فدوى البرغوثى لـ روزاليوسف: هل هذا مروان؟ لم أصدق ما فعلته الأيام برمز الحرية والصمود

محمد الجزار
في ظل تصاعد التوترات والاستفزازات المتطرفة فى الأراضى الفلسطينية، تتجدد محاولات النيل من صمود الأسرى وقاماتهم الوطنية. فى خضم هذه الأحداث. يظل اسم القائد الأسير مروان البرغوثى رمزًا للوحدة والصمود، وتتنامى حوله قضية الأسرى باعتبارها جوهر الصراع.
للوقوف على هذه التحديات، التقينا المحامية والناشطة السياسية فدوى البرغوثى، زوجة القائد الأسير، لتسليط الضوء على صموده خلف القضبان، وعلى رسالة العائلة فى مواجهة حملة الاستفزازات والتحريض. كما تطرقت إلى رؤيتها لمستقبل الحركة الوطنية الفلسطينية فى هذه المرحلة الدقيقة. وإلى تفاصيل الحوار:
كيف رأيتٍ اقتحام زنزانة البطل مروان البرغوثى رغم أنه بالحبس الانفرادى منذ عامين؟
للوهلة الأولى، لم أتعرف على مروان، وربما مرد ذلك أن جزءًا منى كان يرفض التصديق بأن هذا هو مروان بالفعل. أنا لم ألتقِ به منذ 3 سنوات على الأقل. لقد تأكدتُ بعد التدقيق أن الشخص الذى يظهر فى المقطع المصور هو بالفعل مروان، وأدركتُ حينها كم فعلت سنتان من التعذيب والتجويع والعزل والملاحقة لمروان داخل الزنازين. ولكى أكون صادقة، فإن هناك مشاعر خوف حقيقية على مروان، ونحن نخشى بالفعل على حياته، فقد تعرّض لثلاثة اعتداءات منذ 7 أكتوبر وهذا الاقتحام السافر لزنزانته ومحاولة استعراض القوة من قِبَل هذا المتطرف الفاشى بن غفير يشى بأن هناك قرارًا سياسيًا بملاحقة مروان واستهدافه، استمرارًا لاستهداف القضية ورموزها، فى ضوء حالة الصمت والعجز الدولى إزاء الإبادة التى تنفذها دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين وتحديدًا فى قطاع غزة منذ قرابة العامين.
ما هى الرسالة التى أراد المتطرف اليمينى بن غفير إيصالها من خلال هذا الاقتحام؟
فى الحقيقة، ليس لدى أى علم بما حدث داخل الزنزانة خلال الاقتحام. مروان، شأنه شأن جميع الأسرى والأسيرات، محروم من زيارة العائلة منذ السابع من أكتوبر، ويُسمح للمحامى بزيارته مرة واحدة كل ثلاثة أو أربعة أشهر، ولبضع دقائق فقط لا تكفى للاطمئنان عليه. لكن هذا الاقتحام والملاحقة داخل زنازين العزل الانفرادى للقائد مروان هى رسالة تهديد مباشرة لحياته وسلامته، وهى تأتى ضمن مساعى الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية ورموزها. ومع ذلك، فإن الاحتلال أغفل أن محاولات تغييب مروان وإخماد صوته طيلة السنوات الماضية باءت بالفشل، وقابلها شعبنا بالالتفاف حول مروان القائد والرمز، لما يمثله من أمل كبير لشعبنا فى كل أنحاء تواجده. إن حالة الالتفاف حول مروان كفكرة ومشروع وقيادى هى بمثابة استفتاء لشرعية النضال الفلسطينى التحررى من الاحتلال.
كيف استطعتِ أن توازنى بين غياب الزوج وحضور الأمومة ورعاية أبنائك الأربعة؟
لقد كان هذا الأمر صعبًا للغاية، فليس من السهل أن تكمل المرأة تربية أطفالها فى غياب الرجل، وأن تضمن لهم حياة كريمة واستكمال تعليمهم وحصولهم على شهاداتهم. إن هذه الرسالة هى رسالة المرأة الفلسطينية التى وقفت إلى جانب الرجل فى رحلة النضال، وشاركته الآلام والمعاناة، وحافظت على العائلة الفلسطينية وحمتها من الانهيار فى ظل غياب الرجل.
كيف يتعامل الأبناء مع غياب والدهم منذ سنوات طويلة؟
هذا الأمر صعب للغاية، فكأن الأبناء حتى هذه اللحظة لا يتقبلون فكرة غياب والدهم الحاضر دومًا فى البيت والشارع والعمل، وفى الإعلام والسياسة. مروان حاضر فى كل شىء، وهذا أمر طبيعى جدًا. غير الطبيعى هو أن يُغيّب مروان الإنسان والقائد عن عائلته وشعبه لكل هذه السنوات. اليوم، هناك أحفاد لمروان لا يعرفونه إلا من خلال الصور، وهو لا يعرفهم أبدًا ولم يلتقِ بهم نهائيًا.
هل هناك كلمات أو مواقف من مروان أعطتكِ عزيمة للاستمرار؟
مروان صاحب إرادة صلبة، ومفعم بالأمل والحيوية والتفاؤل، ومؤمن بقضية شعبنا وبعظمته وحقه فى العيش بكرامة وحرية أسوة بكل شعوب الأرض. لقد تعلمت منه الكثير، فهو رمز للصمود والإيمان بالحرية والوحدة والنصر. فى بداية علاقتنا، قال لى: «يجب أن أكون صادقًا معكِ، كنت فى السجن وقابلت قادة كبار، وتمرست على النضال أكثر، فأنا لا أريد أن أظلمكِ. أنتِ مُخيَّرة فى القبول أو الرفض، وأتمنى أن تأخذى أسبوعًا للتفكير فى الأمر». فقلت له حينها: «فلسطين ليست لكَ وحدك، سأكون إلى جانبك دائمًا»، واتخذتُ القرار فى نفس اللحظة. أنا فخورة بأننى منذ ذلك الحين أشاركه الأمل والألم والصمود والنضال، وما زلت أنتظر أن تتحقق حرية شعبنا ونعيش حياة طبيعية، كسائر نساء فلسطين الصابرات. المرأة الفلسطينية هى رمز للمرأة الحرة المناضلة التى سيّجت النضال والكفاح الفلسطينى، شريكة الرجل فى النضال والاستشهاد والأسر والمطاردة، وصاحبة رسالة النضال الصلبة الصابرة المرابطة فى غيابه. أُوجّه لها من هنا التحية، فى غزة الحبيبة التى تتعرض للإبادة، وفى الضفة، وفى القدس، وفى الداخل والشتات.
ما هى اللحظة التى تنتظرينها أكثر من أى شىء آخر؟
بالطبع هى لحظة حرية مروان وتوقف مجازر الإبادة بحق شعبنا المستمرة منذ ما يقرب من عامين. أتطلع إلى أن أرى شعبنا حرًا كريمًا وعزيزًا، وقد أنجز تحرره الوطنى والعودة والاستقلال، وهى الأهداف الوطنية التى ضحى لأجلها مروان وسائر أبناء وبنات شعبنا منذ ما يقارب مئة عام من النضال والكفاح.
ماذا تقولين لزوجات الأسرى الأخريات اللواتى يعشن التجربة نفسها؟
أتوجّه لزوجات الأسرى بالتحية والإجلال من منبركم الكريم. أقول لهنّ: أنتنّ أسطورة من أساطير النضال، وصبركنّ وتحمّلكنّ لهذه العذابات طيلة هذه السنوات سيتوّج بحرية المناضلين قريبًا، وهذه الحرية آتية لا محالة.
كيف ترين صورة مروان اليوم فى أعين الجيل الجديد من الشباب الفلسطينى؟
فى الحقيقة، دعنى أقول إن وفاء شعبنا الصامد هو ما يمنحنا الأمل، ويمنح مروان القوة والصلابة، فهو يستمد قوته من شعبه ويستمد عزيمته من صموده. مروان ابن الشعب، ويعيش ما يعيشه منذ 50 عامًا قضاها فى السجن والإبعاد والمطاردة، ولطالما أكد مقولة «الوفاء يُقابل بالوفاء». بالنسبة للأجيال الجديدة التى لم تعش مع مروان ولا تعرفه إلا بصورته رافعًا شارة النصر، وتقرأ تاريخه النضالى، فهى تؤمن بالأمل الذى يبعثه لهم مروان الإنسان، مروان القائد، مروان رمز الوحدة والنضال من أجل الحرية والعودة والاستقلال.