الجمعة 25 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

عن الصدق الذى بداخله

عمر الشريف.. النجم الذى قال كل شىء دون خوف

منذ أن بدأ مشواره السينمائى بطلًا فى فيلم (صراع فى الوادى) عام 1954 وحتى رحيله عام 2015، لم يكن «عمر الشريف» يشبه أحدًا من نجوم عصره، فقد كانت له سمات خاصة جعلت منه ظاهرة إنسانية وفنية، وليس مجرد نجم مصرى شق طريقه إلى العالمية، ولعل جرأته فى مواجهة المألوف، وشجاعته فى قول ما لا يُقال، كانت أحد تلك السمات التى ميزت شخصيته، وأزاحت الستار عن الصدق الذى بداخله، والعداوة التى بينه وبين كل زيف، وفى السطو التالية نحاول أن نرصد أجرأ ما قاله «لورنس العرب» عن نفسه، فى الحب، والسياسة، والفن.



شقاوة صغار

فى منتصف عام 1975، أى بعد حوالى عشرين عامًا من ظهوره، قرر «عمر الشريف» نشر مذكراته بعنوان (الرجل الخالد) والتى أملاها على الصحفية الفرنسية «مارى تيريز جينشار» وقد كشف فى هذه المذكرات جانبًا من طفولته وصباه، والتى حكى فيها عن علاقته الشائكة بوالده تاجر الأخشاب المتدين، الذى وقف فى طريق حلمه باحتراف التمثيل فى بداية الأمر حتى لا يصبح ابنه (مهرج متجول) على حد قوله، وأجبره على معاونته فى تجارته لمدة عامين كانا هما الأسوأ فى حياة «عمر» حيث لم يخجل فى مذكراته أن يُعلن أنه تسبب فى خسارته عامدًا حتى يتركه يعمل ما يحب، أما علاقته بشقيقته الصغرى فلم تكن على ما يرام أيضًا، خاصة أنها ورثت التعصب الدينى من والدهما، حتى أنها كانت ترى فى أغلب الأفعال العادية خطايا مميتة، وبالتالى كانت تدين جميع تصرفاته، وعندما غير دينه، بسبب زواجه من «فاتن حمامة» كان الأمر فى نظرها كارثة.

 تذكر «عمر» فى مذكراته ليلة من ليالى صباه، حينما خرج فيها للسهر كعادته فى فندق سميراميس، حيث لا يبعد كثيرًا عن منزل الأسرة وفى الثالثة صباحًا، وقد كاد المحل أن يغلق أبوابه، تقدم إليه الساقى بورقة الحساب، واكتشفت أنه لم يكن يحمل نقودًا، فأخذ يسأل الرفاق المتواجدين معه فى السهرة، فوجدهم جميعًا مفلسين، فطلب منهم أن ينتظروه دقائق، وذهب مسرعًا إلى منزله، لكنه لم يشأ أن يوقظ أبويه فى مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل، ولأنه كان يعرف أن شقيقته تدخر مبلغًا من المال، تضعه بداخل وعاء خزفى، وتخبئه فى مكان أمين، قرر بمجرد وصوله إلى البيت أن يخلع حذاءه، ويتسلل بخطى لا تُسمع إلى غرفتها، وأخذ يبحث حتى اهتدى إلى المكان الذى تخفى فيه كنزها الثمين، فاستولى على ما بداخل الوعاء وعاد لأصدقائه ودفع للساقى ثمن ما سقاه، وفى اليوم التالى استيقظ مبكرًا على صراخ شقيقته بعد اكتشافها السرقة، مما عرضه للعقاب، ويصف «عمر» هذا الموقف فى مذكراته قائلا (عذَرتها لتصرُّفها، ولكنى لُمْتها فقط لأنها لم تحاول التفاهم معى بهدوء، قبل أن تثير الفضيحة وسط العائلة، كان فى نيتى أن أرُدَّ لها ما أخذتُ وأكثر، وقد ظلِلتُ لسنينَ طويلة، آخذ على أختى عدم تعاونها معى، وربما أيضًا عدم تستُّرها علىَّ، ولكن اليوم غير الأمس، أنا اليوم أحب أختى، أحبها جدًّا، أحبها لأنها شقيقتى؛ فالروابط الأسرية لها أهميتها وقيمتها عندى. ثم نحن اليوم على وفاق، لم يعُد لصدامات الأمس ولا خلافاته أى وجود).

دور تاريخى

كان لـ«عمر الشريف» العديد من التصريحات السياسية التى أحدثت ضجة واسعة فى زمنها، حيث اختار أن يقول الحقيقة دائمًا كما هى، بلا خوف، ولا حرص على الصورة، ولا خضوع لأى حسابات، وكان من أشد المعارضين للرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» بل إنه رفض طلب رئيس المخابرات فى ذلك الوقت «صلاح نصر» بأن يلعب دور الجاسوس لصالح مصر من خلال كشف بعض الأخبار عن عدد من الشخصيات الشهيرة غير المصرية خاصة أنه كان دائم السفر، وفى أحد حواراته الصحفية وصف «عمر» الرئيس «جمال عبد الناصر» بالرجل الذى قاد البلاد إلى الهاوية، وأنه كان يعتقد بجهله أن باستطاعته هزيمة اليهود بكذبة حرب الستة أيام، وأن الغلابة الفقراء والفلاحين المصريين صدقوه وانقادوا وراء طيشه.

 وعلى النقيض تمامًا كانت علاقته بالرئيس «أنور السادات» وقد ذكر أنه فى عام 1977، وأثناء تواجده فى باريس استقبل مكالمة هاتفية من السفارة المصرية هناك وطلب منه السفير الحضور إلى مقر السفارة لأمر عاجل، وبمجرد وصوله إلى مقر السفارة كانت المفاجأة عندما أخبره السفير أن الرئيس يريد محادثته تليفونيًا، وعندما تحدث السادات معه قال له (يا عمر عايزك تكلم رئيس وزراء إسرائيل «مناحم بيجن» وتقوله إن السادات عايز يجى إسرائيل) وعلى الفور ذهب عمر إلى سفارة إسرائيل فى باريس، وهاتف «بيجن» من هناك، فقال له الأخير (السادات لو جه عندنا هستقبله استقبال المسيح) وقال «عمر» أنه وافق على أن يتوسط فى هذا الأمر لأنه مقتنع تمامًا بفكرة السلام بين البلاد وخاصة أنه عاصر الكثير من الخلافات والحروب السياسية، وأنه لولا اقتناعه بفكرة زيارة الرئيس السادات لإسرائيل من أجل السلام ما كان وافق على هذا الطلب.

حب لم يمحه الفراق

قصة عمر الشريف وفاتن حمامة ليست فقط من أشهر قصص الحب فى تاريخ الفن العربى، بل من أصدقها وأكثرها إنسانية، فلم يكن زواجهما مجرد زواج تقليدى انتهى بالفراق، بل كان رابطًا لا يقطعه الزمن، ولا تغيبه الشهرة، ولا تنتصر عليه الحياة، ورغم الحديث عن خيانته له، وسعيه خلف بريق النجومية على حساب بيته وأسرته، إلا أن ما حدث بعد طلاقهما كان خير دليل على صدقه فى حبها، فلم يتزوج «عمر» من بعدها، بل إنه قال فى إحدى مقابلاته أنه لم يقع فى الحب الحقيقى سوى معها، لأنه لم يعان عند انفصاله عن العابرات فى حياته كما عانى وقت انفصاله عنها، فلم يكونوا سوى (كومبارسات) فى حياته على حد تعبيره، وإذا كانت «فاتن حمامة» قد تزوجت بعد انفصالها عن «عمر» رسميًا بوقت قصير، فإن هذا الأمر بالقطع لم يكن هينًا عليه، فقد استمر فى الحديث عنها، والإفصاح عن ندمه على التفريط فيها، وفى أحد لقاءاته التليفزيونية التى أجراها بعد زواجها قال: إنه ربما سيكون أكثر سعادة لو أنه لم يُشارك فى (لورنس العرب) ولو أنه لم يصبح مشهورًا عالميًا، فقد كان -على حد قوله- يملك زوجة رائعة وطفلاً، وكانت لديه حياة رائعة، لكنه أصبح مشهورًا فجأة وفرقته الحياة عن زوجته ومن يومها لم يستطع الوقوع فى الحب ثانية، واصفًا الشهرة بالسجن الذهبى الذى قيده أكثر مما حرره، وإذا كان «عمر» لم يكف عن الحديث عن «فاتن» فعلى النقيض تمامًا، كانت «فاتن» تبدو مستاءة عندما تأتى سيرة قصة حبهما، وكانت غير راغبة فى الحديث عنه، نظرًا لأنها أصبحت زوجة لرجل آخر ولا يصح أن تتحدث عن علاقاتها السابقة.