مصر تدخل مرحلة «ما بعد صندوق النقد»

روزاليوسف
تدخل مصر، مع بداية سبتمبر المقبل، مرحلة جديدة فى مسارها الاقتصادى، بعد إعلان الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، أن الحكومة ستطرح رؤيتها لما بعد برنامج صندوق النقد الدولى فى إطار حوار مجتمعى يمتد لشهرين كاملين.
هذا الإعلان يعكس تحولا مهما، ليس فقط فى إدارة السياسات الاقتصادية، وإنما أيضا فى طبيعة النقاش حولها، إذ تخرج الحكومة بملفها الاقتصادى من الغرف المغلقة إلى فضاء النقاش العام، وتفتح الباب لمشاركة مختلف الفاعلين، من خبراء ورجال أعمال وممثلين عن مختلف القطاعات الاقتصادية.
منذ سنوات، ارتبط مصطلح «الإصلاح الاقتصادى» فى مصر باتفاقيات مع صندوق النقد الدولى، كان أبرزها برنامج 2016 وما تبعه من إصلاحات صعبة شملت تحرير سعر الصرف، وإصلاح دعم الطاقة، وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية.
هذه الإصلاحات حققت بالفعل عددا من المؤشرات الإيجابية، مثل ارتفاع معدلات النمو قبل جائحة كورونا، وزيادة احتياطيات النقد الأجنبى، وتحسن تصنيف مصر الائتمانى. كما أشادت مؤسسات دولية أكثر من مرة بقدرة الاقتصاد المصرى على الصمود أمام الأزمات المتلاحقة، من الجائحة إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
لكن، ورغم هذه النجاحات، ظل المواطن المصرى يتساءل عن نصيبه الحقيقى من هذه «المؤشرات»، وعن انعكاس التحسن الاقتصادى على مستوى معيشته؛ هنا يأتى الإعلان الأخير كإشارة إلى أن الدولة باتت تدرك ضرورة الانتقال من مرحلة «الإصلاح من أجل الاستقرار» إلى «الإصلاح من أجل المواطن»، أى أن تتحول السياسات الاقتصادية من مجرد تلبية شروط ضرورية إلى بناء نموذج تنموى أكثر توازنا.
مرحلة ما بعد الصندوق تعني، ببساطة، أن مصر تريد أن ترسم طريقها بنفسها. وهذا يتطلب معالجة ملفات عميقة، مثل تشجيع الاستثمار المحلى والأجنبى عبر إصلاح مناخ الأعمال وتبسيط الإجراءات، وتوسيع دور القطاع الخاص باعتباره قاطرة للنمو، فضلا عن الاستثمار فى التعليم والتكنولوجيا لخلق قيمة مضافة حقيقية، والأهم، زيادة العمل فى ملف الحماية الاجتماعية لتخفيف الضغوط عن الفئات الأكثر هشاشة.
إن إشراك المجتمع فى النقاش حول هذه السياسات كما أعلن رئيس الوزراء يمثل خطوة بالغة الأهمية، لأن الإصلاح الاقتصادى ليس مجرد أرقام وموازنات، بل مسار يؤثر فى حياة ملايين المواطنين. كما يعزز الثقة ويخلق مناخا من التوافق الوطنى حول السياسات الصعبة.
ربما يظل التحدى الأكبر فى هذه المرحلة هو المواءمة بين متطلبات الانفتاح على الاستثمار والالتزام ببرامج ضبط العجز والدين، وبين ضرورة حماية المواطن من التضخم وارتفاع الأسعار. التوازن بين «الانضباط المالى» و«العدالة الاجتماعية» هو ما سيحدد نجاح التجربة المصرية فى مرحلة ما بعد الصندوق.
بالتالي.. يمكننا القول إن مصر تقف اليوم على أعتاب فرصة حقيقية لتتحول من «الملتزم» بشروط الصندوق إلى «المصمم الحر» لمسار اقتصادى خاص بنا.
هذه لحظة فارقة، إذ يكون سبتمبر بداية لمرحلة اقتصادية جديدة.