الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
سلامة موسى ضد ظلام الجهل والتطرف والخرافة والطائفية

شخصية معرض الكتاب 2026 العقل والعلم والحرية والتنوير والدولة المدنية..

سلامة موسى ضد ظلام الجهل والتطرف والخرافة والطائفية

سلامة موسى (1887 – 1958) هو واحد من أهم أعلام النهضة الفكرية فى مصر، وصوت بارز فى الدعوة إلى العقلانية والتنوير، والدولة المدنية والعلمانية، ومناهضة الجهل والتطرف والطائفية. جمع سلامة موسى فى كتاباته بين النقد الأدبى والتحليل السياسى والاجتماعى، وبين الفكر الإصلاحى والحداثى، مما جعل منه نموذجًا لأحد أهم المفكرين والمثقفين المصريين الذى لم يكتف بالملاحظة، بل سعى إلى التغيير البناء.



 كتابات مجهولة

مؤخرًا، صدر كتابان جديدان لروبير الفارس.. يقدمان نصوصًا لم تنشر من قبل، وكانت متفرقة فى عدد من الدوريات والمجلات الصحفية. الأول هو «سلامة موسى.. صور موجزة لأدباء مصر.. كتابات مجهولة»، والثانى «سلامة موسى.. الإصلاح الاجتماعى..  كتابات مجهولة». الكتابان معاً يشكلان مادة فكرية ثمينة لإعادة اكتشاف سلامة موسى من خلال محتوى جديد لمشروعه الفكرى والاجتماعى، بعيدًا عن الصورة المبسطة للمفكر الكبير، ويضيفان إلى مسيرته النقدية والسياسية والاجتماعية.

 

 صور موجزة لأدباء مصر

يجمع هذا الكتاب مقالات قصيرة كتبها سلامة موسى عن أبرز الأدباء المصريين فى مطلع القرن العشرين. وتعد هذه المقالات ما يمكن وصفه بـالنقد اليومى أو الملاحظات الصحفية النقدية، حيث يقدم رؤية مركزة للشخصية الأدبية والأسلوب الفنى، ويربط بين إبداع الأديب ووعيه الاجتماعى والتنويرى.

من أبرز سمات هذه النصوص أنها بمثابة بورتريه أدبى وفكرى يرسمه سلامة موسى لملامح كل أديب كتب عنه، موضحًا كيف تنعكس صفاته النفسية والاجتماعية على أسلوبه وإبداعه. وكثيرًا ما قارن موسى بين كتابين أو أكثر لتوضيح خصوصية كل أسلوب وفكر، مستندًا إلى عقلانية النقد ومعاييره الجمالية. وقد حرص سلامة موسى على ربط النصوص الأدبية بالمسؤولية الاجتماعية، معتبرًا أن الأدب جزء من مشروع النهضة، وأن الكاتب مسؤول عن العقل والوعى فى مجتمعه.. كرافد للتنوير.

من الأمثلة الدالة على ذلك رسمه صورة الأديب الرومانسى من خلال ملاحظات دقيقة عن خجله أو حساسيته الفكرية، من خلال خصائص أسلوبه. واستخدم المقارنة بين أساليب الأدباء لتحديد الفروق الجوهرية بينها. وعرض موقف الأدباء من القضايا الاجتماعية، مشددًا على أن الكتابة يجب أن تخدم التنوير والوعى المدنى، وتواجه الجمود الفكرى والتقليدية.

أهمية الكتاب أنه توثيق لحياة الأدباء المصريين من منظور حداثى عقلانى. ويقدم مادة أولية لدراسات الأدب المصرى وتطوره. والكشف عن جرأة موسى النقدية واهتمامه بالجانب الإنسانى للفكر والأدب.

 

 الإصلاح الاجتماعى 

يعكس هذا الكتاب وجه سلامة موسى الإصلاحى، حيث يعالج القضايا الاجتماعية بمرجعية عقلانية وعلمية، ويركز على التعليم والمرأة والعمل والفقر والعدالة الاجتماعية، ويربط بين التنوير وبناء الدولة المدنية العلمانية.

ومن أبرز سمات نصوص هذا الكتاب، هو التعليم.. سلاح التقدم. يرى سلامة موسى أن المدرسة بمثابة الورشة التى تبنى الفرد الواعى، ويعارض التعليم التقليدى القائم على الحفظ والتلقين. ويرى تمكين المرأة فى تعليمها وإشراكها فى الحياة العامة كعنصر أساسى للنهضة.

وعن مكافحة الفقر والتخلف، يدعو إلى إصلاح البنية الاقتصادية والاجتماعية بدلاً من الاكتفاء بالصدقات، ويؤكد على دور العقل والعمل. وعن مناهضة الجهل والخرافة والتطرف والطائفية، يظهر فى كتاباته موقفه الراسخ ضد كل أشكال الفكر الرجعى، ويرى أن العقل والتنوير هما السبيل الوحيد لتقدم المجتمع.

من الأمثلة الدالة على ذلك، كتاباته حول التعليم، وحثه على إدخال العلوم والتجارب العملية فى المناهج، وتطوير مهارات التفكير النقدى. ومقالاته التى تدعو لتعليم المرأة وتمكينها كركيزة للدولة المدنية. ومقالاته الاقتصادية والاجتماعية التى تتناول العلاقة بين العمل والدخل والعدالة، مع نقد أشكال الفقر المزمن والتخلف الاجتماعى. وخطاباته العقلانية الواضحة ضد التطرف والطائفية، على اعتبار أن التنوير شرط لبناء مجتمع حر وعقلانى.

أهمية الكتاب، أنه يمثل وثائق فكرية تؤكد دور سلامة موسى الرائد فى الفكر المدنى والعلمانى.

كما أنه     مادة فكرية خام مهمة لفهم حركة التنوير الاجتماعى فى مصر الحديثة. ومثال حى على الجمع بين الفكر العقلانى والالتزام الاجتماعى والإصلاحى.

 

 قراءة فكرية

أولاً: إعادة بناء صورة سلامة موسى الفكرية من خلال ما تكشفه تلك المقالات عنه كمفكر شامل يجمع بين النقد الأدبى والتحليل السياسى والاجتماعى، ويربط بين العقلانية والتنوير والدولة المدنية والعلمانية. إنه المفكر الذى لا يكتفى بالملاحظة، بل يسعى للتغيير البنّاء على مستوى الفرد والمجتمع، ويرى فى التعليم والعقلانية مدخلًا لبناء مجتمع حديث.

ثانياً: موقفه من الجهل والتطرف والطائفية من خلال ما تظهره كتاباته بوضوح.. كموقف راسخ ضد الجهل والخرافة والطائفية، حيث يؤكد أن النهضة الحقيقية لن تتحقق إلا من خلال نشر التعليم، وتمكين المرأة، وتحرير الإنسان من الفكر المتطرف، وإرساء دولة مدنية قائمة على القانون والعدالة، وليس على الانتماءات الطائفية أو التقاليد الرجعية.

ثالثاً: أود أن أشيد هنا بقيمة جهد روبير الفارس فى جمع هذه النصوص المجهولة وتوثيقها للإسهام فى فتح آفاق جديدة أمام الدراسات النقدية والاجتماعية، وتوفيره لمادة فكرية أولية لفهم تطور حركة التنوير فى مصر من خلال ما تكشفه تلك الكتابات التى تشكل أفكار وتجارب سلامة موسى المباشرة فى مواجهة الظلام والجمود والتخلف.

 

 ملاحظات نقدية

أسجل هنا بعض الملاحظات التى يمكن التوقف أمامها.. خاصة فى الطبعات الأخرى للكتابين.

1 - مراعاة كتابة مقدمة موسعة.. تشرح معايير اختيار نصوص تلك المقالات، وكيفية التمييز بين سواء للمقالات الصحفية أو المقالات النقدية والتحليلية، مما يعزز فهم القارئ لمكانة كل نص فى مسار فكر سلامة موسى.

2 - أهمية توثيق كل مقال بدقة من حيث تاريخ النشر، واسم المجلة، ورقم العدد، والصفحة، وسياق النشر. وهو ما سيزيد من قيمتها من جهة، وتيسير إتاحتها للباحثين دون الرجوع إلى النسخ الأصلية من جهة أخرى. فضلاً عن تعزيز مصداقيتها.

3 - شرح إضافى لفهم أسماء الأدباء وغيرهم، والمؤسسات، والمصطلحات التاريخية والثقافية. وفهم الخلفية الفكرية لسياق كل مقال، وتوضيح كيفية ارتباطه بمشروع سلامة موسى الفكرى فى التنوير والعقلانية وبناء الدولة المدنية.

4 - توضيح الفرق- فى حال وجود اختلافات وتنقيح لغوى- بين النسخ الأصلية للمقالات فى المجلات القديمة، والمقالات حسبما نشرت حديثاً لمنع أى لبس، ولتسهيل الدراسات النقدية الدقيقة من جهة، والحفاظ على النص الأصلى لسلامة موسى من جهة أخرى.

 

 نقطة ومن أول السطر

«سلامة موسى.. صور موجزة لأدباء مصر.. كتابات مجهولة»، و«سلامة موسى.. الإصلاح الاجتماعى..  كتابات مجهولة».. هما شهادة حية على مكانة سلامة موسى كمفكر عقلانى، ومصلح اجتماعى، وناقد أدبى، ورائد للتنوير والدولة المدنية والعلمانية. يظهر من خلال كلمات مقالاته.. كرمز للتفكير النقدى، وحامى العقلانية، ورافض للجهل والتطرف والطائفية، ومؤمن بأن النهضة الحقيقية تبدأ من التعليم، والوعى المدنى، وتمكين المرأة، والعمل المنتج.

قراءة هذه النصوص تكشف عن مشروع حضارى شامل، يربط بين الأدب والاجتماع والسياسة، ويضع العقل والتنوير فى محتوى أى حديث عن الإصلاح.

تلك الكتابات المجهولة، لا تقدم سلامة موسى ككاتب فقط، بل كمشروع حضارى متكامل، يحتل العقل والتنوير صميم محتوى أفكاره وكلماته، ويؤكد أن بناء الدولة المدنية والعلمانية هو الطريق الأكيد لمواجهة الجهل والتطرف والطائفية، وصياغة مستقبل عصرى للمجتمع المصرى.

ترى، متى نحتفى بالمفكر الوطنى المصرى سلامة موسى.. كشخصية معرض القاهرة الدولى للكتاب؟!