الخميس 6 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
تجربة الصاروخ «بوريفيستنيك».. نهاية الحرب الباردة واشتعال السباق النووى

تجربة الصاروخ «بوريفيستنيك».. نهاية الحرب الباردة واشتعال السباق النووى

منذ اللحظة التى أعلنت فيها موسكو نجاح تجربتها لصاروخ «بوريڤيستنيك» النووى العابر للقارات، بدا واضحاً أن العالم لا يقف أمام تطور تسليحى فحسب، بل أمام منعطف يعيد تعريف معادلة الردع التى استقرت ـ نسبياً ـ منذ نهاية الحرب الباردة.



 فالصاروخ الذى يعتمد على محرك ذى نظام دفع نووى يمنحه مدى شبه غير محدود وقدرة على التحليق لخمسة عشر ساعة عبر مسارات غير قابلة للتوقع، لا يُقرأ باعتباره سلاحاً جديداً بقدر ما هو إعلان رمزى واضح أن موسكو حسمت خيارها بالانتقال من منطق «الردع المتوازن» إلى «الردع المتحرك «الذى يعيد الضغط على كل منظومة الأمن الدولى.



هذه التجربة تأتي في لحظة خطرة من تاريخ سباق التسلح النووي، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الحد من القوات النووية المتوسطة (INF)، ثم اهتزاز صيغة «نيو ستارت» التي بقيت آخر خطوط الضبط الاستراتيجي بين القوتين الأكبر. 

وفي ظل هذا الفراغ، تبدو واشنطن ماضية في سياسة تطويق روسيا عبر توسع تدريجي للناتو شرقاً، ودعم كييف عسكرياً واستخبارياً بهدف دفع موسكو إلى التراجع في أوكرانيا، وربما إعادتها داخل حدود ما قبل 2014. غير أن الكرملين، وهو يخوض معركة يرى أنها وجودية وليست جيوسياسية فحسب، اختار أن يرفع مستوى المخاطرة لا أن يخفضها.

من منظور استراتيجي بحت، يعلن «بوريڤيستنيك» أن روسيا تبعث برسالة مزدوجة..الأولى للغرب، ومفادها أن منظومات الدرع الصاروخي الأمريكية والأوروبية لم تعد تضمن أي تفوق دفاعي. والثانية للصين، التي تراقب المشهد من موقع شريك استراتيجي لا حليف عسكري، بأن موسكو لن تقبل أن تُختزل إلى قوة إقليمية، حتى ولو كلف ذلك الدخول في سباق تسلح مفتوح، وفي المقابل، تبدو أوروبا في وضع إرباك استراتيجي حاد؛ فهي من جهة في قلب نطاق التهديد، ومن جهة أخرى عالقة فى علاقة تبعية للقرار العسكرى الأمريكى، دون امتلاك سياسة نووية أوروبية مستقلة.

 

إن أخطر ما يحمله هذا التطور ليس البعد التسليحى فقط، بل ما يعكسه من انهيار متسارع لمنظومة الضبط الدولى للسلاح النووى. 

فالعالم يعود إلى لحظة «ما قبل الفلسفة» فى معادلة الردع، مزيد من اللا يقين، ومزيد من حسابات اللحظة لا حسابات المؤسسات. وهو ما يعنى أن الشرق الأوسط ـ بما فيه من محاور متداخلة، وبؤر اشتعال مفتوحة ـ سيجد نفسه أكثر عرضة لتأثيرات هذا الانفلات الجيوسياسى، سواء عبر سباقات تسلح متسارعة، أو عبر إعادة صياغة ميزان النفوذ الدولي داخل الإقليم.

ومصر، التي تدرك بحسّ استراتيجي عميق خطورة التحولات العالمية خارج حدودها، تنظر إلى هذه التطورات لا بوصفها استعراض قوة ، بل علامة على انتقال النظام الدولى إلى «مرحلة السيولة الكاملة»، التى تتطلب تعزيز الذات الوطنية والمؤسسية، وتحصين المجال الإقليمى عبر مقاربة تستبق الانكشاف بدلاً من الاكتفاء برد الفعل.

 فالدول التى تقرأ التاريخ جيداً تعلم أن لحظات إعادة توزيع القوة تكون دائماً هى الأكثر خطورة على الاستقرار العالمى.

في المحصلة، لا يمكن النظر إلى «بوريڤيستنيك» كسلاح خارج قواعد اللعبة، بل كإشارة صارخة إلى أن قواعد اللعبة نفسها تُعاد كتابتها. 

اختبار الصاروخ ليس عرضاً تقنياً، بل إعلان وجودى بأن ميزان الردع يعود إلى نقطة لا تلزمه فيها أطر الحرب الباردة، ولا تقيده فيها معاهدات ضبط السلاح التي غادرتها القوى الكبرى واحدة تلو الأخرى.

 السؤال الآن لم يعد إلى أى مَدى يصل الصاروخ؟.. بل إلى أى مدى يستطيع النظام الدولى تحمل هذا النوع من القفز خارج كل قواعد اللعبة؟!