الأحد 3 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

النجاح = التريند!.. وعايزنى أكسبها؟

فى الماضى، كان الصيف يعنى الألبومات، وكانت الشمس والبحر والحب أبطال المشهد. موسم الأغنية لم يكن مجرد توقيت، بل سياق طبيعى يُشجّع على التلقى العاطفى، ويحرض على الإبداع.



 

لكن الآن، كل ذلك تراجع أمام نجم جديد لا يُغنى ولا يُبدع: ألا وهو «التريند».

صار «التريند» هو البوصلة، والمحتوى.. هو الحشو، قبل أن نخوض فى التفاصيل، دعونا نسأل: ما هو التريند أصلًا؟ كلمة «تريند» (Trend) أصلها إنجليزى، وتعنى «اتجاه» أو «ميل»، وظهرت فى البداية فى سياقات الاقتصاد لرصد تحوّلات السوق. لكن فى زمن السوشيال ميديا، تحوّلت الكلمة لتشير إلى الموضوع الذى يتصدر اهتمامات الناس فى لحظة ما، غالبًا لأسباب غير فنية أو غير جوهرية.

التريند إذن لا يعنى النجاح، بل يعنى اللحظة. والتعامل معه كمعيار للجودة هو ضرب من التدليس، لا يمارسه إلا من يعانى من خفة فى الوزن الفنى أو العقل النقدى.

ولكى لا نتحدث فى الفراغ، فلننظر إلى الواقع: خلال أسبوعين فقط، صدر عدد كبير من الألبومات لفنانين بحجم «رامى جمال، عمرو دياب، تامر حسنى، رامى صبرى، أحمد سعد، أصالة، نانسى عجرم، آمال ماهر»... ومن الطبيعى أن يتقاسم كل هؤلاء مساحة التريند بشكل لحظى. 

لكن هل هذا هو النجاح؟ هل الترتيب اللحظى فى قوائم الاستماع يعنى تفوقًا فنيًا أو جماهيريًا حقيقيًا؟ الإجابة: لا.

خاصة أن بعض هذه الأسماء - ولن أذكرها تفاديًا لحساسية «القمص» - باتت محترفة فى صناعة التريند الكاذب: عبر لجان إلكترونية، أو شراء مشاهدات من دول لا تعرف العربية أصلًا، كإندونيسيا وبنجلاديش ومدن هندية نائية، فقط لتصدر قوائم يوتيوب بمشاهدات لا تعبّر عن تفاعل حقيقى.

ومن ثم، أصبح بعض الفنانين يتعاملون مع أغانيهم كحملات تسويقية لا كمشروعات فنية، يبحثون عن رقم أكثر مما يبحثون عن معنى، حتى الأغلفة والبوسترات تم تفصيلها لتُشارك فى المعركة الرقمية، لا لتُعبر عن روح الألبوم، لأنهم يعلمون أن هناك صحفيًا، أو بلوجر، سيتحدث عن «اللقطة» و«اللوك»، لا عن المحتوى، ويتحقق الجدل المفتعل!

المشكلة الأكبر ليست فى هؤلاء الفنانين، بل فى الصحفيين الذين يلهثون خلف عناوين مثل: «الفنان الفلانى يتصدر التريند»، دون أن يسألوا: من شاهد؟ ولماذا؟ وهل ما شُوهد له قيمة؟ وما هو التحليل الرقمى ودلالته؟ قبل أن نقوم باستعراضه كحقيقة مطلقة!

ثم تأتى الكارثة الكبرى: الفنان يعيد نشر الخبر الذى صنعه بنفسه وبلجانه، ويتفاعل معه جمهوره ولجانه الإلكترونية أيضا، فيعلو ترتيب الخبر على الموقع الإخبارى، فيُكافأ الصحفى من إدارة الموقع، وتدخل الإعلانات، وتستمر الحلقة - حلقة وهمية نفاقية بالكامل، لكنها ناجحة رقميًا!

فى ظل هذا المناخ، هرب الفنانون من اللقاءات الجادة والحوارات المعمقة. 

لا أحد يريد أن يُسأل عن اللحن أو التوزيع أو الفكرة، ولمّا افتقد الصحفى أدوات التحليل الفنى، وفقد الحس النقدى، صار جزءًا من ماكينة الدعاية بدلًا من أن يكون سلطة مراجعة.

والأسوأ: أن الفنان بات ينظر للصحفى من علٍ، لأنه يعرف أن هذا الصحفى لا يستطيع التمييز بين «التريند الحقيقى» و«التريند المُصطنع».

ففُقدت الندية، وتبخّر الحوار، وضاع ما كان يجب أن يكون أساس العلاقة: الاحترام المتبادل بين من يخلق ومن يشرح. المسئولية - بكل وضوح - تقع علينا نحن، معشر الصحفيين.

ارتضينا الدخول فى هذه الدائرة الوهمية، تنازلنا عن النقد، فرّطنا فى أدواتنا، وتخلينا بإرادتنا عن موقعنا الطبيعى: الوسيط العاقل بين الفنان والجمهور.

وكأننا نعيد تجسيد ما قاله «محمود المليجى» لـ«أحمد زكى» فى فيلم (إسكندرية ليه؟).. «قسمتنا كده حمار بيترافع عن حمار»!