الأهلى فى مفترق طرق

كريم الفولى
لم يكن أكثر المتشائمين من جماهير الأهلى يتوقع أن يشهد الموسم الحالى هذه البداية الصادمة، فريق بدا ضعيفاً ومستسلماً أمام منافسيه، وهو مشهد لم يعتده عشاق القلعة الحمراء منذ سنوات طويلة.
البداية كانت مع كأس العالم للأندية، حين ودّع الفريق البطولة بشكل مخيب بعدما تذيل مجموعته بنقطتين فقط دون أى فوز، لتتوالى بعدها النتائج السلبية فى الدورى العام، حيث تعادل فى ثلاث مباريات وخسر فى واحدة، ولم يحقق سوى انتصار يتيم، ليحتل مركزاً متأخراً لا يليق بتاريخه ومكانته.
الفريق دخل الموسم بزخم كبير بعد التعاقد مع صفقات وُصفت وقتها بـ “فرقة المليار”، أنفقت عليها الإدارة ملايين الدولارات، وكان يُفترض أن تكون إضافة قوية تعيد للأهلى هيبته محلياً وقارياً.
لكن الواقع جاء صادماً، فهذه الصفقات لم تُحدث الفارق، وظهر الفريق بأداء باهت، بلا هوية أو روح، مما فجّر غضب الجماهير التى طالبت بمحاسبة اللاعبين وخصم مستحقاتهم، بل وصل الأمر ببعض الأصوات إلى المطالبة بتجميد العناصر الجديدة وتصعيد الناشئين بدلاً منهم.
الإسبانى جوزيه ريبيرو، المدير الفنى السابق، كان أحد أسباب الأزمة، فالرجل لم ينجح فى تطوير الخط الدفاعى، وهو أمر نادر على الأهلى الذى اعتاد إنهاء مواسم كاملة بأرقام دفاعية مميزة.
إضافة إلى ذلك، تسبب الحمل البدنى الزائد فى إصابة العديد من اللاعبين، ليجد الفريق نفسه بلا جاهزية فنية أو بدنية.
وجاءت الإقالة السريعة حلاً اضطرارياً، ليعود الأهلى إلى المدرسة الوطنية فى محاولة للملمة الأوراق قبل أن يضيع الموسم.
لكن الأزمة لم تعد فنية فقط، ولأول مرة منذ عقود، بدأت الخلافات الإدارية تطفو على السطح وتخرج للعلن، فى مشهد غريب على الأهلى، الذى اشتهر تاريخياً بأن مشاكله تظل سرية لا يعلم بها أحد خارج جدران النادى على العكس من أندية أخرى كالزمالك فى فترات سابقة.
هذا التحول جعل الكثيرين يتساءلون: هل بدأ الأهلى يفقد أهم ما يميزه عن غيره من الأندية، وهو الانضباط الداخلى والترابط الإدارى الذى كان دائماً الدرع الواقية فى أصعب اللحظات؟
المفارقة أن الأهلى كان دائماً يُضرب به المثل فى الاستقرار الإدارى مقارنة بالزمالك، الذى عانى لسنوات من التخبط والصراعات الداخلية، فانعكس ذلك على فريق الكرة وبقية الألعاب داخل النادى.
واليوم، يخشى أن يسير الأهلى على نفس الطريق، بعدما بات واضحاً أن الصفقات تم التعاقد معها وفق منطق “الاسم الكبير” أكثر من حاجة الفريق الفنية، وهو ما يعيد إلى الأذهان تجربة الزمالك مع ما عُرف بفريق الأحلام فى التسعينيات، الذى ضم نجومًا كباراً لكن غاب عنه الانسجام فانفرط عقده سريعاً.
جماهير الأهلى التى اعتادت الفرح والبطولات باتت تعيش حالة من الغضب والقلق.
البعض يحمّل المسئولية لمجلس الإدارة، والبعض الآخر يطالب بمحاسبة اللاعبين، بينما هناك من يطالب بوقفة صريحة يعاد فيها تقييم كل شيء قبل فوات الأوان.
والأهم أن هناك إجماعاً على أن الأهلى يمر بمرحلة فارقة فى تاريخه، حيث لم يعد الأمر مجرد “نزيف نقاط” أو “إخفاق فني”، بل أزمة قيم ومبادئ تهتز للمرة الأولى بهذا الشكل.
ويبقى السؤال الأهم: أين صوت الحكمة داخل الأهلي؟ فى الماضي، كانت الأزمات مهما تعاظمت تجد رجالاً يتدخلون فى الوقت المناسب، يضعون المصلحة العامة فوق كل اعتبار، فيعود الفريق أقوى مما كان.
أما الآن، فلا يبدو أن هناك من يملك الجرأة على كبح الخلافات الداخلية أو إعادة ترتيب البيت الأحمر من الداخل.
الأهلى يقف بالفعل عند مفترق طرق، إما أن يستعيد سريعاً انضباطه وقيمه التى تربت عليها أجياله، ويحول الأزمة الحالية إلى مجرد كبوة جواد كما اعتاد عبر تاريخه، أو يدخل فى دوامة مشابهة لما حدث فى الزمالك، حيث غاب الاستقرار وضاعت البطولات.
الجميع الآن يترقب: هل ينجح المارد الأحمر فى النهوض من كبوته سريعاً والعودة إلى منصات التتويج، أم أن التاريخ سيكتب أن هذه المرحلة كانت بداية انهيار القيم التى طالما صنعت مجده؟