عمر الشريف.. أيقونة عالمية

عمر الشريف.. أيقونة عالمية
عندما يُذكر اسم «عمر الشريف»، تتجه الأذهان مباشرة إلى «لورنس العرب» و«دكتور زيفاجو» وأضواء هوليوود، لكن الحقيقة أن مسيرة هذا النجم العالمى بدأت على ضفاف النيل، وسط أضواء الاستوديوهات المصرية التى شهدت ولادة موهبة استثنائية وفنان لن يتكرر.
البدايات الذهبية
فى عام 1954، انطلقت شرارة عمر الشريف السينمائية مع فيلم «صراع فى الوادى» للمخرج الشاب آنذاك يوسف شاهين. لم يكن الفيلم مجرد بداية لفنان شاب، بل شكل نقطة تحول فى حياته، حيث جمعته الشاشة لأول مرة بالفنانة فاتن حمامة، التى لم تصبح فقط شريكته فى عدد من أهم أفلامه، بل رفيقة دربه لسنوات. من بين تلك الأعمال الخالدة: «لا أنام» (1957)، «سيدة القصر» (1958)، و«نهر الحب» (1960).
فى تلك المرحلة، قدّم الشريف مجموعة من الأفلام التى أبرزت تنوعه وقدرته على تجسيد أدوار مختلفة، من الرومانسى إلى الوطنى وحتى التراجيدى. من أبرز هذه الأعمال: «أيامنا الحلوة» (1955) إلى جانب عبد الحليم حافظ وأحمد رمزى، «صراع فى الميناء» (1956)، «جميلة» (1958) مع ماجدة، «حبيب حياتى» (1958)، و«إحنا التلامذة» (1959)
نقلة عالمية وتراجع محلى
مثّل عام 1962 نقطة تحول كبرى فى مسيرة النجم «عمر الشريف»، حين اختاره المخرج البريطانى «ديفيد لين» لتجسيد دور «الشريف على» فى الفيلم العالمى «لورنس العرب». لم يكن الدور مجرد نجاح عالمى، بل بوابة لعمر الشريف إلى هوليوود والعالمية، جعله النجم العربى الوحيد الذى ترشّح لجائزة الأوسكار.
رغم انشغاله فى الخارج، لم يغِب تمامًا عن السينما المصرية. ففى عام 1961، شارك فى الفيلم الوطنى المميز «فى بيتنا رجل» إلى جانب «رشدى أباظة» و«حسن يوسف» و«زبيدة ثروت» و«حسين رياض» و«زهرة العلا». كان أداء «الشريف» وسط هذه المجموعة من عمالقة التمثيل أداءً واثقًا وهادئًا أكد موهبته وحضوره الذى لا تخطئه العين.
كما قدّم واحدًا من أبرز الأعمال الكوميدية فى تاريخ السينما المصرية، فيلم «إشاعة حب» (1960)، حيث جسد شخصية «حسين» الشاب المنطوى الخجول الذى لا يهتم بمظهره، فاهتمامه مُنصب على عمله فقط. الفيلم ضم نجم الكوميديا «عبد المنعم إبراهيم» إلى جانب نجم المسرح «يوسف وهبى» الذى أدى دورًا كوميديًا لا يُنسى وكذلك فتاة أحلام الشباب «سعاد حسنى». وشهد الفيلم ظهورًا خاصًا للنجمة «هند رستم» فى مشاهد محفورة فى ذاكرة عشاق السينما المصرية «عمر الشريف» وإن لم يكن فنانًا كوميديًا إلا أنه أثبت من خلال هذا الفيلم أن حضوره الاستثنائى وروحه المرحة تسمحان له بتمثيل كل الأدوار.
العودة
مع بداية الثمانينيات، بدأ عمر الشريف يعود تدريجيًا إلى الشاشة المصرية. شارك فى عدد من الأفلام المهمة والتى مثل فيها أدوارًا مختلفة عما اعتاد عليه جمهور «عمر الشريف» قبل ابتعاده عن السينما المصرية. من بين هذه الأفلام فيلم «أيوب» (1983)، ثم شارك فى فيلم «المواطن مصرى» (1991) المأخوذ عن قصة للكاتب الكبير «يوسف إدريس»، وتلاها فيلم «ضحك ولعب وجد وحب» (1993)، الذى أعاد تقديمه لجمهور الجيل الجديد.
وفى ختام رحلته السينمائية، شارك الشريف فى أعمال حملت رسائل إنسانية ووطنية واضحة، مثل «حسن ومرقص» (2008) مع عادل إمام، فى دعوة للتعايش والتسامح، ثم فى فيلم «المسافر» (2009) ضمن إنتاج مصرى أوروبى مشترك، أكّد فيه أن انتماءه الأول كان وسيبقى للكاميرا المصرية.
رغم سنوات الغياب الطويلة عن الشاشة المحلية، لم تنقطع صلة «عمر الشريف» بالسينما المصرية التى اكتشفت موهبته وأعطته الفرصة ليكون نجمًا فى بلده قبل أن تختاره السينما الغربية ليكون نجمًا بشكل مختلف بعيون مخرجين غربيين. كان «الشريف» يعود كلما سنحت الفرصة، لا بحثًا عن دور أو شهرة، بل وفاء لذاكرة المكان والبدايات. كان سفيرًا للسينما العربية فى الخارج، وعاشقًا دائمًا للكاميرا المصرية التى أحبته وقدمته للجمهور المصرى والعربى وكان نجاحه فى السينما بوابته التى عبر من خلالها إلى السينما العالمية.