شكرًا قارئ روزاليوسف «الصحافة ممكنة»
روزاليوسف
بينما تتسارع الشاشات، وتختصر المنصات كل شىء فى ثوان معدودة، وفى وقت يزعم البعض أن الصحافة الورقية قد تنتهى، جاء تفاعل القُراء مع العدد التذكارى لمجلة روزاليوسف، الصادر بمناسبة مئوية صدورها الأسبوع الماضى، ليفاجئ الجميع، ويثبت العكس تمامًا، ويؤكد على أن الكلمة المطبوعة لا تموت، وأن الورق حين يحمل الصدق لا يُهزم أمام أى شاشة.. لأن المضون هو البطل مهما اختلف الوسيط.
فى مئويتها الأولى، لم تحتفل روزاليوسف بتاريخها فقط، بل احتفلت بما هو أعمق وأبقى.. بثقة القارئ، وبإيمان عميق بأنه رغم كل التحديات «لسه الصحافة ممكنة».
لم يكن «عدد القرن» من المجلة، مجرد مناسبة رمزية، بل كان امتحانًا جديدًا لفكرة الصحافة نفسها.. هل هناك من ينتظر الكلمة المكتوبة؟.. هل للقلم تأثير فى زمن «التريند»؟
وجاء الجواب واضحًا.. من الشارع، ومن أكشاك الصحف، ومن مواقع التواصل نفسها.. فى 48 ساعة فقط، نفد العدد من الأسواق، ولم تكن هذه الأرقام مجرد «توزيع ناجح»، بل استفتاء شعبى على قيمة الصحافة حين تكون صادقة ومسؤولة.
القارئ الذى بحث عن العدد واحتفى به وكتب عنه، لم يكن يحتفى بماضٍ من الحبر والورق، بل بمستقبل من الإيمان بالوعى والمعرفة.
هذا القارئ هو البطل الحقيقى فى قصة المئوية، وهو من أثبت أن «روزاليوسف» ليست مجرد مجلة سياسية أو فكرية أو فنية فقط، بل ضمير ثقافى لأمة، وصوت لا يشيخ مهما تغير الزمن.
على مدى 100 سنة، ظلت روزاليوسف مرادفًا للشجاعة.. منذ أن أضاءت الست فاطمة اليوسف شمعتها الأولى عام 1925، كان الرهان واضحًا.. أن تكون المجلة منبرًا للحرية، ومدرسة للرأى، ومساحة للجدل والفكر الجرىء.
آمنت أن الصحافة لا تكون صحافة إلا حين تكون ضميرًا حرًا، وهذا ما جعلها تبقى، فى عالم تغير فيه كل شىء، من طريقة القراءة إلى شكل الخبر نفسه؛ بقيت روزاليوسف محتفظة بروحها، لأنها لم تضعف أمام «الزمن الرقمى»، ولم تفقد ثقتها فى القارئ.
لقد أثبتت روزاليوسف أن هذا القارئ موجود، حاضر، ومتعطش للفكر والنقاش، وأن الجيل الجديد لم يفقد احترامه للمؤسسات العريقة، بل كان ينتظر فقط ما يستحق احترامه.
عدد القرن هو بيان ولادة جديدة للصحافة المصرية..رسالة تقول إن الصحافة الورقية لا تموت إذا كانت تمتلك ما تقوله، وإن بقاء المضمون أعمق من تغير الوسيلة.
عودة «روزاليوسف» إلى التأثير بهذا الزخم ليس مكسبًا للمجلة فقط، بل للوطن كله، فكل فكرة تطرحها وتتبناها المجلة، من الدفاع عن المواطنة، إلى محاربة التطرف، إلى الانحياز للعدالة والعقل، هى فى جوهرها استثمار فى الوعى الجمعى، وتحصين ضد كل محاولات التبسيط أو التشويه أو الاستقطاب.
نبدأ اليوم السنة الـ101 من عمر المجلة، نحمل معنا عبء التاريخ وجلال المسؤولية، نستمد من الماضى ضوءًا، ومن القارئ دافعًا، ومن المستقبل أملًا لا ينتهى، ومعه نعد القارئ، أن تظل روزاليوسف منبرًا للفكر، وصوتًا للحرية، وتكتب بضمير لا يعرف المساومة، وبقلم لا يخاف، وبإيمان لا يتغير بأن الكلمة الحرة قادرة على أن تصنع غد أفضل.
شكرًا لقارئ روزاليوسف الذى أعاد إلينا المعنى، وشكرًا لكل من أثبت أن الصحافة ليست ماضيًا يروى، بل هى حاضر يُصنع، ومستقبل يُبنى، فما حدث فى المئوية لم يكن نهاية فصل، بل بداية قرن جديد من الحلم والمسؤولية.
ولأن الصحافة الحقيقية لا تعرف التقاعد، فإن روزاليوسف فى عامها الـ101 لا تبدأ من الصفر، بل من الثقة التى منحها لها القارئ.. تلك الثقة التى نعد أن نصونها، ونكبر بها، ونسعى للحصول عليها فى كل عدد جديد.. إيمانًا واقتناعًا أن مصر تستحق صحافة تشبهها.. جريئة.. عاقلة.. وشريفة.







