الجمعة 21 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

مديرة المكتب الإقليمى لليونسكو بالقاهرة لـ«روزاليوسف»: مصر حارسة لماضيها ورائدة فى حفظ التراث

د. نوريا سانز مديرة المكتب الإقليمى لليونسكو فى القاهرة
د. نوريا سانز مديرة المكتب الإقليمى لليونسكو فى القاهرة

مع العدّ التنازلى لبدء افتتاح المتحف المصرى الكبير تزداد التطلعات نحو هذا المشروع الثقافى العملاق الذى يُعد الأكبر من نوعه فى العالم. فالمتحف لا يمثل مجرد صرح أثرى، بل رؤية متكاملة لحماية التراث المصرى وإعادة تقديمه للعالم بمعايير حديثة.



ولإلقاء الضوء على أبعاد هذا المشروع التاريخى، كان هذا الحوار مع الدكتورة نوريا سانز، مديرة المكتب الإقليمى لليونسكو فى القاهرة، وهى من أبرز الخبراء الدوليين فى مجال السياسات الثقافية وحماية التراث. من خلال خبرتها الطويلة وشراكاتها مع المؤسسات المصرية، تلعب سانز دورًا محوريًا فى تعزيز التعاون بين مصر واليونسكو فى مشروعات التراث والمتاحف.

 ما رؤيتك حول دور افتتاح المتحف المصرى الكبير للمساهمة فى الحفاظ على التراث الثقافى المصرى والترويج له؟

 يمثل المتحف المصرى الكبير نقطة تحول فارقة بالنسبة للتراث الثقافى المصرى، فهو يجمع بين حماية الآثار والبحث العلمى وإتاحة التراث للجمهور فى منشأة حديثة متطورة. ومن خلال عرض المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون وعدد كبير من القطع الأثرية الأيقونية الأخرى وفقًا لمعايير المتاحف الحديثة، لا يحمى المتحف التراث الذى لا يقدّر بثمن فحسب، بل ينعش من جديد تفاعل الجمهور معه، مما يسهم فى تعميق الهوية الوطنية وأسس الفهم العالمى لمصر القديمة.

 ما الدور الذى لعبته اليونسكو فى دعم تطوير المتحف والمشروعات المماثلة فى مصر؟

 أُجريت المسابقة الدولية للتصميم المعمارى للمتحف المصرى الكبير عام 2002 تحت رعاية اليونسكو وإشراف الاتحاد الدولى للمعماريين. ومنذ ذلك الحين، تعاونت اليونسكو، من خلال مكتبها فى القاهرة، فى هذا التطوير عبر تقديم الدعم الفنى المشترك لإنشائه، عبر مختلف الأنشطة التى تتراوح ما بين بناء القدرات، إلى تطوير الشبكات، وعقد الشراكات.

لقد تعاون مكتب اليونسكو بالقاهرة مع مركز التعليم والتعلم بالمتحف، حيث يشغل مدير المركز منصب المدرّب المعتمد لدى اليونسكو لاتفاقية التراث الثقافى غير المادى، وشارك بفاعلية فى برامجها. وقد أسهمت خبرات المتحف المصرى الكبير فى تيسير فرص التدريب الوطنى للمسئولين فى مصر على إعداد التقارير الدورية الخاصة بالتراث غير المادى (2021)، وتنظيم برامج بناء القدرات لأمناء المتحف القومى للحضارة المصرية (2024)، فضلًا عن المشاركة فى المنتدى الثالث رفيع المستوى لليونسكو حول المتاحف (هانغتشو، 2025).

وأسهم الدكتور عيسى زيدا، المدير العام التنفيذى لترميم ونقل الآثار بالمتحف، بالتوجيه الفنى وبخبراته فى ترميم أعمدة مقبرة أمنحتب الثالث فى إطار أعمال مشروع اليونسكو الذى دعمه الصندوق الاستئمانى اليابانى.

كما يستضيف مكتب اليونسكو الإقليمى لمصر والسودان العديد من الأنشطة الثقافية والعلمية فى المتحف المصرى الكبير. فى فبراير 2024، دعم مكتبنا تنظيم أسبوع «بجاويت» (بداويت) للأزياء (حرف بأيادى أهل البحر الأحمر) بالمتحف المصرى الكبير والذى ركز على الحرف اليدوية التى أنتجتها النساء الحرفيات بمنطقة البحر الأحمر.

وفى سبتمبر 2024، استضاف المكتب ورشة عمل بعنوان «الصلات بين العلوم والسياسات: أجندة بحثية حول الثقافة وتغير المناخ» فى المتحف المصرى بمناسبة الذكرى الخامسة عشر لبرنامج تطور الإنسان: مراحل التكيف والانتشار والتطورات الاجتماعية (HEADS) وإطلاق مرحلته الجديدة، «التراث الثقافى لمراحل التكيف البشرى – أجندة علمية من أجل السياسات»، وضمت الورشة علماء آثار وعلماء مناخ وخبراء فى وضع السياسات.

وفى نوفمبر 2024، استضاف المتحف المصرى الكبير حفل افتتاح «أسبوع القاهرة الحضري» فى إطار فعاليات المنتدى الحضرى العالمى الثانى عشر، بما فى ذلك تنظيم جلسة عمل حول «حكمة الحضارات» والتى ركزت على أهمية التراث الثقافى والمعرفة التاريخية أثناء مناقشات التخطيط الحضرى والإدارة الحالية.

كما شارك المتحف المصرى الكبير فى المنتدى الثانى رفيع المستوى لليونسكو حول المتاحف بعنوان مواجهة التحديات بعد جائحة كورونا من خلال الابتكار والشمولية، والذى عُقد بالشراكة مع متحف شينزين للفن فى الصين (2021).

=وقدّم خبير ترميم آثار بالمتحف المصرى الكبير عرضًا عبر انعقاد سلسلة ندوات عبر الإنترنت لليونسكو/ الجامعة المصرية- اليابانية للعلوم والتكنولوجيا (E-JUST) حول «علوم التراث وأفريقيا» (2020).

فى الواقع، اليونسكو شريك استراتيجي لمصر فى مجال التراث الثقافى وتطوير المتاحف، فمن خلال مكتبنا الإقليمى فى القاهرة، دعمنا مشروعات تراوحت ما بين إنقاذ آثار النوبة فى الستينيات القرن الماضى إلى تقديم الدعم الفنى ووضع سياسات الوطن الحالية لمواقع التراث العالمى فى جميع أنحاء البلاد ومشروعات متحفية محددة، بما فى ذلك التعاون طويل الأمد مع المتحف القومى للحضارة المصرية (NMEC) والمشروع الذى تم إنجازه مؤخرًا بمتحف الفن الإسلامى (MIA). كما تعاونت اليونسكو بشكل وثيق مع قطاع المتاحف فى مصر للتوائم مع المعايير العالمية، داعمة لآليات الصون المستدام والتعليم والمشاركة المجتمعية.

 ما مدى تأثير المتحف على السياحة الثقافية والوعى التعليمى فى المنطقة؟

 من المتوقع أن يصبح المتحف المصرى الكبير وجهة رئيسية للسياحة الثقافية ومركزًا ثقافيًا فى المنطقة، خاصةً أنه بالقرب من أهرامات الجيزة، وهو موقع تراث عالمى مُدرَج على القائمة منذ عام 1979. لكن قيمته تتجاوز مجرد الزيارة السياحية. إن الاستراتيجيات التوعوية والتعليمية للمتحف تستهدف المدارس والجامعات والعائلات- مما يجعله مؤسسة مدنية وأكاديمية بقدر ما هو مَعْلَم سياحي. كما يدعم المتحف الصناعات القائمة على المعرفة من خلال إحياء الشغف بعلم الآثار، ومعايير الصون، والدراسات المتحفية.

علاوة على ذلك، يؤدى متحف الطفل، الملحق بالمتحف المصرى الكبير، دورًا حاسمًا فى مجالات التعليم والتوعية من خلال توفير بيئة تعليمية شاملة وتفاعلية تُعيد إحياء التاريخ المصرى القديم أمام الزوار الصغار. كما أنه يُقَدِّم تجربة تعليمية فريدة عبر معروضات وأنشطة عملية تُشرك الأطفال فى استكشاف التراث الثقافى المصرى الثري. تم تصميم برامج التوعية بالمتحف لتكون شاملة، متاحة لمختلف المجتمعات، وتعزز من الحس المعرفى للتاريخ وتقديره بين جميع المتعلمين. يجب على كل زائر للمتحف الكبير أن يحرص على زيارة متحف الطفل الملحق بالمتحف المصرى الكبير.

 ما مدى توافق المتحف المصرى الكبير مع أهداف اليونسكو العالمية لحماية التراث والتنمية الثقافية المستدامة؟

 يمتثل المتح ف بشكل وثيق مع رؤية اليونسكو للثقافة باعتبارها محركًا رئيسًا  للتنمية المستدامة. فهو يعكس اتفاقياتنا وأطرنا الأساسية- بما فى ذلك اتفاقية عام 1970 بشأن مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، واتفاقية التراث العالمى لعام 1972، واتفاقية تعزيز حماية التراث الثقافى غير المادى فى جميع أنحاء العالم لعام 2003، واتفاقية التنوع الثقافى لعام 2005، بالإضافة إلى توصية المتاحف لعام 2015. علاوة على ذلك، يدعم المتحف أجندة الأمم المتحدة 2030 من خلال المساهمة فى جودة التعليم، والحقوق الثقافية، وتنمية مؤسسات منيعة.

كما يمكن أن يسهم المتحف بشكل كبير فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالتنوع الثقافى، ندرة المياه، قضايا النوع الاجتماعى، والحفاظ على التنوع البيولوجى من خلال مبادرات مختلفة. الممارسات اليومية فى المتحف تسهم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وغيرها. كما يمكن للمتحف دعم جهود وآليات الصون من خلال عرض التنوع الحيوي- الثقافى المصرى الثرى وتثقيف الجمهور بأهمية الحفاظ على تراثها المتميز.

وفيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين (الهدف رقم 5 من أهداف التنمية المستدامة) يلعب المتحف دورًا بارزًا فيما يخص ضمان فرص عمل متساوية للنساء، وتعزيز البرامج الحساسة للنوع الاجتماعى، ودعم المبادرات التى تمكّن النساء والفتيات من خلال التعليم والمشاركة الثقافية. هذه الجهود مجتمعة تعمل على تعزيز الدور المجتمعى بشكل أكثر استدامة وعدلًا.

وتتوافق جميع الجهود التى يقوم بها المتحف فى برامجه التعليمية بصورة كاملة مع أهداف وبرامج مكتب اليونسكو الإقليمى فى القاهرة.

وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى مركز الترميم بالمتحف والذى أُنشئ عام 2010، وهو أكبر مركز ترميم فى الشرق الأوسط، ويُعد ركيزة أساسية للمتحف كمركز بحثى دائم. وقد نظم المركز ومختبراته، المجهزة بأحدث الوسائل وبالخبراء المتخصصين، تدريبًا تقنيًا فى مجالات الصون الوقائى، الترميم، علوم الصون، والإدارة الاستراتيجية للخبراء من مصر والمنطقة. نحن نرصد هذه الرؤية الاستباقية، حيث كانت المختبرات تعمل لعشر سنوات قبل افتتاح المتحف، كما أن أنشطته تعزز إحدى المهام المحورية للمتاحف: البحث التطبيقى والصون.

لقد حظيت المعارض الرقمية والافتراضية فى المتحف بإشادة عالمية، من خلال إعطاء الأولوية لتعزيز التوعية، والاستدامة، والمشاركة المجتمعية. كما يحدد المتحف معيارًا للبنية التحتية الثقافية الاستثنائية فى القرن الحادى والعشرين، إنه بمثابة منصة للتبادل والتعاون الإقليمى المستقبلي. وقد عُرض هذا النهج والرؤية الاستراتيجية فى المنتدى الثالث رفيع المستوى لليونسكو حول المتاحف فى هانغتشو، الصين، بمشاركة جيهان نبيل، مديرة متحف الطفل ومركز التعلم بالمتحف الكبير. وقد شارك المتحف فى جلسة عنوانها «تسخير التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعى»، حيث عرض رؤى قيّمة حول دور الابتكار فى الأماكن الثقافية، مؤكدًا أن: «التكنولوجيا ليست هدفًا، بل وسيلة يمكن أن تعزز بشكل كبير تجربة الزوار».

 ما الرسالة التى يوجّهها المتحف إلى المجتمع الدولى بشأن التزام مصر بتاريخها العريق وهويتها الحديثة؟

 يوجه المتحف المصرى الكبير رسالة بليغة: «مصر ليست فقط حارسًا لماضيها، بل أيضًا رائدة فى تشكيل مستقبل صون التراث». إنه يعكس التزامًا وطنيًا بالسيادة الثقافية، والابتكار، والتعاون العالمي. كما أن المتحف يُمَثِّل نموذجًا حيًا لكيفية تعايش الإرث القديم والهوية الحديثة- وكيف تكون الثقافة حجرًا أساسيًا وقوة دافعة للمجتمع لاستشراف المستقبل.

 هل ترون المتحف نموذجًا للتعاون المستقبلى بين المنظمات الدولية والمؤسسات الوطنية المعنية بالتراث؟ وإذا كان كذلك، كيف؟

 من الواضح أن المتحف المصرى الكبير قدم لنا نموذجًا حول كيفية نجاح المبادرات التراثية المعقدة من خلال الحوكمة الشاملة، والقيادة الوطنية، والتعاون الدولي. لقد ضم المتحف نخبة من خبراء الترميم والصون، والمهندسين المعماريين، وأمناء المتاحف، والمعلمين، وصانعى السياسات تحت رؤية مشتركة. وهذا يتوافق تمامًا مع دعوة اليونسكو- خاصة من خلال المنتدى الوزارى «موندياكولت MONDIACULT»، المؤتمر الحكومى الدولى القادم المعنى بالسياسات الثقافية من أجل التنمية المستدامة والمرتقب انعقاده فى برشلونة، 29 سبتمبر – 1 أكتوبر 2025- بهدف تجديد الشراكات الثقافية. نحن نرى المتحف المصرى الكبير نموذجًا يمكن الاقتداء به في دول أخرى تسعى للانتفاع بدور الثقافة الفاعل للتنمية المستدامة، والتعليم، والازدهار الاقتصادى.

كما أن الافتتاح المهيب للمتحف المصرى الكبير يتيح فرصة بالغة الأهمية للتعاون المستقبلى بين مكتب اليونسكو فى القاهرة والمتحف. ومن بين الأفكار المقترحة:

المعارض المتنقلة: يمكن لمكتب اليونسكو والمتحف تنظيم سلسلة معارض متنقلة تعرض ثراء التراث المصرى والتنوع الثقافى فى أنحاء العالم. يمكن لهذه المعارض أن تجوب عدة دول، مقدّمة قطعًا أثرية وعروضًا تفاعلية لجمهور عالمى، بما يعزز التبادل الثقافى ويروّج للأهمية التاريخية لمصر. خلافًا لذلك، يمكن أن يستضيف المتحف معارض مؤقتة تدعم الحوار بين الحضارات والثقافات من مختلف أنحاء العالم بدعم من اليونسكو.

المنتديات الافتراضية: يمكننا أيضًا تنظيم منتديات ومعارض افتراضية تسمح للجمهور العالمى باستكشاف مقتنيات المتحف ومعارضه عبر الإنترنت. يمكن أن تتضمن هذه المنتديات جولات مباشرة للمتحف عبر البث، عقد جلسات تحاورية مع الخبراء، وتجارب الواقع الافتراضي. هذه المبادرة ستجعل موارد المتحف متاحة لجمهور شامل، بما فى ذلك من لا يستطيعون القيام بزيارة المتحف شخصيًا، كما أنها سوف تدعم المبادرات التعليمية وتعزز المعرفة الرقمية.

منصة افتراضية للخبراء: يمكن لمكتب اليونسكو والمتحف التخطيط لإنشاء منصة يتشارك من خلالها خبراء المتاحف والترميم وعلم الآثار خبراتهم وأفضل الممارسات. يمكن أن تشمل المنصة ندوات عبر الإنترنت، ورش عمل، ومستودعًا للأبحاث والدراسات ذات الصلة. هذه المبادرة سوف تعزز القدرات التقنية للمتخصصين فى المتاحف، وتدعم التبادل المعرفى، وتُسهم فى صون التراث الثقافى عبر تحسين الممارسات وتطوير الإجراءات.

المشاركة فى الحوار العالمي: نتطلع أيضًا إلى مشاركة المتحف بشكل نشط فى حوار اليونسكو المستمر مع خبراء التراث الثقافى والمتاحف من خلال المساهمة برؤاهم وأبحاثهم، والتى يمكن أن تشمل المساهمة فى منشورات اليونسكو، والمشاركة فى المنتديات، والانخراط فى مشروعات بحثية مشتركة. ومن خلال تلك المساهمات، سوف يساعد المتحف فى تشكيل السياسات والممارسات العالمية فى حفظ التراث، وتعزيز التعاون الدولى، وضمان عرض قضايا التراث المصرى الثرى فى المناقشات العالمية.

تلك المشروعات لن تعزز فقط من دور المتحف المصرى الكبير كمؤسسة ثقافية رائدة، بل سوف تدعم أيضًا مهمة اليونسكو فى تعزيز التعليم، والعلوم، والحقوق الثقافية على مستوى العالم.