
الفت سعد
أحلف بسماها .. البلوجرز وإفساد المجتمع
أسباب عديدة أوصلت فئات ليست قليلة من المجتمع المصرى إلى منحدر أخلاقى لا عهد لنا به، أقول ذلك بعد القبض على ما يسمون بالبلوجرز أو التيك تكرز والذين خلال سنة أو سنتين أصبحوا من المشاهير بعد تحقيق ملايين المشاهدات لما يقدمونه من محتوى هابط يمس الأخلاق والآداب العامة.. وفوجئنا بشخصيات صعدت من العدم لتتملك قصورا وفيلات وذهبا وسيارات فارهة لا تتناسب مع الأرباح المحققة من تلك المشاهدات.
البداية جاءت مع الانفتاح الاقتصادى الذى جذب المصريين إلى سلع استهلاكية غير أساسية لتزداد الاحتياجات لتلك السلع بشكل مطرد وللأسف لم يصاحب ذلك نهضة تعليمية أو ثقافية توازن أسلوب الحياة بشكل عقلانى وتتساوى فيها الاحتياجات المعنوية مع الاحتياجات الاستهلاكية، بل على العكس بدأ التعليم فى الانحدار وتقلص الدور التربوى والتعليمى لمؤسسات الدولة لصالح التعليم الخاص الذى هدف فقط إلى تحقيق الربح دون تقويم النشأ أخلاقيا وعلميا.. وللأسف لم يأخذ الانفتاح مساره السليم لتحقيق تقدم ونمو اقتصادى مرجو، وبدلا من بناء مصانع جديدة، أغلقت أو بيعت مصانع القطاع العام وكانت تمثل أهم دعائم النهضة الصناعية والاقتصادية، وتدهورت الزراعة نتيجة بحث المزارعين عن العمل غير الشاق وتحقيق المكسب السريع والسعى للهجرة إلى المدن أو للخارج.
تلك الظواهر غيرت سمات المجتمع وأصبح الاحتياج المادى بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية دافعا لارتكاب أعمال غير هادفة تطورت مع الوقت إلى أعمال غير مشروعة.. ثم جاءت النكبة الكبرى؛ التكنولوجيا وما صاحبها من وسائل التواصل الاجتماعى، وبدلاً من أن تقدم وسائل التواصل تلك محتوى تعليميا أو ثقافيا أو معلومات عامة كبديل سهل عن الكتب والإعلام المقروء.. قدمت محتوى فقيرا بدأ بالتقليد والاستخفاف والكوميديا التافهة وصنع المأكولات.. وازداد المحتوى فى الانحدار بتمثيل شجارات وسباب وألفاظ بذيئة، ليعلو بذلك مع زيادة المشاهدات ويصل إلى العرى وخدش الحياء، وهلم جرا من التدهور الأخلاقى الذى لا يصدق.
تلك الشرذمة من البلوجرز والتيك توكرز التى أفسدت الذوق العام ولا يعنيها إلا تحقيق أعلى مكاسب مالية لأنها جاءت من القاع، تحولت إلى الصندوق الأسود لعصابات غسيل الأموال وتجارة المخدرات والأعضاء لتبييض الأموال غير المشروعة فى حساباتهم، والبلهاء محدثو النعمة سعداء بتضخم حساباتهم بالدولارات واليورو وخلافه.. ولا أدرى لماذا لم يتم إقرار قانون من أين لك هذا فى ظلّ التكنولوجيا الكاشفة عن مصادر أموال أى شخص.. كيف لم تحاسب فئة حققت الملايين فى سنة واحدة.. هل لا بد من حدوث واقعة أو فضيحة حتى يتم فحص ثروة هؤلاء ومن أين أتوا بها؟!
الظاهرة التى نحن بصددها مخيفة، فهى تكشف عن عوار أخلاقى وتربوى واقتصادى، ولا بد من إصلاحه بشكل كلى.. التربية والتعليم السليمان، المدرس السليم، الإعلام السليم، الإصلاح الاقتصادى.. لو لم نبدأ من الآن سنفاجأ كل فترة وجيزة بأحداث تعكس ظواهر تهوى بالمجتمع.
القبض على من تعدوا على الأخلاق والآداب ومعاقبتهم لا يحل الأزمة التى أصابت المجتمع.. الحل من الجذور والعودة لتقييم الظواهر الاجتماعية السلبية.. ورغم كل ما يحدث ما زال الخير موجودا فى كثير من المصريين بدليل رفضهم تلك الظواهر ومطالبتهم بغلق مواقع الإفساد والتربح السريع والمطالبة بإعلاء قيم العلم والعمل الأخلاق الفاضلة.