
أسامة سلامة
حنظلة يتحدى إسرائيل
كل من كان على متن السفينة حنظلة كان يعرف تمامًا أن إسرائيل لن تسمح لهم بالوصول إلى غزة وسترفض وصول المساعدات الإنسانية والطعام والدواء إلى الفلسطينيين المحاصرين هناك، ومع ذلك أصروا على القيام بواجبهم الإنسانى.. منذ أيام انطلقت السفينة من ميناء غاليبولى الإيطالى تحمل أغذية وأدوية وهدايا رمزية وعلى متنها 21 ناشطًا من 12 دولة بينهم برلمانيون أوروبيون ومحامون دوليون وصحفيون من عدة دول، محطة الوصول هى غزة والهدف كسر الحصار الإسرائيلى على القطاع وأهله، ولكن إسرائيل كعادتها اعترضتها فى المياه الدولية بواسطة جنود جيش الاحتلال وعناصر من وحدة الكوماندوز البحرية، واقتحمتها وقادتها إلى ميناء أشدود واحتجزت كل من عليها، وقامت بترحيلهم إلى بلادهم، السفينة التابعة لأسطول الحرية المؤيد للحق الفلسطينى والرافض للعدوان على غزة والمكون من نشطاء متعاطفين مع الفلسطينيين لم تكن الأولى، فقد سبقتها بأسابيع قليلة السفينة مادلين التى لاقت نفس المصير، ولهذا كان يُدرك من قاموا بهذه الرحلة أن إسرائيل لن تسمح لهم بالوصول إلى غزة لكنهم قرروا القيام بها لإرضاء ضميرهم الإنسانى وكشف الإرهاب الإسرائيلى أمام العالم كله، وإذا كانت السفينة مادلين استوحت اسمها من الفتاة الفلسطينية مادلين كُلاب، وهى أول فتاة فى غزة تُمارس مهنة صيد الأسماك ما جعلها نموذجًا للشجاعة فى مواجهة الظروف الصعبة وتحديات المجتمع، فإن السفينة حنظلة استمدت اسمها من الطفل الذى رسمه فنان الكاريكاتير الفلسطينى الراحل ناجى العلى، وأصبح من يومها رمزًا للطفل الفلسطينى الصامد فى وجه الاحتلال، وكأن السفينة تستلهم من اسمه الإصرار والتحدى ورفض العدوان الإسرائيلى الظالم، حنظلة هو كل طفل فلسطينى تحت الحصار ورمز لمن يعانون الآن الجوع والعطش والمرض، أطفال غزة يموتون من الجوع ومن نقص الأدوية وتحت أنقاض منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم ومساجدهم وكنائسهم التى يدمرها الجيش الإسرائيلى بشكل شبه يومى، لكنهم صامدون رافضون للاستسلام، الصهاينة يريدون فلسطين بلا أطفال ويتمنون قتلهم جميعًا لأنهم يدركون أن كل طفل فلسطينى هو مشروع مقاوم ومجاهد وشهيد، وأطفال فلسطين لن يركعوا وسيظلون يقاومون الجوع والعطش والقذائف والبرد القارس شتاء دون غطاء يحميهم والحر الملتهب صيفًا دون سكن يؤويهم، ومهما كان عدد الشهداء منهم فإن الباقين سيظلون حاملين علم فلسطين ومؤمنين بقضيتها، ولهذا فإن حنظلة هو نموذج الطفل الفلسطينى فى كل أحواله، والرسم الذى أبدعه ناجى العلى عام 1969 فى جريدة السياسة الكويتية؛ مازال حيًا رغم اغتيال مبتكره وراسمه عام 1987.
«حنظلة» كان وسيظل من أبرز الرموز الفنية والسياسية فى تاريخ فن وأدب المقاومة، وهو أيقونة تجسد معاناة الشعب الفلسطينى وصموده، وكل ملمح فيه يعبر عن ذلك، فقد رسمه ناجى العلى طفلًا فى العاشرة من عمره وهى نفس السن التى أبعد فيها من فلسطين، وحرص الفنان أن يظل حنظلة مهما طالت الأعوام والسنوات عند نفس العمر رمزًا لتوقف الزمن الفلسطينى عند لحظة النكبة، ورفض نسيان الوطن، فإذا كان من الفلسطنيين الموجودين فى الأراضى المحتلة فإن الزمن لم يتعد لحظة استلاب الوطن، وإن كان فى المهجر فإنه سيظل لا يغادر هذا الزمن حتى يعود إلى وطنه، وقد استمد اسم «حنظلة» من نبات الحنظل، وهو نبات شديد المرارة ينبت فى فلسطين، وله جذور عميقة فى التربة ويصعب اقتلاعه من الأرض، ويرمز من خلال هذا الاسم إلى المرارة التى يتجرعها الشعب الفلسطينى، وإلى صموده ورفضه إبعاده عن أرضه، وإلى قدرته على البقاء ومقاومته لكل محاولات اقتلاعه منها، يظهر حنظلة فى الرسم وهو يدير ظهره لمن يشاهده كأنه كما قال مبدعه فى حواراته الصحفية ضد الحلول والتسويات الأمريكية للقضية الفلسطينية، ويعبر أيضًا عن موقفه الثابت ضد التنازلات التى لا تحقق العدالة للشعب الفلسطينى، كما يبدو من خلال عدم إبراز وجهه إلى رفضه المشاركة فى أى تسوية غير منصفة ولا تعيد الحقوق لأصحاب الأرض الحقيقيين، أما ملابسه المرقعة وقدماه الحافيتان فتكشفان الفقر والمعاناة التى يعيشها الفلسطينيون سواء داخل الأرض المحتلة أو فى المخيمات التى تم تهجيرهم لها، وشعره الأشعث يدل على التمرد ورفض التزين والتملق للمحتل، واليدان المكتوفتان تقولان أنه رغم العجز فإن الثوار الحقيقيين غير قابلين للمساومة أو التطبيع. لن تموت القضية الفلسطينية ما دام كان هناك أطفال فلسطينيون، وستظل القضية حية ما دام حنظلة يتحدى إسرائيل.