الإثنين 21 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مصر أولا.. المجلس الأعلى للثقافة.. تشكيلات خارج الخدمة..  وزارة تدور فى حلقة مفرغة:  من يخطط السياسات الثقافية؟!

مصر أولا.. المجلس الأعلى للثقافة.. تشكيلات خارج الخدمة.. وزارة تدور فى حلقة مفرغة: من يخطط السياسات الثقافية؟!

حدث خلال الأيام القليلة الماضية، سباق وصل لحد التراشق فى السوشيال ميديا.. تعقيبًا وتعليقًا على تشكيل الجديد المتأخر للأمانة العامة للمجلس الأعلى للثقافة. وإذا كان ذلك القرار هو خطوة نحو التجديد والتغيير للريادة الثقافية المصرية، فإن إعادة النظر فى تركيبة التشكيل الجديد.. تستحق التوقف بالرصد والتحليل حتى لا يكون مجرد بناء شكلى.. لا يحمل فى محتواه التحول النوعى المنتظر فى السياسات والآليات والمهام.



هذا المقال ليس تعقيبًا على شخصيات التشكيل الجديد، ولا على الرموز والقامات الفكرية، بل هو دعوة لطرح الأسئلة الجوهرية التى لا يجيب عنها أحد، على غرار: هل هذا التشكيل الجديد يعكس تنوعًا معرفيًا حقيقيًا؟ وهل المجلس الأعلى للثقافة يقوم بتحقيق الدور المنوط به والمنتظر منه؟ وما هو موقف التشكيل الجديد من رؤية السياسات الثقافية والصناعات الإبداعية والاستثمار الثقافى؟

النشأة والدور

من المعروف أن المجلس الأعلى للثقافة تأسس سنة 1956 باسم «المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية»، ثم تطور إلى «المجلس الأعلى للثقافة» بالقرار الجمهورى رقم 150 لسنة 1980. وأعيد تنظيمه طبقًا للقانون رقم 138 لسنة 2017، ليصبح الهيئة المركزية المنوطة بالتخطيط الثقافى فى مصر. وتاريخيًا، كان الحديث عن هذا المجلس.. كبديل لوزارة الثقافة، وليس ضمن مجالسه وهيئاته، فأما مجلس أم وزارة. 

وتنص اختصاصات المجلس الأعلى للثقافة على إعداد السياسات الثقافية العامة. وتنسيق الأنشطة الفكرية والفنية.

ومتابعة تنفيذ خطط التنمية الثقافية. ودعم الإبداع والتنوع. وهو ما يؤكد على وجود فجوة بين الدور المأمول لواقع اللجان وآليات عمل المجلس، ودوره الفعلى على أرض الواقع.

تنوع مشروط

لم أتوقف بشكل حصرى على التشكيل الأخير للأمانة العامة للمجلس الأعلى للثقافة.. خاصة فى مسألة سن الأعضاء وأعمارهم التى تراوحت بين 60 و90 سنة لقامات نجلها ونحترمها ونقدرها. لكن التوقف هنا عند بعض الأسئلة التى تحتاج إلى اجابات حاسمة لفهم معايير الاختيار فى حالة وجودها من الأصل، وعلى سبيل المثال:

-هل حقًا التشكيل الأخير يمثل توازن ثقافى وفكرى حقيقى، أم اقتصر على تخصصات محددة. واستبعاد أخرى، مثل: الفلك والمناخ والعلوم التطبيقية والذكاء الاصطناعى والدراسات الإفريقية و...؟ 

-هل يمثل الاختيار نوعًا من مكافأة نهاية الخدمة حتى لو لم تسمح حالته الصحية والفكرية بالتواجد والمشاركة؟ وهو أمر لا ينتقص من قدر أو وزن أى من الأعضاء.. لكنها مقتضيات طبيعة الحياة فيما يتعلق بالحالة الطبية والقدرات الفكرية والذهنية والإدراكية. 

- ما الفائدة من تكرار بعض الأسماء والاتجاهات.. دون استقطاب شخصيات ثقافية أخرى؟ وهو ما يعنى غياب أصوات قادمة من فضاءات معرفية أخرى غير تقليدية!

-هل اختيار البعض من وزراء الثقافة السابقين هو نوع من التكريم أو المجاملة الشرفية، أم لسماع مقترحاتهم التى لم يقروها أو يستطيعوا تنفيذها أثناء توليهم منصب الوزارة؟! أين قدرتهم على الإضافة والتطوير؟!

ويبقى أصل السؤال: ما معايير اختيار أعضاء الأمانة العامة للمجلس الأعلى للثقافة؟ وبالتبعية المطلقة.. معايير اختيار رؤساء اللجان وأعضائها؟! ومع طرح سؤال ساذج عن مفهوم الثقافة والسياسيات الثقافية عند السلطة التنفيذية لوزارة الثقافة؟! ومع مراعاة أن الثقافة أشمل بكثير من اختزالها فى الفنون فقط. 

لجان كثيرة.. تأثير أقل.. 

مشهد المجلس الأعلى للثقافة من الخارج.. يوحى بثراء تنظيمى: لجان كثيرة ومتعددة، رؤساء ومقرّرون، اجتماعات موسمية بمكافآت تتناسب مع سبعينات القرن الماضى. ويبقى السؤال الأهم: ما نتائج عمل هذه اللجان؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر، ملف النشر بوزارة الثقافة باعتباره مثالا صارخا وفجا على التكرار الساذج غير المفهوم. ضمن لجان المجلس الأعلى للثقافة، هناك لجنة الكتاب والنشر. وهناك اللجنة الدائمة للنشر بوزارة الثقافة التى أسسها الوزير الراحل د. جابر عصفور، والمفترض أن يرأسها الوزير نفسه بهدف حل مشكلات النشر فى قطاعات الوزارة المتعددة، وهناك لجنة النشر بالهيئة المصرية العامة للكتاب، ولجنة النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة.

النتيجة تشابك اختصاصات ولا علاقة بين بعضهم البعض، وتعارض صلاحيات. وما يترتب على ذلك من عدم وجود استراتيجية نشر رقمى، وعدم وجود خطة توزيع ذكية، ولا وجود لقاعدة بيانات موحدة لاهتمامات القراء والمثقفين.

إنه غياب تام لرؤية موحدة، وتكريس للعمل كجزر منعزلة لا علاقة لها ببعض أو تكامل بينها. وهو ما يتكرر مع لجنة الدراما بالمجلس الأعلى للثقافة، وعلاقتها بلجنة الدراما بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. ولجنة السينما بالمجلس وعلاقتها بالمركز القومى للسينما ومهرجان القاهرة السينمائى. ولجنة المسرح بالمجلس وعلاقتها بالبيت الفنى للمسرح وإدارة المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة. 

مجلس بلا خريطة ثقافية

أعتقد أن المجلس الأعلى للثقافة ينبغى أن يكون هو العقل الاستراتيجى المفكر.. الذى يضع السياسات الثقافية للدولة المصرية. لكن أين تلك السياسات الثقافية المزعومة؟! فلا يوجد ميثاق ثقافى. ولا توجد رؤية شاملة لدمج الثقافة بالتحولات الرقمية. ولا توجد مؤشرات قياس أداء لبرامج ومبادرات ومشروعات وأنشطة وزارة الثقافة. ولا يوجد خطط للصناعات الثقافية والاستثمار الثقافى.

لقد تحول المجلس إلى هيئة تنفيذية لتكرار المناسبات وعقد الفعاليات.. دون أن تمتلك سلطة تنسيقية حقيقية أو خريطة إصلاح ثقافى ملموس. وكأنها أحد قصور الثقافة فى أحد المحافظات البعيدة.

اللجنة الرقمية.. نية افتراضية

منذ الإعلان عن لجنة الثقافة الرقمية سنة 2023، بدا أن وزارة الثقافة تستوعب ضرورة التغيير. غير أن الواقع العملى بعد ذلك، أثبت أنها لم تستعن بمطورى التطبيقات والبيانات. ولم تستقطب صناع المحتوى الثقافى. ولم تمتلك أدوات رصد التحولات الرقمية الثقافية. ولم تقدم أى مؤشرات عن معدلات القراءة الرقمية أو تفاعل الشباب مع المحتوى الثقافى.

ولا زال التعامل مع الرقمنة بشكل رمزى وبأدوات تقليدية مع قيادات ونخب وقامات لا علاقة لها بالتحول الرقمى لا خبرة لها فى التعامل معه والاشتباك مع تقنياته.

الصناعات الثقافية.. الفريضة الغائبة..

الثقافة الآن ليست مجرد إنتاج رمزى فقط، بل صناعة متكاملة. غير أن المجلس لا يمتلك حتى اليوم.. لجنة للصناعات الثقافية. ولا وحدة لرصد العائد الثقافى والاقتصادى لأى مشروع. ولا أى جهة لتولى مهام الاستثمار الثقافى.

غياب مثل هذا الملف ينعكس على ضعف الاستثمار فى الإنتاج السينمائى. وغياب آليات متقدمة للنشر الرقمى. وعدم وجود ما يحفز الشباب لابتكار منتجات ثقافية قابلة للتداول. إن غياب الرؤية الاقتصادية للاستثمار الثقافى.. سيبقى الثقافة باعتبارها مشروعًا نخبويًا، غير قادر على التأثير فى حياة المواطن، ولا يتجاوز تأثيرها سوى على نسبة ضئيلة جدًا من الشعب المصرى.

لجان رمزية.. مساحات تأثير

العديد من لجان المجلس لا تجتمع إلا نادرًا، أو تشكل لمجرد.. ضبط شكل عمل اللجنة. ولا توجد تقارير معلنة عن أعمالها، ولا محاضر موثقة، ولا آلية لمساءلة اللجان حول أدائها أو أثرها المجتمعى. وفى حالة عملها.. تصدر التوصيات غير الملزمة. إن جميع لجان المجلس الأعلى للثقافة سواء النوعية والفرعية.. لا يصدر عنها أى قرارات ملزمة حتى على مجالس وهيئات وزارة الثقافة نفسها. وإنما جميعها مجرد توصيات.. لحفظ ماء وجه اللجان وصرف البدلات والمكافآت. 

الثقافة ليست آدابا فقط

بكل تأكيد، فإن الأدب والفنون ركيزة ثقافية أساسية، لكن ما طرأ من تغيرات على المجتمع من جانب، ومتغيرات التطور التكنولوجى والذكاء الاصطناعى من جانب آخر.. يجعلنا نتوقف أمام بعض المجالات الجديدة علينا، على غرار: أهمية المحتوى المرئى والتفاعلى. وما يمكن أن نطلق عليه الثقافة الشعبية الرقمية. والتصميم والبرمجة للمحتوى الثقافى. والتفاعل مع العلوم المجتمعية والتواصلية.

أين كل ما سبق من لجان المجلس الأعلى للثقافة؟ ولماذا يستبعد اختيار البعض من خارج المنظومة الثقافية التقليدية؟!

إصلاح المجلس الأعلى للثقافة

أقترح تبنى خطة لتحول المجلس إلى مؤسسة ديناميكية فاعلة، من خلال:

1 - تشكيل لجان متخصصة حديثة تشمل: الذكاء الاصطناعى، الفلك، المناخ، والصناعات والاستثمار الثقافى. ومع تعديل لائحة المجلس لتصبح قراراته ملزمة لجميع القطاعات.

2 - دمج اللجان المكررة داخل كافة أروقة وزارة الثقافة (مثل النشر)، وتوحيد جهودها فى وحدة مستقلة.

3 - تفعيل الشفافية من خلال إعلان الميزانيات، والخطط، والنتائج.

4 - تقييم الأداء من خلال تفعيل المرصد الثقافى لرصد التفاعل المجتمعى مع كافة أنشطة  الوزارة.

5 - إعادة النظر فى آلية الاختيار بالوزارة سواء للقيادات التنفيذية أو القيادات الفكرية من مقررى اللجان وأعضائها.. بمعايير مهنية، وليست رمزية فقط.

نقطة ومن أول السطر

يعانى المجلس الأعلى للثقافة الآن.. من انفصال بين الرؤية والخطاب، وبين الممارسة والتنفيذ. صورة بصرية ذهنية أنيقة، بلا أدوات عملية وواقعية. تشكيلات مكررة، دون وعى بالتغيير السريع الزمن.

لن يقوم هذا المجلس بقرارات تجميلية أو بوجود أسماء مرموقة مقدرة فقط، بل بإعادة هندسة سياساته ودوره ومهامه وأدواته وآليات إنتاج للفكر والسياسات.. حتى لا يكون مجرد مجلس شرفى، ومجرد مجلس بروتوكولى احتفالى.

سؤال أخير: هل نحن بصدد ورقة غلاف أنيقة بهذا التشكيل الجديد؟ أم خطوة أولى لبناء سياسات ثقافية جديدة فى مصر بعيدًا عن تصفية الحسابات الذى يحدث الآن بين بعض قادة وزارة الثقافة داخل الهيئة الواحدة لصالح أهداف خاصة وأجندات غير مفهومة؟!

الثقافة.. نور. وهى الوسيلة الوحيدة لمواجهة التطرف والتعصب والتشدد.

الثقافة هى السبيل لتحقيق الدولة المدنية المصرية.

الثقافة هى الحل..الثقافة والمعرفة هى الحل..العدالة الثقافية./ملف الثقافة.. أمن قومى مصرى.