هل سيتم اغتيال الشرع قريبا
العدوان الثلاثي على سوريا: الإرهاب

عبدالله رامى
مرت شهور على وصول فصيل إرهابى إلى كرسى الحكم، لتجد سوريا نفسها أمام هاوية جديدة. عادت الانقسامات الطائفية، وتبددت وعود «حماية الأقليات»، وانكفأ الدعم الدولى، فى حين تتكاثر التحذيرات من تحوّل سوريا إلى نسخة أكثر فوضوية من أفغانستان أو ليبيا أو حتى لبنان.
هذا السياق يطرح أسئلة مهمة:
- ما مصير سوريا فى الشهور المقبلة؟
- وهل «الشرع» رجل مرحلة أم مجرد عابر نحو فوضى أعقد؟
- ما شكل الدولة السورية بعد الأسد؟
عنف متصاعد
بحسب تقرير خاص نشرته وكالة رويترز فى 22 يوليو الجارى، نقلًا عن مقابلة مع المبعوث الأمريكى إلى سوريا، توم باراك، فإن الإدارة الأمريكية وجهت تحذيرًا صريحًا للشرع بضرورة الانفتاح على المكونات السورية، وتغيير بنيته الأمنية والعقائدية، أو مواجهة خطر التفكك والعزلة.
هذا التحذير يأتى (متأخرًا) بعد مجزرة مارس التى راح ضحيتها مئات من أبناء الطائفة العلوية، وما تبعها من اشتباكات دموية فى السويداء بين الدروز وقوات الشرع، تخللها تدخل إسرائيلى عسكرى تحت ستار حماية الدروز.
وخلال هذه الفترة. حاول الجولانى الذى جاء من رحم التيار السلفى الجهادى، تقديم نفسه كرئيس لكل السوريين، ووعد بحماية المسيحيين والدروز والعلويين، لكن الواقع على الأرض يشير إلى عكس ذلك. ووسط هذا المشهد، تتسارع المقارنات الدولية حول النموذج الذى قد تؤول إليه سوريا الجديدة.
السيناريو الأول: جهاد بلا دولة
فى هذا السيناريو، ربما تتحول سوريا إلى ما يشبه أفغانستان تحت حكم طالبان: حكومة أيديولوجية منبوذة دوليًا باعتماد كلى على الاقتصاد غير الرسمى، فيما يسيطر «أمراء الحرب» على مفاصل الدولة، وتندلع تمردات داخلية تحت شعار «محاربة التطرف الجديد».
يدعم هذا السيناريو ورقة تحليلية صادرة عن مركز RAND الأمريكى فى مايو 2025 تؤكد أن «تكرار النموذج الأفغانى فى سوريا سيؤدى إلى موجة نزوح جديدة، وظهور تنظيمات أكثر تطرفًا كفرع جديد لداعش أو القاعدة فى الداخل السورى».
الشرع قد يجد نفسه فى عزلة مشابهة لعزلة طالبان، لكنه بلا شرعية حتى داخل محيطه الإرهابى، إذ إن قبائل بدوية وكتائب منشقة بدأت تتحدى سلطته، خاصة بعد أن فشل فى توحيد الأجهزة الأمنية، واستخدم «المخابرات الدينية» لقمع الخصوم.
السيناريو الثاني: تفكك تحت تهديد السلاح
إذا لم يتمكن «الشرع» من احتواء الغضب الطائفى والانقسامات المناطقية، فإن سوريا مرشحة لتكرار تجربة ليبيا بعد القذافي لتشهد انقسامًا فعليًا للبلاد إلى أربع مناطق؛ جنوب درزى مستقل بحكم الأمر الواقع، شمال كردى مرتبط بإدارة ذاتية، ساحل علوى فى وضع شبه انفصالى، وسط وشمال سنى بقبضة الشرع وفصائل سلفية.
وهذا يعنى وجود حكومات متوازية، مع تدخلات دولية متضاربة من روسيا وتركيا وإيران وإسرائيل، تتصارع جميعها على موارد النفط والمياه، وتنامى اقتصاد الحرب والتهريب.
ووفقًا لتحليل صادر عن مركز CEPS الأوروبى (يونيو 2025)، فإن «سوريا تُدار الآن بأسلوب يشبه ما بعد القذافى فى ليبيا: مزيج من الحكم بالقوة والفساد والانقسام الجغرافى. والخطر الأكبر أن كل منطقة تعتمد على راعٍ خارجى، مما يُنتج دولة بحدود لكنها بلا سيادة».
السيناريو الثالث: انهيار بطىء تحت قناع الدولة!
فى حال قبل الشرع بإشراك الأقليات والفاعلين المحليين ضمن صيغة تقاسم سلطة، فقد نصل إلى نموذج شبيه بلبنان:
مؤسسات رسمية ضعيفة تتقاسمها المليشيات، واقتصاد منهار ونظام بنكى مشلول، وصفقات تحت الطاولة بين زعماء الطوائف. لكن هذا السيناريو يتطلب «تنازلات وجودية» من الشرع، مثل التخلى عن الهيمنة السلفية داخل الجيش، وإنشاء مجلس وطنى يمثل الطوائف والأقاليم، وإشراف دولى على المرحلة الانتقالية.
لكن ما نفهمه من تصريحات المبعوث الأمريكى، لا يبدو أن الشرع مستعد لأى من هذه الخطوات.. وبالتالى فإن هذا السيناريو صاحب الاحتمالات الأقل.
مستقبل الشرع!
بحسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فإن الشرع ارتكب منذ تسلمه السلطة سلسلة من الأخطاء الجوهرية.. أبرزها: - لم يُعد هيكلة جيشه أو يدمجه فى مؤسسات الدولة.
- تجاهل مطالب الأقليات بحكم مشترك.
- فشل فى التوصل إلى صيغة توافقية مع الفاعلين الإقليميين.
وفى تقرير مطول لـBrookings Institution، يونيو 2025، جاء أن «الشرع بات يمثل عبئًا على استقرار سوريا، واستمراره مرهون بانقلاب داخلى أو صفقة إقليمية لاستبعاده، وقد لا يخرج من الحكم طوعًا إلا إذا أُجبر».
ويتوقع التقرير أن السيناريو الأقرب بالنسبة للشرع فى الشهور المقبلة يتمثل في:
- إما عزله داخل تحالفه بضغط دولى وإقليمى.
- أو مواجهة تمرد داخلى واسع، خاصة فى الجنوب.
- أو حتى اغتيال سياسى يقوده جناح أكثر براجماتية داخل فصيله.
ضغوط دولية بلا رؤية
حتى الآن، تبدو السياسة الدولية تجاه سوريا «وقائية» وليست «بنائية»، فواشنطن تسعى لمنع الانهيار لا لتغيير المعادلة، بينما تبحث موسكو عن موطئ قدم بعد سقوط الأسد دون تقديم بديل، أما إسرائيل فتتحرك تكتيكيًا لمنع تهديدات حدودها.
حرب قادمة على الأراضى السورية!
وبينما تتوغل إسرائيل تحت دعاوى حماية الأقليات، لا يمكننا تجاهل حدث مهم فى يناير الماضى.. لنفهم أى السيناريوهات أقرب فى سوريا.. ونعرف عن الحرب المنتظرة على أرض الشام.
وكما كان سقوط نظام الأسد أو إسقاطه يمثل حلقة مهمة فى التمهيد العملياتى لضرب إيران.. فإن سقوط الشرع سيكون جزءًا من تمهيد لمواجهة طرف إقليمى آخر بالنسبة لإسرائيل.
فى يناير نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية تقريرًا للجنة ناجل الأمنية توصى فيه بـ «زيادة ميزانية الدفاع بما يصل إلى 15 مليار شيكل سنويًا على مدى السنوات الخمس المقبلة لضمان قدرة قوات الدفاع الإسرائيلية على التعامل مع التحديات التى تفرضها (تركيا)، إلى جانب التهديدات الإقليمية الأخرى».
يعنى هذا ببساطة.. أننا أمام تمهيد إسرائيلى لأرض المعركة الجديدة.. وتحذير أمريكى من سقوط الشرع.. وتواجد تركى بدعم فصائل وميليشيات مسلحة.. وبلد عربى يضيع!
كل السيناريوهات مظلمة!
بين نموذج أفغانستان وليبيا ولبنان، تبدو سوريا محاصرة داخل ثلاثة مصائر، لا ينتصر فيها أحد. والمفارقة أن هذه النماذج الثلاثة تبدأ جميعها بـ«ثورة دينية مسلحة على سلطة مركزية»، وتنتهى بـ«فراغ سياسى أو انفجار طائفي»!