أحمد سعد ظاهرة عام 2025 الموسيقية

محمد شميس
فى عام 2025، يخرج «أحمد سعد» من بين الزحام الموسيقى المصرى كظاهرة تستحق التوقف أمامها، ليس لأن أغانيه هى الأنجح-علماً بأن لديه بالفعل أغانٍ ناجحة كثيراً هذا العام- بل لأنه يجرؤ على أن يكون متعدد الوجوه، متقلب الهوية، ومتعدد المواهب، ويستعرض ثقافته الموسيقية وقدراته الصوتية، ويشكلها بكل أريحية لتتناسب مع كل الأشكال الموسيقية.
بدأ العام بألبومه (حبيبنا)، الذى ارتكز على هوية موسيقية مستوحاة من الفلامنكو الإسبانى، وكذلك أشكال الموسيقى اللاتينية، وكأنه يريد أن يقول: «أنظروا إليّ، أنا لست مجرد مطرب شعبى، أنا موسيقى يبحث عن التنوع والانغماس فى الثقافات».
وفى صيف نفس العام، يقفز «سعد» بنا إلى ألبوم آخر مختلف كليًا بعنوان هو الأجرأ (بيستهبل) بأغانٍ غارقة فى الهوية المصرية الشعبية الحديثة، يمكن تسميتها Egyptian Pop، ويتحول من النقيض الغربى إلى العمق الشعبى، ولكنه شعبى بملامح عصرية، بعيدًا عن الفلكلور التقليدى الجامد.
والمفاجأة ليست فى التنوع نفسه، بل فى أن كلا الألبومين بني على مفهوم الـ «Concept Album»، ما يعنى وجود فكرة عامة لكل ألبوم، وكذلك ترابط موسيقى وخط يربط بين جميع الأغانى، وهذا النوع من الإصدارات الفنية المعقدة قلما نجده فى الوطن العربى، حيث يكتفى معظم الفنانين المصريين والعرب بإصدار أعمال تُسمى ألبومات «مجازًا»، لكنها فى الأصل مجرد تجميع لأغانٍ منفصلة غير مترابطة، وكأنها «سينجلات» مُعبأة بثقافة الـ «كوكتيل».
وبما أننا قد تناولنا تحليل ألبوم (حبيبنا) بشكل مفصل على صفحات هذه المجلة، سنركز فى هذا المقال على بعض التفاصيل فى ألبوم (بيستهبل). والذى تتمثل أبرز إيجابياته فى مفهوم الترابط بين الأغاني؛ فجميعها تندرج تحت عنوان الأغنية المصرية، المعتمدة غالباً على قالب المقسوم، وتدعوا إلى البهجة والرقص، دون أى أغانٍ درامية حزينة. ومن الملاحظ أن الألبوم يضم أغنية خارج إطار علاقة الحبيب بالحبيبة التقليدى، وهى (أخويا)، التى تتناول علاقة الأخ بأخيه، لكنها ملتزمة بهوية العمل «المبهجة» دون أن تكون واعظة أو حزينة.
كما يضم الألبوم أغنيتين مشتركتين؛ الأولى مميزة للغاية، والثانية مخيبة للآمال.
الأغنية المميزة بلا شك هى (تانى)، بالتعاون مع «روبى»، والتى التزمت بمعايير الأغنية المشتركة، فغنى «أحمد سعد» بضمير مذكر، و «روبي» بالضمير المؤنث، وكان هناك اشتراك حقيقى فى طريقة التعبير، ما يجعل الأغنية صُممت للفردين معًا، ولا يمكن استبعاد «روبي» دون التأثير على جودة العمل.
أما الأغنية المخيبة فهى (حبيبى ياه ياه) مع «عفروتو» و «مروان موسى»، والتى عكس أغنية (تاني)، يمكن لـ «أحمد سعد» غناءها بمفرده. ولم يستغل وجود اثنين من أهم مغنيى الراب فى المشهد المصرى والعربى أيضًا، حيث غنى الثلاثة نفس الجمل اللحنية، دون أى «رص للكلام» يضيف قيمة فنية للعمل باستغلاب مواهب ثنائى الراب، وهو ما جعل وجودهم غير ضرورى، ويمكن اعتبار الأغنية قابلة للغناء بالكامل بصوت «سعد» وحده. المدهش أن «أحمد سعد» سبق أن نجح فى أغنية (الملوك) مع «دبل زوكش» و«عنبة»، حيث كان لكل عنصر دوره الفعلى، ما جعل الأغنية مبهرة وكسرت حالة الملل وحققت شهرة دولية.
أيضًا، شهد ألبوم (بيستهبل) جرأة غير عادية فى صياغة الأفكار واستخدام المصطلحات، وهذا واضح من عنوان الألبوم نفسه. كذلك، جاء بناء الأغانى مبتكرًا، واحتوى على مصطلحات لم نسمع بها من قبل فى الأغانى، مثل: «انتوا عليكم ضغوطات؟ واحنا علينا مكسرات!»
كما أن طرق تصوير جميع الأغانى كانت معبرة عن الروح العامة للألبوم، ملتزمة بالهوية الكوميدية المبهجة والمفرحة، بما يتناسب مع أجواء فصل الصيف.
ولكل ذلك، يستحق «أحمد سعد» وبجدارة لقب ظاهرة عام 2025، لأنه قدم ألبومين موسيقيين مختلفين، ملتزمين بالمعايير الفنية الصعبة فى صناعة الألبوم، ويستحق كل التحية والثناء على جرأته الموسيقية وقدرته على التجديد.