أحفاد فاطمة اليوسف: «روز».. سيدة لم يهزمها الاحتلال أو السلطة
                        حوار : هاجر عثمان
احتفالاً بمئوية تأسيس مجلة روزاليوسف، التقينا مع أحفاد السيدة فاطمة اليوسف، وأبناء الصحفى والكاتب الروائى القدير إحسان عبدالقدوس، حيث استقبلنا المهندس أحمد عبدالقدوس والكاتب الصحفى محمد عبدالقدوس، رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين سابقًا، فى منزل إحسان الكائن فى 23 شارع الجبلاية، المطل على ضفاف النيل، الذى لم يكن يومًا منزلاً عاديًا، بل ملتقى ثقافيًا وفنيًا مفتوحًا، للفنانين، المثقفين، والسياسيين من كل حدب وصوب. نستمع لذكرياتهم فى مقابلة مطولة عن جدتهم السيدة الملهمة ووالدهم الصحفى الكبير.
كيف تستحضرون شخصية فاطمة اليوسف (روزاليوسف) اليوم مع مرور مائة عام على تأسيس المجلة التى أصبحت مدرسة فى الصحافة والفكر؟
- أحمد عبدالقدوس: طالما انتظرنا هذه اللحظة بفخر وحماس كبير، بأن نحتفل هذا العام بمرور 100 عام على تأسيس هذه المدرسة العريقة فى عالم الصحافة فى مصر والعالم العربى، «فاطمة اليوسف» بجانب كونها جدتنا وأن والدنا إحسان عبدالقدوس، لكن هذه السيدة كانت واحدة من أبرز النساء اللواتى عرفتهن الحياة الفنية والصحفية والسياسية فى مصر، يشهد إنتاجها الفنى والثقافى وإسهاماتها المختلفة على جزء كبير من تاريخ مصر الحديث فى النصف الأول من القرن 20، ونحن فخورون بهذا الإرث التاريخى والإنسانى الذى تركته فاطمة اليوسف ومن بعدها إحسان عبدالقدوس. والدليل أن حضورهم قائم حتى بعد مرور هذه السنوات الطويلة من الغياب، هو قيام باحث أمريكى من جامعة ستانفورد العريقة، بإنجاز بحث عن حياة» إحسان عبدالقدوس» مطلع العام الجارى، سوف ينشر هذا البحث فى كتاب ويترجم إلى اللغة العربية قريبًا، أى إنه إلى يومنا هذا مازال هناك احتفاء عالمى وتقدير لبصمات مدرسة روزاليوسف التى تركتها على مستوى الفن والصحافة. وأتذكر أنه أثناء حديثى مع الباحث، قال عن أرشيف مجلة روزاليوسف منذ صدورها عام 1925 بأنه كنز حقيقى وشاهد عيان على تاريخ مصر الحديث.

- محمد عبدالقدوس: أبى وصف جدتى فى أحد النقاشات معه بإنها «معجزة إنسانية»، لم أدرك وقتها ما معنى هذا الوصف، ولكن عندما كبرت وبحثت عن فاطمة اليوسف، وجدت نفسى أمام سيدة ملهمة من سيدات القرن العشرين التى كانت تقف بمفردها تُحارب الملك، الإنجليز، حزب الوفد ثم ضباط يوليو بعد ثورة 1952، بدون خوف أو جزع.
لم أتخيل كيف لامرأة مثلها فى هذا الوقت تستطيع أن تقوم بكل ذلك دون أن تهتز، تعرضت للإفلاس والسجن ولم تستسلم، استمرت فى رسالتها الصحفية والسياسية. واعتقد أن بقاء مجلة روزاليوسف ليومنا هذا واحتفالنا بمائة عام على صدورها يعود للمفهوم التى أرسته فاطمة اليوسف لهذه المدرسة الصحفية الفريدة، كانت الصحافة لدى «فاطمة» بمثابة مُهمة وطنية أو ما أطلقت عليه» شرف الجهاد والدفاع عن قضية مصر».
 ما الذى تمثله روزاليوسف بالنسبة لكما: الجدة أم الرمز الصحفى؟ وكيف تتقاطع الصورتان، خاصة أنها رحلت وعمركما 10 سنوات؟
- محمد: نتذكر أيامنا عندما كنا صغارًا -أنا وأخى أحمد- ونذهب لها فى المجلة كانت تحتفظ بالحلوى لنا وبمجرد دخولنا عليها تعطيه لنا، وكنا الشخصين الوحيدين المسموح لهما بدخول مكتبها بدون استئذان، ثم إن يوم الأحد صباح يوم صدور المجلة، كانت تصطحبنا كأحفادها الثلاثة للإفطار معها فى جروبى وكان معنا ابن عمتى آمال طليمات، ثم نذهب إلى النادى الأهلى، ثم نعود للمنزل لنتناول الغداء معها، كان يومًا مبهجًا لنا كأطفال فى ذلك الوقت، كان مميزًا بالتنزه فى أكثر من مكان.
- أحمد (يتذكر ضاحكًا): «كان لازم نقعد مؤدبين، منتكلمش كتير»، هى صراحة كانت شخصية قوية جدًا، ونستطيع وصفها اليوم بأنها كانت امرأة « يتعمل لها 1000 حساب».
 «امرأة يتعمل لها 1000 حساب».. فى رأيكما كيف نجحت هذه المرأة فى أن تصبح معجزة إنسانية كما وصفها إحسان أو تصبح أسطورة نسائية ورمزًا صحفيًا وثقافيًا نحتفل بمئويتها اليوم؟
- محمد عبدالقدوس: هى فعًلا معجزة إنسانية وأسطورة، لكِ أن تتخيلى فتاة مراهقة قادمة من لبنان، ماتت أمها وهى تلدها، ويقرر الأب أن يضعها مع أسرة بديلة لتربيتها، هذه العائلة تقرر الهجرة إلى البرازيل وتحمل الطفلة معهم، لتعلم قبل السفر إنها ليست عائلتها الأصلية، وكان عمرها 9 سنوات تقريبًا، تهرب منهم فى المركب القادمة على الإسكندرية ثم تذهب لعائلة رجل يدعى إسكندر فرح،وكان مسيحى الديانة، وقرر تربيتها مع بناته الأربعة وهو من أطلق عليها «روز» بدل فاطمة محمد محيى الدين، وكان يعمل فى المسرح، ومن هنا تنطلق فاطمة لعالم المسرح لتعبد طريقها الصعب بمفردها متكأة على إصرارها وعزيمتها للوصول للنجاح.
 رغم كل هذه الظروف المحيطة بنشأتها نجحت؟
- أحمد عبدالقدوس: هى كانت امرأة فريدة تقف بمفردها أمام العالم، علمت نفسها بنفسها بدون الالتحاق بمدارس أو تعليم، وكان يقف خلفها أيضًا شخصيات مُخلصة مثل الفنان عزيز عيد الذى اكتشفها فى المسرح ثم جورج أبيض، وكانت الحياة مدرستها الحقيقة، ونظرا لكونها امرأة جادة ومكافحة، استفادت جيدا من دروس الحياة وتعلمت كثيرًا، ولم تستسلم رغم كل الصعوبات والمعارك التى عايشتها هذه المرأة بدءا من ميلادها وانطلاقها الفنى والصحفى، كانت شخصية صلبة وحقيقية وصاحبة مبدأ، لم تتنازل يومًا من أجل الحصول على مصلحة أو ميزة أو سلطة، عاشت وماتت وهى مخلصة لأفكارها، ومن أجل أن تظل مجلة روزاليوسف « صوت حر فى وجه أى نظام سياسى، كان انحيازها الأول والأخير لمصلحة الوطن وليس المصالح الشخصية التى كان يتهافت عليها الكثيرون والموجودين فى كل عصر وزمان».

 على ذكر كفاحها وعدم استسلامها، موقفها بعد مصادرة مجلة روزاليوسف بعد أزمتها مع حزب الوفد فى أواخر العشرينيات.. نقف كثيرًا أمام سيدة بهذه القوة؟
- محمد عبدالقدوس: كان لديها إصرار وعزيمة على وصول الرسالة الصحفية حرة، حتى لو كلفها ذلك بيع أثاث منزلها، وكلما كانت الحكومة تصادر مجلة، كانت تتحايل على قرار المصادرة والرقيب، كلما أغلقوا لها مجلة كانت تصدر مجلة جديدة بأسماء مختلفة مثل (الرقيب – صوت الحق – مصر الحرة)، كانت تقف جدتى والمجلة فى وجه الجميع دون خوف، لم تيأس مرة او استسلمت وتوقفت عن ممارسة مهامها الصحفية ورسالتها التى كانت تعتبرها قضية دفاع عن الوطن.
- أحمد عبدالقدوس: أعتقد لا يوجد مجلة فى العالم شرقًا وغربًا تحمل اسم سيدة، قبل صدور المجلة كانت على خلاف فنى مع يوسف وهبى، حول نظريته بأن «الجمهور عايز كده»، وكانت ترى» مفيش حاجة اسمها الجمهور عايز كده ودورنا كفن وصحافة نرفع مستواه «، وفكرت فى إصدار مجلة، حتى لو كلفها ذلك بيع كل شىء تملكه، وجلست تفكر مع أصدقائها حول اختيار اسم المجلة، والدليل على ذكائها وقدرتها أيضًا الإدارية لمجلة وليدة آنذاك، قررت إطلاق اسمها على المجلة، قائلة لأصدقائها إن اسمها المعروف فى عالم المسرح والفن، سيساهم فى فرص توزيع وانتشار المجلة سريعًا ،وبالتالى تحقيق عائد مادى من البيع يضمن استمرارها. وبالفعل ظلت المجلة مستمرة رغم أزمات معاركتها المختلفة بدءا من الملك حتى الضباط الأحرار، وفترات مصادرتها وصوًلا لفترة التأميم وسيطرة الدولة على المطبوعات حتى احتفائنا اليوم بمئويتها.
 لو تحدثنا عن بداية عمل إحسان عبدالقدوس الصحفى.. هل صحيح أن فاطمة اليوسف كانت رافضة لدخوله عالم الصحافة وهذا ما دفعه لكتابة مقالات بأسماء مستعارة ويرسلها للنشر؟
- أحمد: اعتقد كان ذلك فى البدايات ونابع من خوفها عليه كأم، من دخول مجال صعب وشاق كالصحافة، خاصة أن المجلة كانت معاركها كثيرة ولا تنتهى، واختبرت بنفسها «جدتى» السجن، وكانت تخشى عليه من نفس المصير، لكن تحول الأمر تمامًا فيما بعد، وأصبحت فخورة به بعد مقاله ضد السفير البريطانى اللورد كيلرن، بعنوان «هذا الرجل يجب أن يذهب»، ذلك المقال الذى ذهب بإحسان للسجن، ولكنه خرج منه ليصبح رئيس تحرير لمجلة روزاليوسف وهو عمره 27 سنة فقط، وقالت له فاطمة اليوسف آنذاك «لم يتول صحفى رئاسة تحرير المجلة إلا ولو ذهب للسجن أوًلا، وبعد دخولك له ستصبح رئيس تحرير روزاليوسف.»
- محمد: فى الحقيقة أول كتابات إحسان كانت « قصة» وليس مقالًا صحفيًا عام 1938، وأرسلها بدون اسم، وعندما نُشرت فى المجلة، كان والدى فرحًا جدًا بذلك وذهب لفاطمة اليوسف مبتهجًا بما حدث، ولكن النتيجة كانت عكس ذلك، نهرته بشدة وعاقبته وخصمت له مصروفه الذى كان 10 «صاغ» فقط. كانت ترفض إنه يكون خياليًا حالمًا روائيًا مثل والده وطليقها آنذاك الفنان محمد عبدالقدوس، وطلبت منه أن يكون واقعيًا ويركز فى العمل الصحفى، وفى الحقيقة إحسان لم يخب ظنها، وحقق نجاحات صحفية ممتازة بدءًا من مقاله ضد السفير الإنجليزى « كيلرن» الذى أشار لها أحمد، وصولاً لتحقيق الأسلحة الفاسدة قبل قيام ثورة يوليو وغيرها من الموضوعات الصحفية ذائعة الصيت والتأثير فى المجتمع المصرى.
 ما تأثير روزاليوسف على إحسان عبدالقدوس فى طفولته وتكوينه الفكرى؟
- محمد: عمتى آمال طليمات كانت تقول «إن إحسان يكتب على طريقة روزاليوسف ويعيش حياته على طريقة العباسية»، نشأ إحسان فى منزل جده لأبيه الفنان محمد عبدالقدوس، وكان جده قاضيًا شرعيًا أزهريًا، بعد انفصال محمد عبدالقدوس عن فاطمة اليوسف، وتولت عمة إحسان تربيته مع أبنائها، وكان البيت رغم إنه محافظ إلا إنه كان جده القاضى الشرعى يهوى الطرب والفن، وهذا البيت كان يكرس فى إحسان كل قيم الرجولة مثل أن يعطى أبناء عمته عصا ليضرب ابنة عمته حتى يؤدبها ويصلب عوده كرجل، نشأ إحسان فى كنف عمته هذه السيدة التى لا تخرج من المنزل، ولكنها ناجحة تديره وتربى الأبناء .
فى المقابل، منزل والدته فاطمة اليوسف، هذه السيدة التى تجلس وسط المثقفين والسياسين وتناطح أكبر راس فى الدولة، هذه النشأة المليئة بالتناقضات بلا شك صنعت من إحسان أفكاراً مختلفة، فهو يكتب مثل فاطمة اليوسف، يخوض المعارك الصحفية والفنية ويعيش منطلقا، وأثرت «روز» بقوة على تكوين شخصيته الصحفية والأدبية، ودعمها وتشجيعها له، بأن يصبح رئيس تحرير فى عمر 27 سنة كان مؤثرا للغاية فى بداية مشواره.
لكن فى المقابل عندما تزوج أمى «لولا» هو أرادها أن تظل فى المنزل، وكان محافظاً جدا فى المنزل، فهى لا تخرج دون إذنه، دورها الأساسى تربيتنا ورعاية شئون المنزل، وهذا ما قصدته عمتى آمال يعيش حياته على طريقة العباسبة، وحقيقى والدتى كانت نعم الزوجة، ساندته فى مشواره ونجاحه، وكان يعتمد عليها بقوة داخل المنزل، وكان يقول دائما «لولا لولا لما كان سانو»، وسانو هذا دلع إحسان.
 ما أبرز ما ورثه إحسان عبدالقدوس عن والدته: شجاعة الكلمة؟ الجرأة السياسية؟ أم إيمانه بدور الفن والأدب فى التغيير؟
- أحمد: أهم ما ورثه إحسان من «روز» هو الثبات على المبدأ. وأن المبدأ لايُشترى بثمن. ونحن أيضًا أنا ومحمد ورثنا هذه الصفة منهما. كانت «روز»على استعداد تمامًا لخسارة أى شيء مقابل عدم تنازلها عن رأيها أو موقفها السياسى، أتذكر صورة لها أثناء ذهابها للسجن بسبب معركة المجلة مع حزب الوفد، كانت تضحك فى الصورة، غير مكترثة بمسألة حبسها، كانت امرأة قوية وصاحبة مبدأ.
- محمد: أبى كرر مافعلته جدتى عندما اعتقل فى 1954، وعندما اعتقلنى السادات فى سبتمبر 1981، ورفض رغم صداقته بالسادات أن يطلب منه الإفراج عنى، لأنه مؤمن بأنِ من حقوقى يكون لدى رأى حر ومختلف ولا يتسبب ذلك فى اعتقالى.
 كيف ساهم إحسان عبدالقدوس فى تطوير المجلة بعد توليه رئاسة تحريرها خلفًا للسيدة فاطمة اليوسف؟
- أحمد: عندما تولى إحسان رئاسة تحرير المجلة عام 1944، أراد أن يضخ دماءً شابة جديدة، رغم وجود قامات كبرى تكتب فى المجلة آنذاك مثل: طه حسين، المازنى والعقاد، ولكنهم لم يحققوا طموحات وآمال إحسان فى تصوره عن تطوير المجلة ومستقبلها. فاستغنى عنهم جميعًا، وضم للمجلة كتابًا ورسامى كاريكاتير شباب مثل أحمد بهاء الدين، صلاح جاهين، مصطفى محمود.. إلخ. وهذا التجديد والروح الشابة التى زرعها إحسان فى المجلة ظلت مستمرة لسنوات، وأصبحت مدرسة روزاليوسف صك اعتراف فى حد ذاتها، للصحفى الذى يكتب على صفحاتها وشهادة موثقة بأنه صار صحفيًا.
وأتذكر أن الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، ذكر فى أحد كتاباته أن روزاليوسف وإحسان اختصروا 10 سنوات من مسيرته الصحفية، إشارة لما حققه من إنجازات واكتسابه خبرات مهنية كبرى بعد انضمامه لمدرسة روزاليوسف.
- محمد: أحمد بهاء الدين، كان طالبًا عمره لايتجاوز 20 سنة، وكان يأتى أسبوعيًا للمجلة ويُسلم مقاله للبواب، حتى يسلمها لرئيس التحرير، وكان يتم نشرها فعًلا، وفى إحدى المرات فوجئ «بهاء الدين» أن مقالته منشورة بدًلا من مقال رئيس التحرير، وبعدها ذهب للمجلة لتسليم مقال جديد، لكن البواب قاله له أنت مقبوض عليك الآن، ومطلوب أن تقابل السيدة فاطمة اليوسف وإحسان، وبالفعل دخل أبواب مدرسة روزاليوسف وبعد 4 سنوات أصبح رئيس تحرير مجلة صباح الخير فى منتصف الخمسينيات.

 هل كانت هناك خلافات فكرية أو سياسية بين إحسان ووالدته فاطمة اليوسف؟
- أحمد: نعم كثيرة جدًا، وكان مكتبهما متقابلان فى المجلة وكانت « تزعق وتشخط له عادى»، ولكن تظل اختلافات - وليس خلافات - مهنية وفكرية عنيفة فى بعض الأحيان، وهو أمر متسق تمامًا مع شخصية فاطمة اليوسف، كانت سيدة قوية وحادة جدًا مع كل العاملين بالمجلة، كانت تضع ميزاينة المجلة فى حقيبتها وهى صاحبة القرار الأول فى الإنفاق! وكان الجميع يٌقدرونها رغم سيطرتها الشديدة ويلبون أوامرها فى طاعة مطلقة.
وأتذكر من خلال البحث والاطلاع لاحقًا، أنه كان أبرز خلاف سياسى ومهنى جمعها بوالدى هو موقفه من الضباط الأحرار بعد قيام ثورة 1952، كانت تعتبر والدى «ساذج» وإن كل ما أعلنه الثوار هو مجرد أوهام لن تتحقق، وكانت تحذر إحسان من الانسياق الساذج خلف الضباط الأحرار، وتنذره بأن هذه الأحلام الثورية لن يتحقق منها شىء.
 ولكن ماذا حدث بعد أن تحققت توقعاتها فى حركة الضباط، واعتقال ضباط يوليو ابنها إحسان عام 1954 بسبب آرائه؟
- محمد: لم تهتز، ولم ترضخ لضغوط المحيطين الذين نصحوها بالذهاب للضباط الأحرار وخصوصًا عبدالناصر، لتطلب منه الإفراج عن إحسان، وقالت إن روزاليوسف لن تتنازل عن موقفها أو رأيها، وإن إحسان لم يخطئ لأنه عبر عن رأيه، وقالت لفظًا» ابنى مسجون إن شاء الله يتعدم بس أنا مش هتنازل»، وكانت ترى أن جمال عبدالناصر هو من يذهب إليها وليس العكس، حتى من باب الاتيكيت فهى أكبر سنا منه.
واكتفت فاطمة اليوسف بالرد على سجن إحسان، بإنها لم تنشر خبرًا أو موضوعًا على صفحات المجلة عن ثورة يوليو أو نشاط الضباط الأحرار، وكان رداً قاسياً ومؤثراً منها ورسالة واضحة كذلك برفضها لسجن إحسان، حتى أمضى فى محبسه 3 شهور وخرج دون أن تتدخل فاطمة اليوسف.
 أخيرًا.. ما الذى يمكن للجيل الجديد من الصحفيين والكتّاب أن يتعلمه من تجربة فاطمة اليوسف وإحسان عبدالقدوس ونحن نحتفى بمئوية روزاليوسف؟
- محمد: روزاليوسف عاصرت أهوالاً ومعارك عنيفة مع كل الأنظمة السياسية التى حكمت مصر، وواجهت الرقابة والمصادرة ولم تيأس فاطمة ثم كل من عمل بعدها، لذا أقول لشباب الصحفيين لا تيأسوا، كافحوا من أجل مستقبل أفضل، أخلصوا للصحافة ولرسالتها ومسئوليتكم تجاه الوطن والمواطن.
 
                        

                                    



