خطة «الاعتقال الجماعى» «للفلسطينيين بستار «الإنسانية

مرڤت الحطيم
على أنقاض مدينة رفح الفلسطينية التى سوتها إسرائيل بالأرض، تُخطط إسرائيل لإقامة مدينة من الخيام تسميها «مدينة إنسانية» فى خطوة جديدة تُوصف بأنها محاولة مكشوفة لفرض تهجير جماعى وعزل ممنهج لمئات الآلاف من المدنيين فى غزة.
وهى محاولة جديدة من جانب اليمين المتطرف لإقامة بوابة لتهجير الفلسطينين من أرضهم، تحت وطأة القصف والإرهاب والتجويع.
معتقل بلا أسوار
تسوق إسرائيل للمنطقة التى تعتزم إقامتها شرق رفح على أنها توفر الحد الأدنى من مقومات الحياة لعشرات آلاف النازحين الذين اقتلعوا قسرًا من شمال ووسط وجنوب القطاع.
غير أن هذا المشروع، الذى يقدم تحت مزاعم الإنسانية، يراه مراقبون واجهة لخطة تهجير هادئة ووسيلة ضغط تفاوضى تُمارس على الفلسطينيين تحت وطأة الحرب والجوع وانهيار الخدمات.
وفقًا لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، نقلًا عن مسئولين كبار، أن الخطة تنص على احتجاز نحو نصف مليون فلسطينى داخل رفح ومنعهم من العودة إلى شمال قطاع غزة، وهو ما تعتبره مصادر أمنية مقدمة لفرض حكم عسكرى مباشر فى القطاع.
موقع المدينة
وكشفت الصحيفة عن أن «المدينة» ستقام بين محورى فيلادلفيا وموراج جنوب القطاع، بزعم الفصل بين المدنيين وعناصر الفصائل الفلسطينية.
وكشفت هيئة البث الإسرائيلية أن معظم بنود خطة «المدينة الإنسانية» مثيرة للجدل، وعلى رأسها منع الخروج منها لمن يدخلها.
الخطة، التى يشرف على تنفيذها المدير العام لوزارة الدفاع أمير برعام، تنص على إنشاء مدينة تضم نحو 600 ألف فلسطينى يخضعون لعمليات تفتيش قبل دخولهم ولا يسمح لهم بالمغادرة لاحقًا.
وبحسب التقارير، يقضى المخطط بنقل جميع سكان قطاع غزة إلى هذه المدينة مع الامتناع عن توزيع أى مساعدات أو مواد غذائية خارجها، فى محاولة لجلب الفلسطينيين قسرًا إلى المنطقة.
انتقادات إسرائيلية وتشبيهات «مروعة»
أعرب الجيش الإسرائيلى عن تحفظه على الخطة، معتبرًا أنها خطوة تمهد لحكم عسكرى مرفوض، بينما تصاعدت الانتقادات داخل المعارضة الإسرائيلية.
قال يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، إن الـ15 مليار شيكل المخصصة لهذه «المدينة الإنسانية» يمكن استخدامها لتقليص عدد الطلاب فى الصفوف، وخفض أسعار الوقود والمواصلات، ودعم الحضانات ورياض الأطفال.
وأضاف أن الحكومة «تنفق أموال الطبقة المتوسطة لإرضاء أحلام سموتريتش وبن غفير المتطرفة بدلًا من إنهاء الحرب وإعادة الأسرى».
أما أودى سيجال، محلل الشئون السياسية فى القناة 13 العبرية، فاعتبر أن الخطة مكلفة و«خطأ سياسى فادح»، داعيًا إسرائيل إلى التحرر من المسئولية عن غزة والتوجه نحو حل سياسى بدلًا من اتخاذ خطوات عسكرية إضافية.
وفى افتتاحية نشرتها صحيفة «هآرتس» فى التاسع من يوليو، حذرت من «المدينة الإنسانية» قائلة: «شعب الله المختار، الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط بواسطة الجيش الأكثر أخلاقية فى العالم، يعرض الآن المدينة الإنسانية فى غزة».
وقالت «لا يهم فى أى غلاف لامع ستُغلّف خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، فهما يعملان علنًا على تجميع السكان فى غزة فى معسكرات، تمهيدًا لترحيلهم إلى خارج قطاع غزة».
وأضافت الصحيفة «إن وزير الدفاع كاتس عرض خطة المدينة الإنسانية فى رفح، حيث سيُجمّع مئات آلاف الفلسطينيين تحت إغلاق وتفتيش بدون إمكانية الخروج، بوصفها حلًا إنسانيًا، لكن ذلك ليس إلا تشويهًا للغة».
معتقلات النازية
وكشفت عن أن هذه الخطة المشوهة طرحها نتنياهو فى واشنطن، واصفة إياها باستخفاف بذكاء كل العالم، خاصة أنها تتبنى فكرة دونالد ترامب التى تُسمى خيارًا حرًا «من يريد أن يبقى يمكنه ذلك، لكن من يريد أن يغادر فيجب عليه السماح له أيضًا».
وفى اليوم التالى، قارنت «هآرتس» ضمنيًا ما يحدث بـ«عهود مظلمة» (فى إشارة للنازية دون ذكرها)، مشيرة إلى أن «ما دام معسكر الاعتقال لم يكن محطة انتقالية فى الطريق إلى أفران الغاز فإنه من السهل دحض المقارنة، وتسويغ كل ظلم، طالما لا يدور الحديث عن محرقة فكل شيء على ما يرام».
ووصفت «الخطة بأنها ترانسفير إجرامي»، مؤكدة أن «ما يسوق له تحت مسمى مدينة إنسانية ليس سوى معسكر اعتقال فى الخيام ودون أسوار يرسل إليه الفلسطينيون فى غزة ولا يسمح لهم بالمغادرة إلا إذا اختاروا الهجرة».
خلافات حول التمويل
تكلفة إنشاء «المدينة الإنسانية» تتراوح بين 10 إلى 15 مليار شيكل، وستتحمل إسرائيل هذه التكاليف فى المرحلة الأولى على أمل الحصول على دعم مالى لاحق من دول أخرى.
وكشفت صحيفة «كالكاليست» الاقتصادية الإسرائيلية عن خلاف بين الجيش ووزارة المالية بقيادة بتسلئيل سموتريتش، الذى يدفع بقوة نحو إنشاء المدينة.
ورغم أن الجيش طالب بزيادة 60 مليار شيكل لميزانية الدفاع، إلا أن «كالكاليست» علمت أن الاتفاق بين الوزارتين لم يشمل تكاليف «المدينة الإنسانية»، حيث يقدر الجيش تكلفة البناء الأولية بـ10 مليارات شيكل، ويريد أن تدفعها وزارة المالية خارج ميزانية الدفاع، هذا بخلاف 10 مليارات شيكل أخرى لتكاليف التشغيل.
لكن سموتريتش، الذى يدفع للإسراع فى إنشاء هذه المدينة، سارع بالقبول بدفع المبلغ، معتبرًا أن هذه التكلفة «أقل من تكلفة إنشاء خط بارليف الذى سقط فى حرب أكتوبر 1973، وهى أكثر أهمية منه».
ولم يكن من قبيل الصدفة أن تُصر حماس على تفكيك محور موراج فى مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، ففى إسرائيل هناك أغلبية واسعة تؤيد التبادل ووقف إطلاق النار مقابل إنهاء الحرب وعودة الأسرى والانسحاب من القطاع.
تفكيك محور موراج
وقد أصبحت فكرة تفكيك محور موراج تهديدًا لفكرة «المدينة الإنسانية» التى تخيل اليمين الإسرائيلى أنها يمكن أن تمنع إنهاء الحرب وتبقى فكرة التهجير والعودة لاستيطان غزة حية.
وعندما كان نتنياهو يتحدث عن «لا حماس ولا فتح فى غزة»، كان يقول فعليًا إنه لا يريد فلسطينيين فى غزة من الأساس.
وما كان اختيار زعامات مثل تجار المخدرات والعملاء للتفاهم معهم حول «اليوم التالي» إلا مجرد تذكير بما يطمح إليه نتنياهو واليمين عمومًا.
فمحور موراج، الموسع أو المقلص، يهدف لحماية فكرة «المدينة الإنسانية» التى هى بوابة التهجير.
فى الأخير فإن اليمين المتطرق الذى يمثله نتنياهو وكاتس وسموتريتش يسوقون لمشروعهم تحت شعار «المدينة الإنسانية»، والذى قد ينجحون جزئيًا فى تنفيذه مع إدارة ترامب، لكنه لا شك أنهم سيخسرون اللعبة فى نهاية المطاف، بسبب إصرار الفلسطينيين فى غزة، رغم القتل والتدمير، على البقاء فى العراء وعدم اللجوء إلى «مدينة» تفتقر إلى الإنسانية.
لأنهم يدركون أن تلك المدينة ستتحول تحت الضغط والإرهاب والتجويع، لبوابة للتهجير القسرى.