
كريمة سويدان
أنا وقـلمى .. ترامب.. ونوبل للسلام
رغم ما تحمله جائزة نوبل للسلام من رمزية أخلاقية وإنسانية، فإن كثيرين يتساءلون: هل هذه الجائزة ﻻ تزال مخلصة لوصية «ألفريد نوبل»؟ أو بعبارة أخرى هل انحرفت الجائزة عن مسارها لاعتبارات سياسية؟ الواقع يشير إلى أن الجائزة- وعلى مدار العقود الأخيرة- أصبحت فى بعض الأحيان رهينة للواقع السياسى الدولى، وأداة لإرسال رسائل سياسية أكثر منها تكريمًا لإنجازات واقعية فى ميدان السلام، وأكبر دليل على ذلك منح الجائزة للرئيس الأمريكى الأسبق «باراك أوباما» عام «2009»- بعد شهور قليلة من توليه الرئاسة- دون تحقيق إنجاز فعلى على الأرض، وقد صرح المراقبون حينها أن الجائزة مُنحت «للنوايا» ﻻ للأفعال، بالإضافة إلى استبعاد شخصيات ومعارضين بارزين فى بعض الدول، رغم كفاحهم الطويل من أجل حقوق الإنسان خوفاً من ردود أفعال سياسية من قِبل حكوماتهم، وفى المقابل ترى لجنة نوبل نفسها حرة ومستقلة، وتؤكد أنها تستند إلى مبادئ السلام والتأثير الدولى، لكن طبيعة الجائزة التى تتقاطع مع ملفات شائكة كحقوق الإنسان والحروب والنزاعات الدولية تجعلها دومًا عُرضة لتفسير سياسى، وعندما يتجدد مشهد احتمال منح الرئيس دونالد ترامب جائزة نوبل للسلام بناءً على طلبه وسعيه، إذن هناك شىء خطأ، فمنذ دخول ترامب الحياة السياسية لم تتوقف التساؤلات والجدل محليًا ودوليًا وفى أكثر من مناسبة حول احتمالية ترشحه أو منحه جائزة نوبل للسلام، خاصة بعد أدوار مثيرة للانقسام قام بها خلال فترة رئاسته من «2017 إلى 2021»، من أبرز ما يستند إليه أنصار ترامب للمطالبة بمنحه نوبل، ما قام به فى توقيع اتفاقيات «أبراهام» بين إسرائيل وعدد من الدول العربية- برعاية أمريكية مباشرة- أبرزها: الإمارات، البحرين، المغرب، السودان، وقد وُصِفت هذه الاتفاقيات بأنها «خطوة تاريخية» نحو تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، ولم يُخفِ ترامب نفسه عن رغبته فى الحصول على نوبل للسلام علنًا، وعلى الجانب الآخر يرى معارضو ترامب أن سياسته الخارجية اتسمت بالتوتر والمواجهات العسكرية على مستوى العالم كله خاصة مع بداية وﻻيته الثانية فى «2025» أكثر من كونها داعمة للسلام، فقد انسحب من الاتفاق النووى الإيرانى أثناء وﻻيته الأولى، ثم اشترك مع إسرائيل لضرب المفاعلات النووية فى وﻻيته الثانية، وتشجيعها على الاغتياﻻت لعدد كبير من المسئولين الإيرانيين ومدها بأحدث التقنيات والأسلحة للهيمنة على الأراضى الإيرانية، كما أنه ساعد وشجع أوكرانيا فى حربها مع روسيا وفرض عقوبات قاسية على دول عديدة، كما قام باستخدام القوة فى أكثر من ملف حتى أصبحت الدماء فى كل مكان، وواجه ترامب انتقادات شديدة بسبب موقفه المخزى من القضية الفلسطينية خاصة بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة فى وﻻيته الرئاسية الأولى، وتشجيع ودعم إسرائيل للهجوم والإبادة العرقية ضد الشعب الفلسطينى فى غزة فى وﻻيته الحالية، ناهيك عن تعامله مع قضايا العنف العنصرى والاحتجاجات التى شهدتها الوﻻيات المتحدة بعد مقتل «جورج فلويد»، وقراراته لطرد المهاجرين من كل أنحاء الوﻻيات المتحدة الأمريكية مؤخرًا جعل صورته- كصانع للسلام- محل شك لدى قطاع واسع من المجتمع الأمريكى والعالمى، ومن المهم أن نتذكر هنا أن ترامب تم ترشيحه فعليًا لجائزة نوبل للسلام فى أكثر من مرة من قِبَل بعض النواب الأوروبيين والنرويجيين- وهو أمر قانونى- حيث يمكن لأى برلمانى أو أكاديمى مرموق تقديم ترشيح، لكن مجرد الترشيح ﻻ يعنى بالضرورة أحقية المرشح بالفوز لأنه من المفروض أن لجنة نوبل تأخذ فى الاعتبار معايير أكثر عمقًا واستمرارية فى التأثير على السلام العالمى.
ويبقى السؤال المهم: هل من الممكن أن تُمنح هذه الجائزة الرفيعة بناءً على اتفاقيات سياسية حتى لو كانت محكومة بظروف مرحلية؟ وهل يغفر العالم للرئيس الأمريكى ترامب خطاباته الحادة ومواقفه المثيرة؟ والمنوط بالإجابة على هذا السؤال هو لجنة نوبل نفسها، حيث إن الرأى العام العالمى- غالبًا- ﻻ يرى فى ترامب رمزًا تقليديًا للسلام بل العكس تمامًا.. وأخيرًا- سواءٌ مُنِحت الجائزة لترامب أم ﻻ- تبقى جائزة نوبل للسلام مرآة تعكس تحوﻻت العالم السياسية أكثر من كونها مقياسًا مطلقًا للإنجازات الإنسانية، وبين ما ينبغى أن تكون عليه الجائزة، وما أصبحت عليه أحيانًا فهناك تطلُّع إلى الفوز بها حتى لو اختلفت الآراء حول من يستحقها حقًّا.. وتحيا مصر.