الثلاثاء 23 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

متحدث الصحة العالمية أكد أن 132 ألف طفل مهدد بالموت

كرستيان ليندماير لـ«روزاليوسف»: الجوع يقتل الناس فى غزة والطعام والدواء ينتظر على الحدود

فى ظل أصعب كارثة إنسانية يعيشها قطاع غزة، حيث يواجه أكثر من مليونى إنسان الحصار والدمار والموت جوعًا، ووسط صمت العالم الجبان، تسعى جهود إغاثية حثيثة لتخفيف حجم المعاناة، وذلك من جانب منظمة الصحة العالمية، التى تقف فى قلب المأساة، بمتابعة الوضع الصحى والإنسانى فى القطاع عن قرب.



فى هذا الحوار نفتح ملف الأزمة الصحية والإنسانية فى غزة، مع كرستيان ليندماير، المتحدث الرسمى لمنظمة الصحة العالمية، لنتعرف على حجم التحديات وآخر المستجدات، وما تبذله المنظمة من جهود على الأرض، فى ظل هذه الظروف القاسية.

 فى البداية، كيف تصفون الوضع الصحى والإنسانى فى غزة؟

- الأزمة الإنسانية والصحية المتفاقمة فى غزة مأساة من صنع الإنسان، حيث يعيش 2.1 مليون شخص محاصرين فى منطقة النزاع، يواجهون تهديدات متعددة، من القصف والرصاص إلى الجوع واسع الانتشار، والزيادة القاتلة فى الوفيات المرتبطة بسوء التغذية. وفى ظل القصف المستمر وتزايد أعداد الإصابات، تكافح المستشفيات لتوفير أبسط الخدمات المنقذة للحياة. 

الناس فى غزة يتضورون جوعًا، مرضى ويموتون، بينما الطعام والدواء يبعد دقائق قليلة فقط عبر الحدود، ووفقًا لتحليل جديد للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائى (IPC) الصادر فى 22 أغسطس الماضى، تم تأكيد المجاعة (المرحلة الخامسة IPC) فى محافظة غزة، حيث يواجه أكثر من نصف مليون شخص أوضاعًا كارثية تتمثل بالجوع والتشرد والموت.

 ماذا عن قدرة المستشفيات على الاستجابة فى ظل هذا الواقع المؤلم؟

- الوضع الصحى العام لا يزال كارثيًا فى جميع أنحاء قطاع غزة، فقط 50 % من المستشفيات و38 % من مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل بشكل جزئى،  نسبة إشغال الأسرة فى مستشفيات وزارة الصحة تجاوزت الطاقة الاستيعابية وتصل 240 % فى الشفاء، و210 % فى الرنتيسى،  و180 % فى ناصر، و300 % فى الأهلى. 

المستشفيات فى مدينة غزة تحت ضغط هائل، أوامر الإخلاء المستمرة فى أجزاء من مدينة غزة إلى جانب التصعيد الكبير للعنف، أجبرت الناس على التجمع فى مناطق أصغر، مما زاد الضغط بشكل لا يُحتمل على المستشفيات، مستشفى الشفاء والأهلى يعملان بما يقارب 300 % فوق طاقتهما، مع تدفق مستمر لإصابات معقدة، المستشفيات القريبة من مناطق الإخلاء مثل الأهلى ومستشفى أصدقاء المريض، مهددة بالتوقف عن العمل إن لم يتم حمايتها.

 ما هى تفاصيل نقص الإمدادات الطبية والأدوية؟

- النقص فى الأدوية والوقود ومواد ضبط العدوى الأساسية يترك آثارًا مدمرة على رعاية المرضى، هناك نقص حرج فى الأدوية والمستلزمات، حيث 52 % من الأدوية و68 % من المستلزمات عند مستوى النفاد الكامل منذ يونيو الماضى، وقد أدخلت منظمة الصحة العالمية 80 شاحنة من الإمدادات الطبية، لكن إجراءات الدخول تبقى صعبة ومتغيرة باستمرار. العديد من المواد مثل الأجهزة المساعدة، أسرّة العناية المركزة، أجهزة التبريد، أدوية سلسلة التبريد، وأجهزة التخدير تم منع دخولها.

كما دخلت 282 منصة من الإمدادات عبر مطار بن جوريون، لكن عملية التخليص بطيئة جدًا. المطلوب هو فتح عدة معابر إلى غزة، وتبسيط وتسريع الإجراءات ورفع العوائق أمام الدخول. المستشفيات مثقلة بشكل خاص بالإصابات الناتجة عن مناطق توزيع الغذاء، والتى تسببت أيضًا بنقص مستمر فى الدم والبلازما.

 كيف يبدو الوضع الوبائى حاليًا فى غزة؟

- تم تسجيل 452 حالة مشتبه بها من التهاب السحايا فى جميع أنحاء القطاع بين يوليو و7 أغسطس الماضى، وهو أعلى رقم منذ بداية التصعيد. وقد تم تطبيق تدابير العزل، بما فى ذلك فصل القسم الخارجى فى مستشفى الخير عن مجمع ناصر الطبى،  وإنشاء خيام عزل فى مستشفى الأقصى لإدارة الحالات المشتبه بها بأمان.

وبين يونيو و7 أغسطس الماضى،  تم الإبلاغ عن 76 حالة مشتبه بها من متلازمة غيلان-باريه (GBS) فى قطاع غزة. الزيادة فى الحالات تعود جزئيًا إلى تحسين نظام ترصد الشلل الرخو الحاد (AFP) الذى تنفذه وزارة الصحة بدعم من منظمة الصحة العالمية وشركائها. الـ GBS متلازمة تلى الإصابة بعدوى تنفسية أو هضمية بكتيرية أو فيروسية. 

يبرز هذا مع تفاقم عوامل الخطر وضرورة الحد من تأثير انهيار أنظمة المياه والصرف الصحى (WASH)، والزحام الضخم فى الملاجئ وسوء التغذية وضعف المناعة، والقيود على الوصول إلى الرعاية الصحية وقدرات التشخيص. العلاج الأولى لدى وزارة الصحة هو الجلوبولين المناعى الوريدى (IVIG) أو تبديل البلازما (PLEX) – وكلاهما غير متوفر حاليًا، وكذلك مضادات الالتهاب، ويجب تسريع إيصالها بشكل عاجل.

 هل لديكم أرقام عن الخسائر البشرية منذ بداية الأزمة؟

- لا تزال الخسائر البشرية تتزايد، مع استمرار التقارير عن سقوط ضحايا نتيجة القصف على المدارس والخيام والمبانى السكنية، وبين الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى المواد الغذائية عند نقاط التوزيع العسكرية أو المنتظرين لقوافل المساعدات.

 ووفقًا لمسؤولى الصحة فى غزة، قُتل أكثر من 61,000 شخص منذ بداية الأزمة فى 7 أكتوبر 2023 حتى 31 يوليو الماضى 2025. وأُصيب نحو 140,000 شخص. هذا يمثل فى المتوسط 91 شخصًا يُقتلون يوميًا وأكثر من 200 جريح وبالطبع هذه الإعداد فى تزايد مستمر يوميًا.

 الجوع يبدو عاملًا حاسمًا فى الأزمة الحالية، كيف تقيّمون ذلك؟

- الجوع فى غزة وصل إلى أسوأ مستوى له منذ أكتوبر 2023، والكمية المحدودة من المساعدات لا تكفى لتلبية حجم الاحتياجات.  ووفقًا لتحليل IPC الصادر فى 22 أغسطس الماضى،  تم تأكيد المجاعة IPC (المرحلة الخامسة) فى محافظة غزة، مع أكثر من نصف مليون شخص فى ظروف كارثية تتمثل بالجوع والتشرد والموت، هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها تأكيد حدوث مجاعة فى منطقة الشرق الأوسط.

وبين منتصف أغسطس ونهاية سبتمبر 2025، من المتوقع أن تتفاقم الأوضاع مع توسع المجاعة إلى دير البلح وخان يونس. 

ومن المتوقع أيضًا أن يستمر سوء التغذية الحاد بالتفاقم بسرعة، فى يوليو الماضى وحده تم تسجيل أكثر من 12,000 طفل مصاب بسوء التغذية الحاد، وهو أعلى رقم شهرى على الإطلاق وزيادة بمقدار ستة أضعاف منذ بداية العام، ونحو ربع هؤلاء الأطفال يعانون من سوء تغذية حاد وخيم (SAM).

فى عام 2025 وحده توفى 206 أشخاص بسبب آثار سوء التغذية، وحتى يونيو المقبل 2026 هناك ما لا يقل عن 132,000 طفل دون سن الخامسة مهددون بالموت بسبب سوء التغذية الحاد، ونحو 55,500 إمرأة حامل ومرضعة يعانين سوء التغذية ويحتجن استجابة عاجلة.

 ما رسالتكم للعالم الآن؟

- هذه أزمة من صنع الإنسان ويجب عكس مسارها، لقد شاهدت منظمة الصحة العالمية أثناء زياراتها لغزة أشخاصًا يتضورون جوعًا، أجساد هزيلة، أطفال يعانون سوء التغذية بوضوح، وعاملون صحيون ضعفاء ومرهقون. 

هذه هى الصورة الإنسانية لانهيار أنظمة الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحى. الجوع ليس مجرد بطون فارغة، بل يضعف الأجسام، يغذى الأمراض، يشل الأنظمة الصحية، ويسرق مستقبل الأطفال.

وقت العمل هو الآن، بلا تأخير ولا أعذار. وتدعو منظمة الصحة العالمية إلى توفير إمكانية دخول الغذاء والوقود والدواء والمساعدات الأخرى على نطاق واسع ومن خلال كل الطرق الممكنة. 

يجب حماية الرعاية الصحية، إجلاء الحالات الحرجة، الإفراج عن الرهائن المحتجزين فى غزة، وفوق كل شىء، نطالب بوقف إطلاق النار. لإنقاذ الأرواح، تحتاج منظمة الصحة العالمية إلى وقف إطلاق نار فورى ومستدام، والإفراج عن الرهائن، والوصول غير المقيّد لتدفق المساعدات إلى جميع أنحاء غزة.

كل ركيزة من ركائز الحياة فى غزة تُدمَّر، الغذاء، المياه، الرعاية الصحية، الصرف الصحى، الكرامة، لا شىلاء يُستثنى. تحذر منظمة الصحة العالمية من أن خطط تكثيف العمليات العسكرية فى مدينة غزة سيكون لها أثر إنسانى مروع على الناس والنظام الصحى. لقد بذلت المنظمة جهودًا كبيرة لإنعاش ما تبقى من النظام الصحى المحطم فى غزة. ومع ذلك، فإن كل موجة عنف جديدة تدفعه نحو الانهيار، متجاوزة خطوطًا حمراء لا ينبغى تجاوزها أبدًا. يجب أن يتوقف هذا.

 وأخيرًا، ما الذى تلتزم به منظمة الصحة العالمية على الأرض؟

- ستبقى منظمة الصحة العالمية فى مدينة غزة لتقديم الخدمات حيث يتواجد الناس، ونذكّر أطراف النزاع بالتزاماتهم بموجب القانون الدولى بحماية المدنيين، بما فى ذلك العاملين الإنسانيين وأولئك الذين لا يستطيعون أو يختارون عدم النزوح، وبحماية المرافق الإنسانية والبنية التحتية المدنية الأخرى.