحول وطن عربى آخر مثل السودان إلى ساحة للخراب والدمار ينتج عنها فى النهاية نزوح من مناطق الحرب ثم التهجير، يعقبه تقسيم للوطن بين هذا وذاك، تلك هى محصلة عدم اهتمام وخذلان البعض من دول منطقتنا سواء لتعارض المصالح والأهداف، وتجربة فلسطين التى دمرها المحتل الإسرائيلى ليست ببعيدة. حيث تحول شعب شقيق بأكمله إلى لاجئين فى بلاد الله الواسعة. أقول هذا لأن الحرب المشتعلة فى السودان بين أبناء الوطن مزقت المدن وشردت الملايين وخلقت جراحًا عميقة من الصعب شفاؤها، فى الوقت الذى لم نسمع فيه صوتا للدول اشلتى تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وفى ظل عجز عربى موجع ليس له مبرر من وجهة نظرى سوى المصلحة، تتكرر مأساة فلسطين فى السودان، الاختلاف الوحيد فيما يحدث أن تلك الجريمة تتم على يد السودانيين أنفسهم وليست على يد المحتل. وفى الحالتين الضحية هو الإنسان العربى الذى وجد نفسه بين ليلة وضحاها ضحية لنار التآمر والطغيان وأصحاب المصالح والعملاء وباعة الأوطان. حينها سوف ينهار الوطن داخليا، وبالتالى سوف تتكالب عليه القوى الخارجية لتنهش فى أوصاله، لتصبح سيادته وبقدرة قادر فى يد الآخرين. هؤلاء تحديدا يلعبون فى الخفاء ويأتى على رأسهم الكيان الإسرائيلى الذى يحرك الأحداث من وراء هذا المشهد المظلم الذى يعانى منه بلد عربى شقيق. بالطبع لن نغفل هنا الأخطاء الجسيمة التى ارتكبتها النخب السودانية بجميع توجهاتها الفكرية وانحيازاتها السياسية. ولكن يظل دور هذا الكيان الإسرائيلى محوريا فى تحريك الأحداث لعلمه التام أن السودان يمثل العمق الاستراتيجى لمصر التى تعد بالنسبة له العدو الأول والأخير فى المنطقة العربية، لذلك كان لابد من العمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه، ومنعه من بناء دولة قوية موحدة، فهذا ضرورى لدعم وتقوية الأمن القومى الإسرائيلى. ومن أجل تحقيق هذا عملوا بجد على دعم الحركات الانفصالية وإرسال جميع أنواع الأسلحة إليها للتصدى للحكومة الشرعية، وتعطيل مشاريع التنمية. هذه العراقيل التى تفننت فيها حكومة الكيان هى نفسها ما ساعدت فى انفصال جنوب السودان عن شماله، وهى أيضا ما نتج عنها إيقاف العمل فى قناة (جونجلى) بعد أن أوعزت لأهل الجنوب أن ذلك المشروع سيكون وبالاً عليهم. وهى أيضا ما أشعلت وصعدت نار الحرب فى دارفور من خلال عميلها المجرم حميدتى قائد قوات الدعم السريع الذى ترتكب قواته أبشع الجرائم فى مدينة الفاشر.
ما يحدث فى السودان حاليًا من حروب وتدخلات خارجية، يؤكد أن هذا البلد الشقيق يمر بمرحلة فى منتهى الخطورة، بعد أن استطاعت قوات الدعم السريع العميلة احتلال مدن بأكملها فى غرب البلاد مما يعنى عمليا وفق منطق القوة والسيطرة، لا سيما فى ظل مواجهات مستمرة ومتجددة مع الجيش السودانى فى كل مناطق السودان تقريبًا، مما يجعل من السهل إمكانية انفجار الأحوال بصورة كاملة لتصبح هناك ولايات خارج سيطرة الدعم السريع أو حتى الجيش السودانى، وهنا يبدأ سيناريو تجزئة وتقسيم السودان، ليذهب البلد الذى كان يطلق عليه (سلة غذاء العالم) إلى مصير لا يعلم به إلا الله وحده. وقتها فقط سوف يتحول السودان شئنا أم أبينا إلى وطن ممزق وشعب مشرد، يحيطه صمت دولى وعجز عربى غير مفهوم.
لذا يظل السؤال الذى عنونت به هذا المقال، مطروحًا على المجتمع الدولى والعربى، ينتظر من يجيب عنه بكل حب وشفافية، ويغلب الإنسانية والضمير واحترام حقوق الإنسان والدول فى تحديد مصيرها، حتى لا يتحول السودان إلى فلسطين جديدة.>







