الإثنين 21 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

وثائق بريطانية تكشف تفاصيل اللقاء الأصعب بين الضباط الأحرار ومسئولين بالسفارة

«ثورة يوليو».. أجهضت خطة فصل سيناء ووضعها تحت الإدارة الدولية وتدويل قناة السويس

 لم  تمر أكثر من  17 ساعة على بيان الضباط، الأحرار يوم 23 يوليو 1952  الذي قرأه عبر الإذاعة محمد أنور السادات  رئيس الجمهورية فيما بعد.. حتى عقد مجلس الوزراء البريطاني برئاسة  ونستون تشرشل رئيس الحكومة اجتماعا نوقش فيه الوضع في مصر.



الاجتماع كشف أن ما حدث فى يوليو كان مفاجأة كبيرة ولم يكن متوقعا.. وبداية محضر الاجتماع جاءت: نظرا لأن السفير البريطاني في القاهرة رالف ستيفنسون كان في إجازة، فإن القائم بالأعمال البريطاني في القاهرة، إتش جيه كريزويل، تلقى رسالة من عضو في الحكومة المصرية السابقة تقول إن «انقلاب الجنرال نجيب هو نتيجة إلهام حركة شُكلت بدعم من الشيوعيين والإخوان المسلمين. ويهدف إلى تنصيب نظام ثوري معاد للرأسمالية».

ورغم أن مداولات الاجتماع، انتهت إلى أن هذا الطرح «ربما ينطوي على مبالغة»، فإن «به مضمونا يكفي لتبرير وضع القوات البريطانية في المنطقة في حالة تأهب».

واتفق الوزراء على أنه «من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان الجنرال نجيب نفسه يسيطر على الموقف، أو ما إذا كان أداة في يد شخصيات سياسية غير موثوق فيها».

وكشفت وثائق أن بريطانيا درست حشد تأييد الدول الغربية لتدخل عسكري دولي في مصر بعد إعلان الضباط الأحرار خلع الملك فاروق.

كما  وجهت لندن إنذارا شفهيا مباشرا إلى اللواء محمد نجيب، قائد الضباط الأحرار، بأنها وضعت قواتها في مصر والشرق الأوسط في حالة تأهب للتحرك لو تعرضت أرواح البريطانيين للخطر.

وتؤكد الوثائق أن بريطانيا فوجئت بتحرك الضباط، ولم تكن لديها معلومات عنهم أو عن نواياهم. الوثائق كشفت أن أعضاء  مجلس الوزراء البريطانى  اتفقوا على ضرورة التزام الحذر حيث أجمعوا على أنه «طالما أنه ليس هناك خطر على حياة البريطانيين، فإن أي تحرك من جانب القوات البريطانية سوف يُعتبر تدخلا في شئون مصر الداخلية»... مشيرين إلى ماجاء في بيان الثورة الأول نصا : «أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم». وأعلن أن «الجيش يعتبر نفسه مسئولا عنهم».

وفى المقابل  تقرر «إعطاء تطمين غير رسمي للجنرال نجيب عبر القنوات العسكرية بأنه ليست لديهم نية للتدخل ما لم تتعرض حياة البريطانيين للخطر».

وفي مساء اليوم نفسه، الرابع والعشرين من يوليو حدث اللقاء الأصعب والأول بين اللواء محمد نجيب ومسئولين كبار بالسفارة البريطانية هما سي جي دي سي هاملتون، الدبلوماسي في السفارة البريطانية في القاهرة وكزويل القائم بأعمال السفير 

استمر لقاء نجيب وهاملتون وكريزويل 35 دقيقة، بين الساعة 10.50 دقيقة و11.25مساء الرابع والعشرين من يوليو..وفي تقريره عما دار، قال القائم بالأعمال البريطاني إن نجيب «أجلسنا أمامه وجلس هو خلف مكتبه».. ووصف اللقاء بأنه كان «وديا» عموما.

وأضاف: إن نجيب «بدا وكأنه بشكل ما يدرك ما قد يأتي. غير أنه كان مرتاحا وراضيا بوضوح عندما سمع وقدَّر مضمون الرسالة»... وسأل الجنرال عن إمكانية حصوله على نسخة من الرسالة، غير أن القائم بالأعمال لم يستجب.

 

وفي تقريره، قال كريزويل «أمليتها عليه وعلق بظُرف قائلا إن الأمر وكأنه يأخذ درس إملاء في المدرسة».... ولاحظ القائم بالأعمال أن الجنرال «بدا وكأنه يكتب الإنجليزية بسهولة ملحوظة. وبالتزامن مع هذا، كان ضابط آخر،- يقصد الرئيس جمال عبدالناصر -  حضر اللقاء مع الجنرال، يكتب ما جاء في الرسالة».

وفي نهاية تقريره، أبدى القائم بالأعمال الملاحظة التالية: «الأجواء في القيادة كانت هادئة، بدا أن الأمور تسير في جو من الثقة».

وفي إشارة إلى طرق تغيير نظام الحكم في مصر، قال الدبلوماسي البريطاني إنه «بعد 4000 سنة حدث خلالها مثل هذا الأمر، اعتاد القاهريون تماما على هذا».

 

وكانت الرسالة التى حملها رجال السفارة إلى الرئيس نجيب من حكومة بريطانيا العظمى  تتضمن التالي:.. حكومة جلالة الملكة لا ترغب في التدخل في شئون مصر الداخلية... غير أننا سوف نتدخل فورا إذا أصبح هذا ضروريا لحماية أرواح الرعايا البريطانيين... أصدرنا تعليمات إلى قواتنا سوف تضعها في حالة استعداد... نثمن ما جاء فى البيان الأول بأن الجيش المصري سيكون مسئولا عن حماية أرواح الأجانب وممتلكاتهم... الاستعدادات المشار إليها ليست بأي حال موجهة ضد الجيش المصري، وسوف تُبذل كل الجهود من جانبنا.. لتجنب احتمال وقوع حوادث.

ووفق قرار الحكومة المجتمعة فى لندن، فقد طلب هاملتون من قيادة الجيش المصري لقاء اللواء نجيب كي «يملي» عليه الرسالة... والتقى نجيب بهاملتون، وكريزويل القائم بالأعمال، في مقر القيادة في حي العباسية بالقاهرة... بعد عودة هاملتون إلى السفارة، مزق أصل الورقة التي كتبت فيها الرسالة. والتى رفض تسليمها لمحمد نجيب مكتفيا فقط بقراءة نصها عليه .

وفق برقية من السفارة فيما بعد ، فإن «الرسالة أمليت على نجيب من هذه الورقة» التى تم التخلص منها .ونبهت البرقية إلى أنه «نظرا لأن هاملتون ظن أنه ربما يكون لها أهمية تاريخية، فإنه جمع قطع الورقة مرة أخرى». على الصعيد العسكري، اجتمعت لجنة الأركان المشتركة في يوم 24 يوليو أيضا بهدف «بحث التدابير اللازمة للحفاظ على موقع بريطانيا في مصر»، بعد تحرك الضباط الأحرار.

وخلال الاجتماع، الذي رأسه الأدميرال سير رودريك مكريجور، قائد السلاح البحرية ورئيس أركانها، قال الجنرال سير براين روبرتسون، قائد القوات البرية البريطانية في الشرق الأوسط، إنه «ينبغي علينا بالطبع اتخاذ كل التدابير اللازمة لتأمين موقعنا في منطقة القناة ولحماية أرواح المواطنين البريطانيين في الدلتا. وفعل هذا هو بوضوح في إطار حقوقنا».

ونصح الجنرال بالتمييز بين «اتخاذ تدابير تحقيق هدف سياسي، كمنع تحول السلطة إلى الشيوعيين في مصر»، والتحركات العسكرية.

وقال إنه قد يكون ضروريا تماما اتخاذ إجراء لمنع سقوط مصر في أيدي الشيوعيين. غير أنه نبه إلى أنه «لا مجال لاتخاذ مثل هذا الإجراء ما لم نحصل على مساندة الولايات المتحدة الكاملة»... وحذر من عواقب أي «استعراضات» للقوة «إن لم يكن إسنادها بفعل ممكنا».

وقال «ما لم نكن مستعدين لاتخاذ إجراء، هناك خطر أن خدعتنا سوف تنكشف ولن يتحقق أي شيء باستثناء أن تهديداتنا سوف تكشف عداء».

ويكشف تقرير بالغ السرية عما دار في اللقاء حيث قال خلاله السير نيفيل براونجون، ممثل قائد الأركان العامة الامبراطورية، إنه «من المهم أن نحرص على الإبقاء على أكبر قدر من التعاملات الودية مع الجيش المصري»... وأوصى بأنه «من المستحسن أن نقوِّي الجنرال نجيب، ونسانده».

وناقش الاجتماع السلطات التي ينبغي أن تُمنح لقائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط للتحرك من تلقاء نفسه في ظل التطورات في مصر.

وأجمع المشاركون في الاجتماع على ضرورة أن يعود قادة القوات، إن أمكن، إلى وزير الدفاع قبل اتخاذ أي إجراء...  غير أنهم قرروا أنه «في حالة نشوء حالة طارئة وخطيرة، ينبغي أن تكون لديهم صلاحيات اتخاذ إجراء لضمان أمن قواتهم، وهم في الواقع ملزمون بضمان سلامة رجالهم مهما كانت السلطات الممنوحة لهم».

وحول الرؤية البريطانية لأحداث الثورة قدمت  الدكتورة هدى جمال عبد الناصر استاذة التاريخ وكريمة الرئيس الراحل عبد الناصر دراسة مهمة بعنوان  «ثورة يوليو في الوثائق البريطانية» كشفت فيها أن  لندن نظرت للثورة كمصدر تهديد للنفوذ البريطاني والمصالح الغربية،وقالت أن  بريطانيا سعت عام 51 لفصل سيناء وتدويل القناة.. وبحسب الوثائق فإن الحكومة  ربطت  موافقتها على الجلاء عن مصر، بموافقة مصر على الدخول في علاقة تحالف دفاعي معها، يتيح لها إبقاء قوات عسكرية بريطانية في قاعدة قناة السويس بصورة دائمة، تحت ذريعة مواجهة الخطر السوفييتي.

 وتكشف الوثائق البريطانية النقاب عن وجود خطة بريطانية وضعها الكولونيل «جينينجز براملي» عام 1951، تهدف إلى فصل شبه جزيرة سيناء عن مصر ووضعها تحت الإدارة الدولية، وتدويل قناة السويس.

وأكدت هدى عبدالناصر بأن الوثائق البريطانية مصدر مهم وثري للدراسات في تاريخ مصر لافتة إلى أنه  قبل قيام الثورة بعدة أيام رصدت الوثائق البريطانية الأوضاع الداخلية المتدهورة، فالملك أصبح هو المسيطر على الأمور، وساعد ضعف الوزارة على التنبؤ بسقوطها، وهو ما حدث في 22 يوليو 1952، حيث عين نجيب الهلالي رئيسا لها.

وقالت إن رئاسة  الأركان البريطانية وضعت خطة للسيطرة على أجزاء كبيرة من الدلتا وبعض ضواحي القاهرة والإسكندرية، وذلك في حالة حدوث مستجدات خطيرة على الساحة السياسية المصرية من وجهة النظر البريطانية.

  ومن أمثلة ذلك قيام تمرد عسكري في صفوف الجيش يؤدي نجاحه إلى شيوع حالة من الفوضى والاضطراب، ما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمصالح البريطانية في مصر.

 تطويق قوات الجيش البريطاني لعدد من قوات البوليس في مدينة الإسماعيلية في 25 يناير 1952 وإبادتهم، احتجاجا على أعمال الفدائيين في منطقة القناة، ثم ما تبعها في اليوم التالي من اندلاع الحرائق في القاهرة التي استهدفت بالدرجة الأولى ممتلكات الأجانب. 

وقد تعرضت الوثائق البريطانية بصورة تفصيلية للحدثين، حيث شكلت الحكومة البريطانية لجنة تحقيق للتوصل إلى الحقيقة في أحداث 26 يناير، وقدمت هذه اللجنة تقريرا مطولا يتكون من 58 صفحة، أصبح متاحا للباحثين عام 2001 فقط. 

وحول  الرؤية البريطانية لأحداث الثورة قبل قيام الثورة بعدة أيام رصدت الوثائق البريطانية الأوضاع الداخلية المتدهورة، فالملك أصبح هو المسيطر على الأمور، وساعد ضعف الوزارة على التنبؤ بسقوطها، وهو ما حدث في 22 يوليو 1952، حيث عين نجيب الهلالي رئيسا لها. وقد عكست الوثائق البريطانية في هذه الفترة القلق من تذمر شباب الضباط داخل الجيش، وانخفاض شعبية الملك بينهم بسبب إصراره على تعيين ضباط حاشيته في المراكز المهمة في الجيش، وبرز اسم محمد نجيب الذي رشحه شباب الضباط لمواجهة مرشح الملك، على أساس أنه الشخصية التي يتجمع حولها هؤلاء الضباط. 

ولم تستبعد التقارير البريطانية احتمال قيام تمرد عسكري يؤدي نجاحه إلى الفوضى وأعمال العنف بواسطة المتطرفين، خاصة مع سوء الأحوال الاقتصادية، ما قد يستوجب تنفيذ الخطة rodeo.

 وفي نفس الوقت حدث اتصال من جانب السفارة البريطانية بالسفارة الأمريكية في القاهرة في 21 يوليو، لإبلاغهم بتقديراتهم لخطورة الموقف داخل الجيش، إلا أن الأمريكيين ردوا بأن الأمر ليس بهذه الخطورة. وعندما أجرى الملك التغيير الوزاري في 22 يوليو، وتولت حكومة الهلالي التي عين فيها إسماعيل شرين وزيرا للحربية للتعامل مع شباب الضباط، صدرت التقارير من السفارة البريطانية بأن الوضع أصبح مطمئنا. وفي ليلة 23 يوليو فوجئ الجميع بتحرك مجموعة من رجال الجيش واستيلائهم على القاهرة، وتتبعوا تسلسل الحوادث وفوجئوا بطاعة رجال البوليس لأوامر قادة الحركة فور قيامها، ثم توالي تأييدها من جانب قطاعات الجيش المختلفة في سيناء، وكذلك القوات الجوية المصرية التي أظهرت ذلك بالطيران فوق القاهرة والإسكندرية، حيث كان الملك والحكومة يقضيان أشهر الصيف.

وقد أرسلت قيادة حركة الجيش صباح الثورة رسالة إلى السفارة البريطانية، من خلال أحد أعضاء السفارة الأمريكية، بأنهم سيقاومون أي تدخل بريطاني ضدهم، وأن تلك الحركة مسألة داخلية تماما هدفها الأساسي هو وضع حد للفساد في البلد. 

في نفس الوقت سارع كبار رجال النظام، مثل عمرو باشا ومرتضى المراغي، إلى الاتصال بالسفارة البريطانية لطلب التدخل العسكري البريطاني لقمع الحركة، على أساس أنها مستوحاة من الشيوعيين والإخوان المسلمين، وأن ضباط الحركة من المتطرفين المعادين للرأسمالية. 

وكذلك أبلغ «كافري» السفير الأمريكي في مصر «كريزويل» القائم بأعمال السفارة البريطانية، أن الملك اتصل به تليفونيا عدة مرات منذ الثانية صباح 23 يوليو، مرددا أن التدخل الأجنبي هو وحده الذي يمكن أن ينقذ أسرته! 

وعلق «كافري» أن الملك وإن لم يطلب صراحة التدخل العسكري البريطاني، إلا أن ذلك كان متضمنا في كلامه.

وقد أضاف أن الملك كان في حالة ذعر شديد، وأنه حاول تهدئته وتشجيعه على مواجهة الموقف، على أمل أن يستمر في موقعه، ولكن في إطار ملكية دستورية. 

وقد عكست الوثائق البريطانية الانطباعات البريطانية يومي 23 و 24 يوليو 1952 من مختلف المصادر في مصر، السفارة البريطانية، وقيادة القوات البريطانية في الشرق الأوسط في منطقة القناة، وردود الفعل في الخارجية البريطانية ووزارة الحرب في لندن. وتبلور الموقف البريطاني كما يلي يوم 23 يوليو:

- تم رفع استعداد القوات البريطانية في منطقة القناة بهدوء، ومنعت الطائرات البريطانية من الطيران فوق الدلتا، لعدم إثارة الشعور المعادي لبريطانيا.

- الحرص على تجنب أي تحرك استفزازي للقوات المسلحة المصرية من جانب القوات المسلحة البريطانية، طالما لا يوجد أي تهديد لحياة وممتلكات البريطانيين أو لأمن القوات البريطانية في منطقة القناة. 

وفى يوم 25 يوليو: أبلغ السفير الأمريكي في القاهرة السفارة البريطانية أن الملك أرسل له يوم 25 يوليو ما بين الساعة 4، 5 صباحا عدة رسائل، يطلب فيها طائرة أو مركبا أمريكية ليهرب بها، خاصة بعد أن أعلن كل الحرس الملكي تأييده لحركة الجيش، وبعد أن وصلته الأخبار بتحرك قوات من الجيش المصري ودبابات في طريق القاهرة، الإسكندرية، وأنها على وصول، وأنه يخشى أن يعرف ضباط الحركة عن اتصاله بالسفارة الأمريكية، ولذلك فهو يطلب التدخل البريطاني. وبناء على ما سبق بدأ البحث عن أقرب السفن العسكرية البريطانية للشواطئ المصرية، فوجدت سفينتان إحداهما على بعد 10 ساعات والثانية على بعد 6 ساعات، ولكن قائد البحرية البريطانية أوضح أنه لا يمكنه استخدام هذه السفن لهذا الغرض إلا بعد استشارة رئيس الوزراء البريطاني.

يوم 26 يوليو: توالت الرسائل من الملك إلى السفير الأمريكي، الذي كان يقوم بنقلها إلى السفارة البريطانية. ففي الساعة الثامنة صباحا أرسل الملك رسالة من القصر بأن القوات العسكرية المصرية دخلت أرض القصر بالقوة، وحدث ضرب رصاص. 

وفي الساعة الحادية عشرة والربع أبلغه الملك أنه أعطى مهلة حتى الساعة الثانية عشرة ظهرا للتنازل عن العرش لابنه، وحتى الساعة السادسة بعد الظهر لمغادرة البلاد. وفي الموعد المحدد غادر الملك فاروق أرض مصر على اليخت الملكي «المحروسة» 

وكان «كافري» في وداعه. وتتضمن الوثائق البريطانية وصفا تفصيليا لأحداث يوم 26 يوليو في القصر كما رواها السفير الأمريكي. وبعد تلك الأحداث الفاصلة عبر وزير الخارجية البريطانية عن موقف الحكومة البريطانية من التطورات السريعة التي حدثت في مصر من 23 يوليو إلى 26 يوليو، وقد تلخص في عدم التدخل على أساس أن تلك مشكلة داخلية، وقد أضاف معلقا أن الحكومة البريطانية كانت دائما ترى ضرورة تطهير مصر من العناصر الفاسدة في القصر والإدارة، حتى يستتب الأمر في البلاد.

 إلا أنه أظهر قلقه من نشاط الجيش في القاهرة، ومن الشائعات بأن بعض الضباط في الحركة لهم علاقات بالإخوان المسلمين، خوفا من سيطرة عناصر متطرفة على السلطة، ومن هنا فقد كان أفضل وضع بالنسبة لهم هو استمرار وزارة علي ماهر.

 ويلاحظ أن أهم ما ركزت عليه التقارير البريطانية هو رصد رد فعل الشعب المؤيد لحركة الجيش، وذلك من الترحيب والهتافات المؤيدة التي قوبلت بها القوات المسلحة المصرية لدى دخولها الإسكندرية في 25 يوليو، لحراسة القنصليات وتأمين الوضع بالمدينة قبل مغادرة الملك. 

وفور الاعتراف بنجاح حركة الجيش، بدأت التقارير التي تعيد تقدير الموقف، ويلاحظ منها مدى تعاظم الدور الأمريكي في الموقف، وخاصة في حالة لجوء بريطانيا إلى استخدام القوات العسكرية ضد النظام الجديد في مصر بتطبيق العملية rodeo. 

ولقد كان تقدير البريطانيين أن الرأي العام الأمريكي لن يؤيد التدخل العسكري البريطاني خارج منطقة القناة، بل سيدينه، وحيث إن هذه هي سنة الانتخابات الأمريكية، فمن المتوقع ألا تقوم الحكومة الأمريكية بتأييد بريطانيا، ولو معنويا، في هذه الحالة، وهذا يعني الانقسام بين بريطانيا والولايات المتحدة حول سياسة الغرب في الشرق الأوسط، مما اعتبره السياسيون البريطانيون كارثة.

 إلا أن الحكومة البريطانية لم تعترف بسرعة بالنظام الجديد في مصر، وظلت ترقب الأمور بحذر، إلى أن صدر من الحكومة الأمريكية تصريحا في 3 سبتمبر، أعطى الانطباع باستعدادها لتأييد نظام 23 يوليو طالما أنه لا يشرك شيوعيين في الحكومة.